الأربعاء 27 صفر 1434 هـ الموافق لـ: 09 جانفي 2013 13:43

- رسالة إلى المبذّرين والمسرفين

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، أمّا بعد:

فقد جرى أهل العلم قديما وحديثا إذا تكلّموا عن بدعة الاحتفال بالمولد النبويّ على بيان المخالفات في العقيدة والعبادة، بما لا يدع مجالا لأيّ شكّ في بدعيّته.

وأمّا في هذه البلاد خاصّة، وفي هذه الأيّام خاصّة، فإنّ هناك طائفة من النّاس ينبغي تحذيرهم أيضا من مظاهر الاحتفال بإحراق أموالهم، وتضييع قوام معاشهم.

فحديثي إلى من غلبتهم أنفسهم، وطاشت عقولهم، فراحوا يفسِدون أموالهم عن الشّمال وعن اليمين .. ويَصِمون أنفسهم بلقب مشين، فرضوا بأن يتّصفوا بـ:المسرفين والمبذّرين ..

حديثي إليك أيّها الشابّ .. لا نحبّ أن نراك تستجيب لداعي الغيّ والفساد، متنكّبا عن سبيل الهدى والرّشاد .. وأرجو منه أن يعلم الغاية الّتي خلق من أجلها، ويتذكّر الدّار الّتي سينقل إلى أهلها ..

حديثي إليك أيّها الصبيّ .. تعيش صفحة بيضاء غرّاء من عمرك، لا تدري شيئا من أمرك، ترى أنّ كلّ ما يفعله والداك فهو الصّحيح، وما يتركانه هو العيب القبيح ..

إذن فحديثي إليكما أيّها الوالدان الكريمان: فخير أولادكم ينسب إليكما، وشرّهم يعود عليكما.

وإنّكما موقوفان يوم العرض الأكبر لا تخفى منكم خافية، فتُسألان عن الأولاد وفلذات الأكباد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

وفي الصّحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )).

وفي صحيح مسلم عن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ المُزنِيِّ رضي الله عنه قال: إنّي سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ))..

حديثنا إليكم جميعا عن قُبح التّبذير والمبذّرين، وذمّ الإسراف المسرفين ..

وإنّه لا يخفى على كلّ من حلاّه الله بالإسلام وطاعة العليّ القدير، وكلّ من آتاه الله الفطنة والعقل وحُسن التّقدير، أنّ التّبذير بجميع أنواعه محرّم، فما يحتاجه المسلم هو كلمات تُعيده إلى زمرة الرّاشدين، وتخرجه من زمرة الفاسدين، وكما قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذّاريات:55].

فتذكّر أخي الكريم:

أوّلا: نهي الله عن التّبذير:

فقد قال الله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء:26]،

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} فالأقربون أولى بالمعروف، أن تغيث منهم المحتاج والملهوف، فتعطيه حقّه من البرّ والإكرام، فتنفق على الأهل والأولاد والوالدين نفقةً تسدّ بها حاجتهم، وتستحقّ بها طاعتهم واحترامهم.

{وَالْمِسْكِينَ} آته حقّه من الزّكاة والصّدقات لتزول مسكنتُه، وتُقضَى حاجتُه، وارفع عنه ذلّ الحاجة، وأعظم الأعمال سرور تُدخله على قلب مسلم.

{وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو: الغريب المنقطع عن بلده.

ولكن:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} أي: لا تعطه جميعَ مالك حتّى تضرّ بنفسك، فإنّ سدّ حاجتك أولى من سدّ حاجة النّاس؛ لذلك جاء في صحيح مسلم عن جابرٍ رضي الله عنه أنّ رجلا جَاءَ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: (( ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا )).

فتأمّل أخي الكريم كلام الله عزّ وجلّ، تجده ينهى عن مجاوزة الحدّ في الطّاعات والمستحبّات، فينهى المسلم أن يتصدّق بجميع ماله ! ويزجره إن أعطى المحتاج فوق حاجته ! فإنّ ذلك تبذير نهى الله عنه !

قال الشّافعيّ رحمه الله:" التّبذير إنفاق المال في غير حقّه ". أي: ولو كان ظاهر العمل خيرا، فإنّه أيضا تبذير وإسراف. وقد أنكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على من أنفق جميع ماله مضيّعا أهلَه، وقال له: (( خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى )).

ثانيا: تذكّر أنّ المبذّرين قد وُصِفوا بشرّ الأوصاف ..

فبعد أن نهى الله نهيا صريحا عن التّبذير، قال تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27].

إخوان الشّياطين، أي: إنّما هم يتّبعون أمر الشّيطان، قال العلماء:" لأنّ الشّيطان لا يدعو إلاّ إلى كلّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتّبذير، والله تعالى إنّما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرّحمن الأبرار:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}" اهـ [تفسير السّعدي رحمه الله].

وذكر القرطبيّ رحمه الله في " تفسيره " ثلاثة أقوال في سبب اعتبارهم إخوان الشّياطين:

الأوّل: أنّهم في حكمهم، إذ المبذّر ساعٍ في الإفساد كالشّياطين.

الثّاني: أنّهم يفعلون ما تسوِّل لهم أنفسُهم.

الثّالث: أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار، عياذا بالله.

وتأمّل كيف ختم الآية بذكر أعظم صفات الشّيطان:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}، فهو قد كفر بأنعم الله، وكذلك التّبذير. وهذا هو:

الأمر الثّالث: إضاعة المال كفر بنعمة الله تعالى.

ولقد قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، وإنّ هذا المال من أعظم مِنَنِ الله تعالى على العباد، ينبغي على العباد شكرها لا كفرها.

ولشدّة حرص النّاس عليه والسّعي إليه، وردت نصوصٌ لا يحصيها أحدٌ في ذمّه؛ كيلا يُبالغ النّاس في طلبه، وتصلَ أيديهم إلى أموال النّاس .. فعجيب أمر هؤلاء كيف يضيّعون ما من أجله يتعبون، وحقوقَ غيرهم يأخذون.

واحفظ هذا عن العلماء: إنّ أركان شكر النّعمة ثلاثة: الاعتراف بها، ونسبتها إلى المنعم وحده، وصرفها فيما يجب.

الاعتراف بها: فمن غير اللاّئق أن يغدِق الله عليك النّعم ثمّ يسمعك تشكو ضيق الحال وسوء المآل.

نسبتها إلى الله سبحانه، فمن الكفر بالنّعمة أن تنسبها إلى حولك وقوّتك، ومثل هذا كمثل قارون الّذي قال يوم ذكّره قومه بشكر الله وطاعته:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: من الآية78]، وكلّنا يحفظ قصّة الأعمى والأقرع والأبرص - وهي في الصّحيحين - يوم آتاهم الله من كلّ ما سألوه، فكان من خبرهم ؟

لمّا أتاهم الملك في صورة رجل مسكين انقطعت به السّبيل، يسأل الأوّل ( بِالَّذِي أَعْطَاه اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ )، ويسأل الثّاني: ( بِالَّذِي وَهَبَهُ الشَّعْرَ الحَسَنَ وَالمَالَ )، ويسأل الثّالث ( بِالَّذِي رَدَّ إِلَيْهِ بَصَرَهُ وَالمَالَ ).

فقال الأبرص والأقرع: ( لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ ). قال الملك لكلّ منهما: ( إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ ). وعادا إلى ما كان عليه، ولعذاب الآخرة أشقّ.

أمّا الأعمى (( فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ ) فقال الملك: ( أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ ).

والرّكن الثّالث لشكر النّعمة:

صرفها فيما يجب: فإنّك إن صرفت النّعمة فيما لا يليق فهو كفر بها، فالعين ما خلقها الله إلاّ للنّظر في مخلوقاته، وتدبّر آياته، فلا تمدّن عينيك إلى حرام .. واللّسان ما خلق إلاّ لذكر الله والنّطق بالطيّب من القول، فلا تصرفه في الكذب والغيبة والكلام البذيء، كذلك المال ما خلقه الله إلاّ لإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، وصرفه في وجوه البرّ والحلال، فلا تصرفه في الزّائد عن قدر حاجتك، ومن باب أولى لا تصرفْهُ في محرّم.

فإذا تبيّن أنّ التّبذير كفر بنعمة الله، فأعدّ - أخي الكريم، أختي الكريمة - الجوابَ عن السّؤال الّذي يسألك إيّاه الكبير المتعال ..

الأمر الرّابع: أنّ العبد يحاسب في ماله حسابا خاصّا ..

ففي سنن التّرمذي وغيره عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ؟ )) فما عساك أن تجيب ؟!

هل ستصرّح بأنّك آتيته الولد كي يشتري به ما يعصِي به الله الواحد الأحد ؟! هل ترى من الآن أنّ صرف المال في مثل المفرقعات والشّموع وغير ذلك من الحقّ أو الباطل ؟!

إذن فقف مع نفسك من الآن قبل ذلك الموقف؛ فمن حاسب نفسه خفّ عنه الحساب، ووقاه الله سوء العذاب.

خامسا: تذكّر أنّ الاقتصاد وحسن التصرّف من مزايا الإسلام.

ومن ألقى نظرة خاطفة على الفقه الإسلاميّ ليعجب أشدّ العجب من تعظيم الشّريعة وعلماء الشّرع لأمر التّبذير والإسراف، انطلاقا من النّصوص السّابقة، ومن نصوص أخرى:

- كقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: من الآية31].

- وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بُغض الله لذلك، ففي الصّحيحين عن المُغيرةِ بنِ شعبةَ رضي الله عنه عن النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )).

قال العلماء: إضاعة المال هي إنفاقه في غير طاعة الله، أو بالتّوسع في الحلال المباح !

- وروى البخاري عن خَوْلَةَ الأنصاريّةِ رضي الله عنها قالت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

- وروى البخاري تعليقا والنّسائي وأحمد عن عبدِ الله بن عمرِو رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ )).

وقال ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنه:" كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ ".

وكان عمر وأنسٌ رضي الله عنهما يقولان:" إنّ من السّرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت ".

- وقد حرّم العلماء إضاعة الماء، والورق، وإفساد النّبات، وغير ذلك، حتّى ولو كنت في طاعة.

وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتوضّا بمدّ، ويغتسل بأربعة أمداد إلى خمسة ! واختلف العلماء هل يجب التقيّد بما فعل، أو يجوز الزّيادة عليه ؟ والصّواب: أنّ العبرة بالحدّ الّذي يكفي المتوضّئ، فلا يتجاوزه.

لذلك كان القول الصّحيح من أقوال أهل العلم هو تحريم الإسراف في استعمال الماء في الوضوء، بدليل ما رواه أبو داود عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه أنّه سمع ابنه يقول:" اللّهم إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة " ! فقال له والده:" أيْ بنيّ ! سلِ الله الجنّة وتعوّذ به من النّار، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

(( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ))، فسمّاه اعتداءً، و{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

- أرأيت إلى كوب الماء إذا ولغ فيه الكلب ؟ أرأيت إذا أدخلت يدَك في الإناء بعد استيقاظك من نومك قبل غسلها ثلاثا ؟ هذا الماء كره العلماء إلقاءه، وقالوا: عليه أن يُلقيه في الزّرع أو يسقي به بهيمة ..

فما ظنّك بمن يفتح الحنفيّة يريد الوضوء، والمرأة تريد التّنظيف ؟!..

بل ما ظنّك بمن يذهب إلى جيبه فيقتطع شيئا من ماله ثمّ يُحرقُه ؟!..

سادسا: التّبذير من أسباب الحجر:

والحجر: هو منع المرء من التصرّف في ماله من أجل السّفه أو الفلس.

قال القرطبيّ رحمه الله:" ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذّر "، وقال ابن المنذر رحمه الله: " أكثر علماء الأمصار يرون الحجر على كلّ مضيّع لماله صغيرا كان أم كبيرا ".

وقال الشّوكانيّ رحمه الله: " والسّفه المقتَضِي للحجر هو صرف المال في الفِسق، أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض دينيّ ولا دنيويّ ".

وإنّ الله جلاله يقول:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: من الآية5]. فاستجيبوا إلى نداء الله، ولا تُؤتوا الصّبية الأموال إلاّ إذا عُلِم وجه إنفاقها.

سابعا: تذكّر المفاسد الأخرى الّتي تنشأ من وراء هذه الاحتفالات.

- ففيها ترويع للمسلمين، وقد روى أبو داود أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا )).

- أذيّة المؤمنين: وكلّنا يسمع صبيحة الاحتفالات إحصاءات عجيبة مذهلة عن الإصابات الّتي تحدثها تلك الاحتفالات: فهذا احترق بيتُه ! وذاك احترقت سيّارته ! وطفلة صغيرة فقدت بصرها ! وصبيّ احترق جسده ! إلى غير ذلك، بل إنّه حدث الأعوام الأخيرة أن اضطرّ المصلّون بالمساجد إلى الجمع بين الصّلاتين، لشدّة الخوف الّذي ركب نفوسهم وملأ صدورهم !

- وفيها نشر الأذى في طرقات النّاس: فما تُخلّفه تلك المفرقعات من الأذى لم يعُد يخفى على أحد، وقد جعل الله إماطة الأذى من الإيمان، وجعله من الصّدقات، ولعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذين يتخلّون في طرقات النّاس ومواردهم.

ثامنا: أنّ في ذلك إرضاء لأعداء لله:

وهو القائل سبحانه:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.

فالعجيب أن يترك العبد نداء الله:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]..

ويترك نداء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))..

يترك نداءات الإيمان والإحسان، ثمّ يتّبع الشّيطان وأولياء الشّيطان ..

وتأمّل ما ذكره المؤرّخ المشهور الجبرتي المصريّ رحمه الله في "عجائب الآثار" (2/201، 249) وفي كتاب آخر له:" مظهر التّقديس بزوال دولة الفرنسيس" (ص 47):

أنّ نابليون بونابرت عندما احتلّ مصر انكمش الصّوفية وأصحاب الموالد وضعف نشاطهم، ففي سنة 1798م سأل قائد العسكر عن المولد النّبوي ؟ ولماذا لم يعملوه كعادتهم ؟

فاعتذر الشّيخ البكري بتوقّف الأحوال وتعطّل الأمور وانعدام المصاريف.

فقال له القائد: لا بدّ من ذلك !

فأمر له بثلاثمائة ريال فرنسيّة يستعينون بها على إحياء المولد " ! 

قال الجبرتي:" فعلّقوا حبالا وقناديل، واجتمع معهم الفرنسيّون، ودقّوا طبولهم، وأحرقوا الحرّاقات، وأشياء أمثال الصّواريخ، تصعد في الهواء "!. 

ولعلّنا نتساءل ما هدف نابليون وجنوده من وراء ذلك ؟

نترك الجواب للمؤرّخ نفسه حيث يقول:" ورخّص الفرانساويّة ذلك للنّاس لما رأوا فيه من الخروج عن الشّرائع، واجتماع النّساء بالرّجال، واتّباع الشّهوات، والتّلاهي وفعل المحرّمات "اهـ. 

وبتعبير آخر: إنّ أعداء الدّين يعلمون علم اليقين أنّ باب البدع والمعاصي هو مخدّر الأمم والشّعوب، والبعدِ عن نصر علاّم الغيوب.

ونقول للإمام الجبرتي: إنّ الفرنسيّين كانوا يريدون هدم دين المسلمين، ولكنّهم كانوا هم الّذين دفعوا لهم المال ليشتروا هذه المفرقعات.

فتعال اليوم لترى المسلمين يشترون المفرقعات بأموالهم ! ويملئون جيوب أصحاب البلايين والقناطير المقنطرة !..

فنسأل الله تعالى أن يهدينا سبل الرّشاد، ويُجنّبنا سبل الغيّ والفساد، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه. 

أخر تعديل في الأربعاء 27 صفر 1434 هـ الموافق لـ: 09 جانفي 2013 15:36
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي