الجمعة 01 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 04 فيفري 2011 08:58

- استوصوا بأهل مصر خيرا

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد روى مسلم في " صحيحه " عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا )).

قال الرّاوي: فمرّ - أي: أبو ذرّ رضي الله عنه - بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا.

شرح ألفاظ الحديث:

- ( إنّكم ستفتحون أرضًا ): وفي رواية: (( سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ ...)) الحديث.

- ( القيراط ): جزء من أجزاء الدّينار والدّرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يُكثرون من استعماله والتكلّم به. [شرح النّووي، و" المفهم " لأبي العبّاس القرطبي].

وفي رواية الطّبراني والحاكم: (( إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْراً، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً )) [وصحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع" (700)].

وهذه الرّواية أشبه، لأنّ القيراط لا يختصّ به أهل مصر، بخلاف القبط، فإنّهم كانوا بمصر.

- ( لهم ذمّة ): أي: حرمة، وحقّ، والذِّمام: الاحترام، وليس المقصود أنّهم أهل ذمّة؛ لأنّه لم يكن لأهل مصر من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عهد سابق، وإنّما أراد: أنّ لهم حقًّا لرحمهم ومصاهرتهم.

ويحتمل أنّه صلّى الله عليه وسلّم يخبر عن المستقبل، وأنّه سيكون لهم ذمّة، قال الزّركشي رحمه الله:" المتّجه أنّه أراد بالذمّة: العهد الّذي دخلوا به في الإسلام زمن عمر رضي الله عنه، فإنّ مصر فتحت صلحا " [انظر " فيض القدير "].

- ( ورحما ): لأنّ هاجر أمّ إسماعيل عليهما السّلام منهم. وفي رواية: ( وَصِهْراً ) لأنّ مارية أمّ إبراهيم منهم.

- ( فإذا رأيتم رجلين يقتتلان ): أي: يختصمان كما في رواية ثانية.

- ( في موضع لَبِنَةٍ فاخرج منها ): هذا الكلام يحتمل معنيين، ذكرهما القرطبي في " المفهم ":

أ‌) المراد: اختصام النّاس في أرضها، واشتغالهم بالزّراعة، والغرس عن الجهاد وإظهار الدّين، ولذلك أمره بالخروج منها إلى مواضع الجهاد.

ب‌) ويحتمل أن يكون المراد: أنَّ النّاس إذا ازدحموا على الأرض، وتنافسوا فيها كثرت خصوماتهم وشرورهم، وفشا فيهم البخل والشرّ، فيتعيّن الفرار من محلّ يكون كذلك إن وَجَد محلَّا آخر خليًا عن ذلك.

المعنى العامّ للحديث:

- هذا الحديث خطاب للمسلمين عموما، وللولاة والأمراء والقضاة خصوصا، وفيه الأمر بالرّفق بأهل أرياف مصر وصعيدها، والإحسان إليهم، لذلك بوّب النّوويّ رحمه الله لهذا الحديث في شرحه بقوله:" باب: وصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم بأهل مصر ".

وأهلها الّذين جاء الأمر بالإحسان إليهم صنفان:

أ‌) الأقباط الّذين سكنوها: فيوصي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أنّهم إذا فتحوا مصر، فعليهم بالإحسان إلى أهلها، وأن يقابلوهم بالعفو عمّا ينكرون، ولا يحملنّهم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم.

ب‌) المسلمون من بعد: فيحتمل أنّ في الحديث إشارةً إلى ما وقع منهم ممّا يوجب العقاب: كخروج المصريّين على عثمان رضي الله عنه، وقتلهم محمّد بن أبي بكر - وكان واليا عليها من قِبَلِ عليّ رضي الله عنه -، قال الزّركشيّ رحمه الله:" ومع ذلك ففيه إشعار بمحبّته لأهل مصر، وإن فرّط منهم من فرّط ".

من فوائد الحديث:

أ‌) قال الإمام النّوويّ رحمه الله:" وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: إخباره بأنّ الأمّة تكون لهم قوّة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة.

ب‌) ومنها: أنّهم يفتحون مصر.

ت‌) ومنها: تنازع الرّجلين في موضع اللَّبِنة.

ث‌) وفي الحديث بيان لفضل اعتزال البلاد إن وقعت بها الفتن والخصومات على حطام الدّنيا.

ج) دعوة النّاس عموما وولاة الأمور خصوصا إلى الرّفق بأهل مصر، والإحسان إليهم، والعفو عن زلاّتهم، وإقالة عثراتهم.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم.

أخر تعديل في الجمعة 01 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 04 فيفري 2011 21:54
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي