الأربعاء 05 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ: 16 ديسمبر 2015 11:09

- المولد النّبويّ بين نور الاتّباع، وشبهات الابتداع

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

 

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

" لماذا لم يجعل الله عزّ وجلّ جميع حُجج الحقّ مكشوفةً قاهرةً لا تشتبه على أحد ؟ فلا يبقى إلاّ مطيعٌ، يعلم هو وغيره أنّه مطيع، وإلاّ عاصٍ يعلم هو وغيره أنّه عاصٍ، ولا يتأتّى له إنكار ولا اعتذار ؟!

قلت: لو كان كذلك، لكان النّاس مجبورين على اعتقاد الحقّ، فلا يستحقّون عليه حمدا، ولا كمالا، ولا ثوابا، ولكانوا مُكرَهين على الاعتراف ... ولكانوا قريبا من المُكرَهين على الطّاعة من عمل وكفّ؛ لفوات كثير من الشّبهات الّتي يتعلّل بها من يضعُف حبّه للحقّ، فيغالط بها النّاس ونفسَه أيضا " [" التّنكيل " (2/182-183) للشّيخ المعلّمي رحمه الله].

نفتتح مقالنا بهذه الحقيقة الّتي لا بدّ من تذكّرها، وملخّصها: أنّ من حكمة الباري عزّ وجلّ أن يبتَلِي خلْقه بالشّبهات، كما ابتلاهم بالشّهوات، فيؤجَر الصّابر على ثباته، ويُعلَى في درجاته.

والأصل أنّ الحقّ أوضح من شمس النّهار ما به خفاء، وإنّما تخفَى على من جعلوا على أبصارهم غشاوة، فحينها يروْنَ الشّبهة دليلا، ولا يرضون عن مكانتهم بديلا.

قال الإمام الشّاطبي المالكيّ رحمه الله:" وكثيرًا ما تجد أهل البدع والضّلالة يستدلّون بالكتاب والسنّة، يُحمِّلونهما مذاهبهم، ويعبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة، ويظنّون أنّهم على شيء، ولذلك أمثلة كثيرة " ["الموافقات" (3/71)]. 

ومن بين البدع المحدثة في هذه الأمّة، والّتي يُهرع مناصروها إلى البحث عن أدلّة لتجويزها وتسويغها: بدعة الاحتفال بالمولد النّبويّ.

فإليك أخي القارئ أجوبةً عن شبهات القوم، هدانا الله وإيّاهم إلى اتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وهدي أصحابه رضي الله عنهم.

الشّبهة الأولى: تعظيم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليوم مولده.

ففي صحيح مسلم: (( سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَينِ، فَقَالَ: (( ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ )). فكان يعبّر عن هذا التعظيم بالصّوم، وهذا فيه معنى الاحتفال.

الجواب عن هذه الشبهة:

أ‌) إنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يصُم اليومَ الثّاني عشر من ربيع الأوّل - إن صح أنّه ولد يومئذ كما بيّناه في غير هذا الموضع - وإنّما صام الاثنين الّذي يتكرّر مجيئه في كلّ شهر أربع مرات، وبناء على هذا، فتخصيص يوم (الثّاني عشر من ربيع الأوّل) بعمل ما دون يوم الاثنين من كلّ أسبوع يُعدُّ استدراكًا على الشّارع، وتصحيحًا لعمله.

ب‌) أنّ سبب صوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليوم الاثنين ليس لكونه يوم مولده صلّى الله عليه وسلّم فقط، بل لكونه بُعِث فيه أيضا، فلماذا لا يُسمّى احتفالهم هذا: بعيد مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ؟ 

ت‌) ثمّ إنّ سبب صومه صلّى الله عليه وسلّم ليوم الاثنين، ليس من أجل كونه يوم مولده ومبعثه فقط، بل هناك سببٌ آخر عمليّ، يدلّ على صلاح العبد وتقواه، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَينِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )). [الترمذي ]. فالاستدلال على جواز الاحتفال بالمولد ونسيان عرض الأعمال تكلّف. 

ث‌) لو فرضنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صام محتفلا بمولده، فإنّه لم يَزِد شيئا آخر على الصّيام، كالاجتماع على المدائح والأنغام والطّعام وغير ذلك، فلْيسَعْ الأمّةَ ما وسِع نبيّها صلّى الله عليه وسلّم.

الشّبهة الثّانية: حصول الانتفاع بالفرح والاحتفال بمولد صلّى الله عليه وسلّم.

قالوا: لقد انتفع الكافر بالفرح بمولده صلّى الله عليه وسلّم، وهو أبو لهبٍ كما في صحيح البخاري ! أنّه يخفّف عن أبي لهب كلّ يومِ اثنين بسبب عتقه لثويبةَ جاريتهِ لمّا بشّرته بولادةِ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.

قال ابن الجزري رحمه الله إمام القرَّاء المشهور في كتابه "عرف التّعريف بالمولد الشّريف":" فإذا كان أبو لهب الكافر الّذي نزل القرآن بذمّه جُوزِيَ في النّار بفرحه ليلة مولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم به، فما حال المسلم الموحّد من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُسَرُّ بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبّته صلّى الله عليه وسلّم ؟! لعمري إنّما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنّات النّعيم "اهـ

[" حسن المقصد في عمل المولد " ص (10) للإمام السّيوطي رحمه الله].

ويقول محمّد بن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله في ذلك:

إذا كان هذا كافـرًا جاء ذمُّـه *** بتبّـت يداه في الجحيم مخلّدا

أتى أنّـه في يـوم الاثنين دائمًا *** يخفّف عنـه للسّـرور بأحمدا

فما الظنّ بالعبد الذي كان عمره *** بأحمد مـسرورًا ومات موحِّدا

الجواب عن هذه الشبهة:

في هذا الكلام مغالطات، لا تنطلِي إلاّ على من يُعجِزه الرّجوع إلى مصادره، وعزوهم الحديث إلى صحيح البخاري يُوهِم أنّ الحديث لا غبار عليه، وكيف لا وصحيح البخاري أصحّ كتاب بعد القرآن ؟!

فإليك نصّ الأثر في صحيح البخاري:

قال عروة رحمه الله:" وثُويْبة مولاةٌ لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرْضعَت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا مات أبو لهب أُرِيَهُ بعضُ أهله بِشَرِّ حِيبَةٍ [أي: بسوء حال]، قال له: ماذا لقيت ؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدَكم غيرَ أنِّي سُقِيتُ في هذه بِعَتَاقَتِي ثويبة " اهـ.

أ‌) فهذا الأثر مرسلٌ؛ لأنّ عروة تابعيّ. والمرسل لا حجّة فيه، ولو كان في صحيح البخاري.

ب‌) أين ما يدلّ على أنّه يخفّف عن أبي لهب كلّ يوم اثنين ؟! فهي زيادة وضعها المحتفلون !

ت‌) لو صحّ الأثر، لم يتعدّ الخبر أن يكون مناما، والمنامات لا حجّة فيها، فكيف تشرع العبادات عن طريقها ؟!

هذا الكلام ينطبق على رؤيا المسلم، فكيف برؤيا كافر لكافر مثله ؟!

ث‌) مفاد كلامهم أنّ أبا لهب أعتق ثويبة يوم ولادته صلّى الله عليه وسلّم، مع أنّ عتقه إيّاها كان بعد أن أرضعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزمن طويل، قال ابن عبد البرّ رحمه الله:" وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة ".

[انظر " الاستيعاب " (1/55)، و" فتح الباري " (9/146)، و"الإصابة" (4/250)].

ج‌) ثمّ من ذا الّذي يخالف في وجوب الفرح بمولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ؟! إنّما البحث في الاحتفال بذلك.

الشبهة الثالثة: عموم النّصوص الآمرة بالفرح بالنّعمة.

من ذلك استدلالهم بقوله عزّ وجلّ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58]، وهو صلّى الله عليه وسلّم أعظم رحمة، فقد قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـالَمِينَ}.

الجواب عن هذه الشبهة:

أ‌) سبق أن ذكرنا أنّ البحث ليس في الفرح بمولده صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما البحث في الاحتفال به.

ب‌) لماذا لم يفهم أحد من الصّحابة ولا التّابعين ولا من تبعهم من السّلف أنّ من مظاهر هذا الفرح إقامة احتفال بمولده صلّى الله عليه وسلّم ؟!

فإن زعموا: أنّهم فاتهم خيرٌ، فلا يشكّ عاقل في بطلان هذا القول، وينتقل بنا البحث إلى أصل من أصول هذا الدّين، وهو أسبقيّة الصّحابة رضي الله عنهم إلى كلّ خير، وأنّهم لا يجتمعون على ضلالة، وليس هذا موضع بسطه.

فلم يبْق إلاّ أنّهم تركوه؛ لأنّه ليس من الدّين في شيء.

قال ابن عبد الهادي رحمه الله:" ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنّة ما لم يكن على عهد السّلف ولا عرفوه، ولا بيَّنوه للأمة، فإنّ هذا يتضمّن أنّهم جهلوا الحقّ في هذا، وضلُّوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التّأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ؟" [ "الصّارم المنكي" (ص 427)].

الشّبهة الرّابعة: الاستدلال بصوم يوم عاشوراء.

فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عندما سنّ لنا صوم يوم عاشوراء كان يربط الزّمان بالحوادث الدّينيّة العظيمة، وأنّ في تكرّر زمنها فرصة لتعظيمها وتذكرها. [نقله السّيوطي عن ابن حجر الهيثمي رحمهما الله، ولم يُسبَق إليه].

الجواب عن هذه الشبهة:

أ‌) هذا الاستدلال مخالفٌ لما أجمع عليه السّلف من النّاحية العلميّة والعمليّة: فهم لم يفهموا من تشريع صوم عاشوراء ربط الزّمان بالحوادث الدّينية، ولم يتجاوزا فيه مجرّد الصّوم المأمور به.

ب‌) لو أخذنا بهذا الكلام لفتحنا على الأمّة الإسلاميّة أعيادا لا حصر لها ولعلّه قد وقع : احتفال بمناسبة البعثة، وآخر للهجرة، وثالث للإسراء والمعراج، ورابع لبدر الكبرى، وخامس لفتح مكّة، وغير ذلك.

الشبهة الخامسة: الاحتفال بالمولد بدعة حسنة.

قالوا: لأنّها تندرج تحت الأدلّة الشّرعية والقواعد الكلية، فليس كلّ ما لم يفعله السّلف هو بدعة منكرة، بل تعرض المحدثات على أدلّة الشّرع، فما اشتمل على مصلحة فهو واجب، أو على محرّم فهو محرّم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب، وللوسائل حكم المقاصد، كما قرّر ذلك العزّ بن عبد السّلام رحمه الله وغيره.

الجواب عن هذه الشبهة:

يكفي لردّ هذه الشّبهة قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلاَ إِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ))، ويُخشَى أن يكون هؤلاء يردّون على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكأنّهم يقولون: لا، بل هناك بدعة حسنة !

قال الإمام مالك رحمه الله:" من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنّ محمدًا صلّى الله عليه وسلّم خان الرسالة؛ لأنّ الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا " [" الاعتصام " (1/49)].

ويقابل كلام أهل العلم بكلام أمثالهم، فقد قال الإمام الشّاطبي رحمه الله:

" إنّ هذا التقسيم أمرٌ مخترع لا يدلّ عليه دليل شرعيّ، بل هو في نفسه متدافع؛ لأنّ حقيقة البدعة: أن لا يدلّ عليها دليل شرعيّ، لا من نصوص الشّرع، ولا من قواعده؛ إذ لو كان هنالك ما يدلّ من الشّرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمّ بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيَّر فيها، فالجمع بين عدِّ تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين " [" الاعتصام " (1/188-220)].

قال الإمام الفاكهيّ المالكيّ رحمه الله وهو يتحدّث عن الاحتفال بالمولد أنّه:

" إمّا أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا، أو مكروهًا، أو محرّمًا. وهو ليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأنّ حقيقة المندوب ما طلبه الشّرع من غير ذمّ على من تركه، وهذا لم يأذن فيه الشّرع، ولا فعله الصّحابة، ولا التّابعون، ولا العلماء المتديِّنون - فيما علمت - وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأنّ الابتداع في الدّين ليس مباحًا بإجماع المسلمين " اهـ [" المورد في عمل المولد " (ص 13)].

تنبيه: أمّا استدلالهم بحديث: (( مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً ))، فضعيف؛ لأنّ المقصود منه: من أحيا سنّة ثابتة غفل عنها النّاس، وليس المقصود اختراع شيء في الدّين.

ويدلّ على ما ذكرناه سبب ورود الحديث، ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:

كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ ... فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ ... ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: (( ... تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )).

قال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ، كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَال:

(( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )).

فالصّدقة أمرٌ مشروع مندوب، ليست بدعةً، وإنّما المقصود: من أحيا أمرا يغفل عنه النّاس. [انظر:" الاعتصام " (1/142-145)].

الشبهة السّادسة: استحسان أهل العلم للاحتفال بالمولد.

قالوا: إنّ الاحتفال بالمولد قد استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلدان، ومن قواعد الدّين قول ابن مسعود رضي الله عنه: ( مَا رَآهُ المُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ المُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ قَبِيحٌ عِنْدَ اللهِ ).

الجواب عن هذه الشبهة:

أ‌) ما المراد باستحسان العلماء ؟ أهو إجماعهم ؟ فالأمّة لم تجتمع على استحسان الاحتفال بالمولد. والخلاف ما زال قائمًا منذ أحياه حكّام بَنِي عُبَيْدٍ الباطنيون.

وانتشار البدعة لا يدلّ على مشروعيّتها، والحقّ لا يُعرف بالكثرة، قال تعالى:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [الأنعام:116].

ب‌) أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنّما هو دليل على إبطال بدعة الاحتفال بالمولد؛ لأنّ المراد بالإجماع في الأثر إجماع الصّحابة، وتأمّل أوّله لتُدرك معناه:

فقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( إنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى قُلُوبِ العِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم خَيْرَ قُلُوبِ العِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ العِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَمَا رَأَى المُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ ).

قال السّندي رحمه الله:" ظاهر السّياق يقتضي أنّ المراد بهم الصّحابة، على أنّ التعريف للعهد، فالحديث مخصوص بإجماع الصّحابة، لا يعمّ إجماع غيرهم، فضلاً عن أن يعمّ رأي بعض ".

فنسأل الله عزّ وجلّ الإخلاص والسّداد، والهدى والرّشاد، والعصمة من الزّيغ والفساد، وصلّ اللهمّ على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد لله ربّ العالمين.

أخر تعديل في الأربعاء 05 ربيع الأول 1445 هـ الموافق لـ: 20 سبتمبر 2023 07:09
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي