السبت 05 رجب 1433 هـ الموافق لـ: 26 ماي 2012 19:13

- شرح أصول التّفسير (1) المقدّمة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

مقدّمة الشّرح:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أشرف ما عُنِيت به النّفوس، وشغلت به القلوب، كلام الله عزّ وجلّ الّذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصّلت]، والّذي قال فيه المولى تبارك وتعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} [الإسراء].

فالقرآن هو حبل عاصمٌ ممدود من ربّنا الرّحيم الودود، فيه نبأ ما كان قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرّد، ولا تنقضي عجائبه، هو الّذي لم تنته الجنّ إذ سمعته حتّى قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}، من قال به صدق، ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.

وهذا شرح مختصر لكتاب حوى قواعد مهمّة في علم أصول التّفسير على صِغر حجمه، نسأل الله أن ينفعنا به، إنّه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.

وينبغي لكلّ شارع في فنّ من الفنون أن يتصوّرَه ويعرفه قبل الشروع فيه، ليكون على بصيرة فيه، ويحصلُ التصوّر بمعرفة المبادئ العشرة المنظومة في قول بعضهم :

إنّ مبـادئ كلّ فـنّ  عَشـره *** الحـدّ، والمـوضـوع، ثمّ الثَّمرهْ

وفضـلُه، ونسبـةٌ، والواضـع *** والاسم، الاستمداد، حكم الشارع

مسائلٌ، والبعضُ بالبعضِ اكتفى *** ومن درى الجميـع  حـاز  الشّرفا

1- أمّا حدّه: وهو اصطلاح المناطقة.

فأصول التّفسير له تعريفان، أحدهما:

أ) التّعريف باعتباره مركّباً تركيبا إضافيّا:

- فالأصول جمع أصل، وهو ما يُبنَى عليه غيره بناءً حسّيا أو معنويّا، أو هو الأساس.

- التفسير في اللّغة: هو الإيضاح والتّبيان، والكشف عن الشّيء، ومنه قوله تعالى:{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي: بيانا وإيضاحا.

و( التّفسير ) مشتقّ من ( الفسر )، فإذا قلت: فَسَرَ الشّيءُ، أي: بان وظهر.

ولو قدّمت السّين وأخّرت الفاء بقيت الكلمة على معناها، فـ: (سفر) معناه كشف، وأسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، وهو السّفور، ومنه أيضا قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر:34]: أي أضاء، ومنه (السّفر) لأنّه يكشف عن طباع وأخلاق صاحبه، وغير ذلك.

إلاّ أنّ السّفر هو الكشف المادّي والظّاهر، والفسر هو الكشف المعنويّ والباطن.

والتّفسير في الاصطلاح: قال الزّركشي رحمه الله في " البرهان ":" هو علم يفهم به كتاب الله المنزّل على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه ".

وسيعود المؤلّف رحمه الله إلى التّعريف بالتّفسير في بابه إن شاء الله.

ب) التّعريف باعتباره لقبا لعلم من العلوم:

أصول التّفسير هو: الأسس والقواعد الّتي يُبنَى عليها علم التّفسير.

أي: هو العلم الّذي يضع القواعد والضّوابط للمنهج الأمثل لتفسير القرآن.

2- موضوعه: القواعد والأصول الّتي لا بدّ من اعتمادها لتفسير القرآن الكريم.

3- ثمرتُه: اجتناب الوقوع في الغلط و التّحريف في بيان مراد الله تعالى من كلامه.

4- فضلُه: فشرف العلم بشرف المعلوم، وهذا العلم أشرف العلوم لأنّه يتعلّق بكلام الله عزّ وجلّ.

5- نسبتُه: من العلوم الشّرعيّة، وبالأخصّ: علوم القرآن.

6- واضعُه: فلا يُعلم واضعه على التّحدي؛ لأنّه ثمرة مباحث متفرّقة في مصنّفات متعدّدة.

فمع ظهور المصنّفات في تفسير القرآن الكريم في القرن الثّاني للهجرة، ظهرت حاجة المفسّرين إلى العلوم الأخرى، بحسَب موضوعات القرآن، وكانت تلك الموضوعات متفرّقة، ككتب النّاسخ والمنسوخ، وأسباب النّزول، والقراءات، والمناسبات، وغيرها.

حتّى جاء القرن الثّامن الهجريّ، فظهر اصطلاح علميّ خاص يجمع أصول هذه العلوم التي تدور حول القرآن وما يحتاجه المفسر، ويعرِّف بها في علم واحد هو "علوم القرآن"، وكان حامل ذلك اللّواء الإمام بدر الدّين الزركشي رحمه الله794 هـ)، صاحب "البرهان في علوم القرآن"، فكان أوّل من ألّف في علوم القرآن بمعناها الاصطلاحي الّذي يختص بجمع ضوابط العلوم المتصلة بالقرآن الكريم من ناحية كلية عامة، ودرج من بعده الحديث عن علوم القرآن كمصطلح خاص.

وكان من بين القضايا التي تطرّقت إليها كتب علوم القرآن شروطُ المفسّر، والأصول والقواعد والضوابط التي يحتاجها المفسر، وهي بعض ما غدا يعرف حديثاً بـ"أصول التفسير"، أو "القواعد الكلية" كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أو "قانون التأويل" كما فعل الغزالي وتلميذه ابن العربي رحمهما الله، أو "علم التفسير" كما سمّاه الطوخي.

ثمّ اهتم به من المتأخرين: عبد الحميد الفراهي الهندي في كتابه "التكميل في أصول التّأويل"، لكنّه كان مشتملا على بعض القواعد، وأغفل كثيرا منها.

ويمكن تلخيص المراحل الّتي مرّ بها هذا العلم الجليل بأنّها خمس مراحل:

المرحلة الأولى: كان قواعدَ تضمّنها كلام الصّحابة والتّابعين، بل إنّنا نرى بعض الأصول والقواعد دلّ عليها كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

المرحلة الثّانية: صار المفسّرون يذكرون تلك القواعد في مقدّمات كتبهم.

المرحلة الثّالثة: إفراد هذا العلم بالتّصنيف، ولكن في أنواع منه، ككتب النّاسخ والمنسوخ، وأسباب النّزول.

المرحلة الرّابعة: إفراد هذا العلم بالتّصنيف جملة، وهو المسمّى بعلوم القرآن.

المرحلة الأخيرة: إفراد القواعد بالتّصنيف.

7- اسمُه: أصول التّفسير، أو قواعد التّفسير، أو قانون التّأويل.

8- واستمداده: من كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأقوال الصّحابة والتّابعين، وعلوم اللّغة العربيّة.

9- حكم تعلّمه: الوجوب الكفائيّ على أهل كلّ ناحية، والعينيّ على المفسّر تأليفا أو تدريسا.

10- ومسائله: التّعريف بالقرآن، ونزول القرآن، وأسباب النزول، والنّاسخ والمنسوخ، وأنواع التّفسير، واختلاف المفسّرين، وغير ذلك.

ولا بدّ أن ننبّه على أنّ هذا الكتاب لم يجمع كلّ القواعد، وإنّما ذكر أهمّها.

ومن تمام الفائدة أن نذكر أهمّ مصادر علم التّفسير:

أ) مقدّمات المفسّرين، كالطّبريّ، وأبي حيّان، وابن كثير، والقاسميّ.

ب) الرّسائل: كمقدّمة التّفسير لابن تيمية، و"فصول في أصول التّفسير" للدّكتور مساعد الطيّار -وهو من أكثر المؤلّفين تحقيقا للمسائل-، وهذه الرّسالة، و"الفوز الكبير في أصول التفسير" للدّهلوي، و"أصول التّفسير وقواعده" للشّيخ خالد العكّ، ومباحث فهد الرّومي وخالد السّبت.

ج) كتب علوم القرآن، ككتاب " البرهان "، و"الإتقان" ومناهل العرفان، ومباحث في علوم القرآن للدّكتور منّاع القطّان وصبحي الصّالح.

د) في ثنايا التّفاسير، كتفسير الطّبريّ، وابن عطيّة، والشنقيطي، وغيرها.

هـ) أبحاث متناثرة في مسائل هذا العلم

***

مقدّمة المؤلّف رحمه الله:

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وسلّم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً، أمّا بعد:

الشّرح:

هذا جزء من خطبة الحاجة الّتي كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتتح بها خطبه.

وكانت سببا في إسلام ضِمادٍ الأزديّ رضي الله عنه؛ فقد روى مسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما:

أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ [أي: الجنون ومسّ الجنّ، كما في رواية لغير مسلم:" يرقي من الأرواح"، فالجنّ سُمّوا بذلك؛ لأنّهم لا يبصرهم الناس فهم كالرّوح والرّيح]، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ ! فقالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمّا بَعْدُ )).

قال: فقالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ! فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ! هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ !

فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَعَلَى قَوْمِكَ )) قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.

قال رحمه الله:

فإنّ من المهمّ في كلّ فنٍّ أن يتعلّم المرء من أصوله ما يكون عوناً له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، ليكون علمُه مبنياً على أسس قويّة ودعائمَ راسخةٍ، وقد قيل: من حُرِم الأصولَ حُرِم الوصول.

ومن أجَلِّ فنون العلم، بل هو أجلّها وأشرفها: علم التّفسير الّذي هو تبيين معاني كلام الله عزّ وجلّ، وقد وضع أهل العلم له أصولاً، كما وضعوا لعلم الحديث أصولاً، ولعلم الفقه أصولاً.

وقد كنت كتبت من هذا العلم ما تيسّر لطلاّب المعاهد العلميّة في جامعة الإمام محمد بن سَعود الإسلاميّة، فطلب منّي بعض النّاس أن أفردها في رسالة، ليكون ذلك أيسرَ وأجمعَ، فأجبته إلى ذلك.

وأسأل الله تعالى أن ينفع بها.

ويتلخّص ذلك فيما يأتي:

* القرآن الكريم:

1- متى نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن نزل به عليه من الملائكة ؟

2- أوّل ما نزل من القرآن.

3- نزول القرآن على نوعين: سببيّ، وابتدائي.

4- القرآن مكيّ ومدنيّ، وبيان الحكمة من نزوله مفرّقاً، وترتيب القرآن.

5- كتابة القرآن وحفظه في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

6-جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.

* التّفسير:

1- معنى التّفسير لغة واصطلاحاً، وبيان حكمه، والغرض منه.

2- الواجب على المسلم في تفسير القرآن.

3- المرجع في التّفسير إلى ما يأتي:

أ-كلام الله تعالى بحيث يفسّر القرآن بالقرآن.

ب- سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّه مبلّغ عن الله تعالى، وهو أعلم النّاس بمراد الله تعالى في كتاب الله.

ج- كلام الصّحابة رضي الله عنهم، لا سيّما ذوو العلم منهم والعناية بالتّفسير؛ لأنّ القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم.

د- كلام كبار التّابعين الّذين اعتنَوْا بأخذ التّفسير عن الصّحابة رضي الله عنهم.

هـ- ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشّرعية أو اللّغوية حسَبَ السّياق، فإن اختلف الشّرعي واللّغوي، أخذ بالمعنى الشّرعيّ إلاّ بدليل يرجّح اللّغويّ.

4- أنواع الاختلاف الوارد في التفسير المأثور.

5- ترجمة القرآن: تعريفها - أنواعها - حكم كلّ نوع.

* خمس تراجم مختصرة للمشهورين بالتّفسير: ثلاث للصّحابة، واثنتان للتّابعين.

* أقسام القرآن من حيث الإحكام والتّشابه.

1- موقف الرّاسخين في العلم، والزّائغين من المتشابه.

2- التّشابه: حقيقيّ ونسبيّ.

3- الحكمة في تنوّع القرآن إلى محكم ومتشابه.

*- موهم التّعارض من القرآن والجواب عنه، وأمثلة من ذلك.

* القَسَم: تعريفه - أداته - فائدته.

* القصص: تعريفها - الغرض منها - الحكمة من تكرارها واختلافها في الطّول والقِصَر والأسلوب.

* الإسرائيليّات الّتي أقحمت في التفسير، وموقف العلماء منها.

* الضّمير: تعريفه - مرجعه - الإظهار في موضع الإضمار وفائدته - الالتفات وفائدته - ضمير الفصل وفائدته.

أخر تعديل في السبت 05 رجب 1433 هـ الموافق لـ: 26 ماي 2012 19:16
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي