الجمعة 06 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 11 مارس 2011 10:20

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- صنف على الفطرة، لا ترضى بالرّذيلة، وتحبّ كلّ سبل الفضيلة، ولكنّه صنفٌ لا يدري بما يُكاد له في وضح النّهار، كالرّيشة في مهبّ الرّيح ما لها من قرار.

- وصنف منهنّ تغيّرت فطرتهنّ، والشّيطان سكنهنّ، فرضيت بالدنيّة، والخزي والرزيّة.

- وصنف منهنّ علم بمكر الأعداء، ولكنّه اكتفى بالصّبر على المشاقّ والعناء، إن بذلت جهدا في صدّ العدوّ اكتفت بالدّعاء، وهذه ليست بمأمَنٍ على نفسها، ويوشِك أن تقع على أمّ رأسها.

- وصنف هنّ أنفس من كلّ عزيز، وأعزّ من الكبريت الأحمر والخالص من الإبريز، لا ترضى الواحدة منهنّ إلاّ أن تقاوم، سؤالها ورجاؤها ما قالته أمّ سلمة للنبّيّ صلّى الله عليه وسلّم: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا أَسْمَعُ اللهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ والجهاد ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195].

وإنّنا سنتحدّث اليوم إن شاء الله تعالى عن أساليب هؤلاء المتآمرين، وكثير من النّاس يُتعب نفسه، ويرهق حاله لتحديد هويّة أولئك المتآمرين، وهذا لا فائدة منه، فيكفينا أن نعلم أنّهم كما وصفهم ربّهم:{كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.

نبيّن حالهم، وتاريخهم، ووسائلهم، امتثالا لقول الله تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، وامتثالا لقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التّحريم:9].

ومعنى جهاد المنافقين: هو ردّ غاراتهم، وكشف مؤامراتهم، بالحجّة والبرهان، وبسلاح السنّة والقرآن.

ولكنْ، هناك أمران اثنان أرجو توضيحهما:

الأوّل: إنّنا لن نبيّن عوار الشّيوعيّة الماركسيّة، والماسونيّة الصهيونيّة، والعلمانيّة الإلحادية، والحملات الصّليبيّة، بقدر ما نبيّن الضّربات العربيّة، فهي كما قال طرفة:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهنّد

الثّاني: أنّنا لن نكون في خطبنا هذه مدافعين، كما يحلو الحديث لكثير من المنهزمين، الّذين أصيبوا بعقدة نفسيّة بسبب الضغط الغربيّ:

فيوم اعترض الغربيّون على ما في الإسلام من أحكام الجهاد، قال المنهزمون: ما لنا وللجهاد يا سادة ؟ نعوذ بالله من هذه الهمجيّة.

ويوم اعترضوا على الرقّ، قال المنهزمون: حرام عندنا أصلا العبوديّة.

ويوم أطالوا لسان القدح في تعدّد الزّوجات، راح المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرّفون الكلم عن مواضعه.

ويوم اعترضوا على بعض أحكام الزّواج والطّلاق، راح المنهزمون قائلين: يحتاج الأمر إلى تعديل وإصلاح مواقعه.

حتّى قال الغربيّون: لا بدّ من مساواة المرأة للرّجل في كلّ الأحوال، سارع المنهزمون قائلين: سبحان الله ! هذا هو ديننا فهنّ شقائق الرّجال.

لن نكون كذلك إن شاء الله، بل علينا أن نجعل نُصب أعيننا قولَ ربّنا، وخالقنا ومليك أمورنا:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29].

وإليكم هذه الكلمات في بيان تاريخ هذه الحرب، وذلك في نقاط ثلاث:

الأولى: تاريخ المرأة القديم. الثّانية: بداية الغزو. الثّالثة: آثار هذا الغزو.

النّقطة الأولى: تاريخ المرأة القديم. وسترون أنّ التّاريخ يعاد من جديد.

أمّا عند العرب: فلا يخفى على أحد أنّ المرأة قبل الإسلام الّذي جعلها خير متاع الدّنيا، كانت في نظر النّاس من سقط المتاع، إمّا أن تدفن حيّة، أو تحيا مدفونة.

أمّا أنّها كانت تُدفن حيّة، فأمر كان يفعله كثير من قبائل العرب، وهو وأد البنات، يرون أنّهنّ مصدر عار وشنار، فبتّوا فيهنّ أبشع قرار:{وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59]، فيحفرون لها حفرة، ويدفِنونها وهي حيّة، إمّا مخافة الحاجة والإملاق، أو مخافة السّبي والاسترقاق.

قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: كانت المرأة في الجاهليّة إذا حملت حفرت حفرة، وتمخّضت على رأسها، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وردّت التّراب عليها، وإن ولدت غلاما حبسته.

وقال قتادة رحمه الله: كانت الجاهليّة يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبَه ! فعاتبهم الله على ذلك فقال تعالى في بيان أهوال القيامة:{وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]..

وقوله تعالى: (سُئِلَتْ) سؤال الموءودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطّفل إذا ضُرِب: لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن: أراد الله أن يوبّخ قاتلها.

وقرأ الضحّاك وأبو الضّحى عن جابر بن زيد وأبي صالح: (وإذا الموءودة سَأَلَتْ ) فتتعلق الجارية بأبيها فتقول: بأيّ ذنب قتلتُ ؟

ولا تزال لوثة الجاهليّة على عقول كثير من المسلمين، إذ صاروا طائفتين: رجال يدفنون بناتهم دفنا معنويّا، فتعيش في كنفه حقيرة مهانة، ينظر إليها نظرة ازدراء، بل إنّ بعضهم لا يزال يقول إذا ذكر زوجه او بنته: حاشاك !

ورجال: دفنوا شرف نسائهم، وهو ما فرّ منه أهل الجاهليّة الأولى.

وكانوا في الجاهليّة إذا لم يقتلوا البنت في صغرها أهانونها في كبرها، وذلك من وجوه كثيرة:

1- فكانوا لا يورّثونها من قريبها إذا مات، ويقولون: إنّما يرث من حمل السّلاح وحمى الذّمار، فأنزل الله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء:7].

2- بل كانوا يعدّونها من جملة المتاع الّذي يورث عن الميّت، كما روى البخاري وغيره عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحقّ بها من أهلها، فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:19].

3- وكان العرب إذا مات الرّجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحقّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثاً كبقيّة أموال أبيه، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:" كان الرّجل إذا مات أبوه أو حموه، فهو أحقّ بامرأته، إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتّى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها، فأنزل الله تعالى قوله:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النّساء:22]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} [النساء: من الآية19]".

4- كان الرّجل في الجاهليّة يتزوّج العدد الكثير من النّساء من غير حصر بعدد، ويسيء عشرتهنّ، فلمّا جاء الإسلام حرّم الجمع بين أكثر من أربع نساء، واشترط العدل بينهنّ في الحقوق، قال تعالى:{فانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:3].

5- ومنهنّ من كُنّ يُزوّجن أبشع أنواع الزّواج:

كزواج الأخذان: وهو أن يشترك مجموعة من الرّجال بالدّخول على امرأة واحدة، ثمّ يُعطونها حقّ الولد تُلحِقه بمن شاءت منهم. فتقول: إذا ولدْتُ هو ولدك يا فلان، فيلحق به ويكون ولده.

ومن ذلك نكاح الاستبضاع، وهو أن يرسل الرّجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لكي تأتي بولد منه يتّصف بصفات ذلك الكبير في قومه !

ومن ذلك نكاح المتعة وهو المؤقّت بأيّام معدودات.

ومن ذلك نكاح الشّغار، وهو أن يزوّج الرّجل ابنتَه أو أختَه لرجل آخر على أن يزوّجه هو ابنته أو أختَه دون مهر، وذلك لأنّهم يتعاملون على أنّ المرأة يمتلكونها كما يمتلكون السلعة.

وهذه الصّور كلّها حرّمها الإسلام، صيانة لعرض المرأة، وحفاظا على النّسل، قال عزّ وجلّ:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27].

6- وكذلك لم يكن للمرأة على زوجها أي حقّ.

7- وليس للطّلاق عدد محدود.

8- وقد كانت العدّة للمرأة إذا مات زوجها سنة كاملة، وتحدّ على زوجها أشدّ حداد وأقبحه، فتلبس شرّ ملابسها وتسكن شرّ الغرف، وتترك الطّهارة، فلا تمسّ ماء، ولا تقلم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تبدو للنّاس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر وأنتن رائحة، فمحى الإسلام كلّ ذلك.

وغير ذلك من الصّور التّي قد يفوتنا ذكرُها.

أمّا عند النّصارى: فقد كانت المرأة ذليلة مهانة مستعبدة، فالدّين النّصراني الّذي يدين به العالم الغربيّ - ولا أقول الدّين المسيحيّ الّذي كان عليه عيسى عليه السّلام ومن معه - يرى أنّ المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيّئة والفجور، ويرى أنّ المرأة للرّجل بابٌ من أبواب جهنّم فهي الّتي تحرّكه إلى الآثام.

وكيف لا وهم يقولون - وجعل أبناء المسلمين يردّدون ذلك - إنّ أمّنا حواء هي من أخرج آدم من الجنّة ؟!

فقالوا: إنّها مصدر المصائب الإنسانيّة جمعاء. وترى النصرانية أنّ العلاقة بالمرأة رجسٌ في ذاتها، وترى أنّ السّموّ لا يتحقّق إلا بالبُعد عن الزّواج !

مجتمعٌ يدين بهذه النظرة المقيتة لا يمكن أن ينصف المرأة ويضعها في موضعها اللائق بها، ولا يمكن أن ينظر إليها نظرة احترام وتكريم.

أمّا عند اليهود: فلم يقلّ الحال عمّا عليه الآخرون، فكانوا يُلقّبونها باللّعنة، لا حقّ لها إلاّ ما للبهائم من أكل وشرب واستمتاع، وإذا حاضت كانوا لا يؤاكلونها ولا يحدّثونها.

روى البخاري ومسلم عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كَانَتْ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فَأَنْزَلَ الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَيُشَارِبُوهُنَّ، وَأَنْ يَكُونُوا مَعَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلَا النِّكَاحَ. فَقَالَتْ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ.

هذا حال أهل الدّيانات، فلا تسَل عن حال غيرهنّ من المجوس الّذين كانوا يبيحون للرّجل أن يتزوّج ابنته وأمّه وسائر المحارم !

ولا تتحدّث عن الإغريق والرّومان والهنود.

ولم تزل الكنيسة تُصرّح بهوان المرأة إلى أن جاء القرن الثّامن عشر - أي: قبل 180 سنة تقريبًا فقط - فقد كان الرّجال في بريطانيا يبيعون زوجاتهم ! فصدر قانون يمنع ذلك في عام 1830م. وبعد ذلك جاء المؤتمر المنتظر وخرج الأوروبّيون منه بقرار واكتشاف لا بدّ من التّصريح به: أنّ المرأة إنسان كالرّجل !

وتعالوا بنا الآن إلى:

النّقطة الثّانية: تاريخ المرأة الحديث:

فقد اجتمع لدى أنصار تحرير المرأة أربعة أسباب حرّكت ثورتهم، وألهبت دعوتهم:

- السّبب الأوّل: أنّه لا شكّ أمام هذا الهوان الّذي كان يُسلّط على المرأة، كان لزاما أن تُطالب بالتحرّر؛ لأنّها عبوديّة لغير الله، ومن عبد غير الله وقع في عبوديّة سواه.

- السّبب الثّاني: الشّهوات المركّبة في بني البشر، فكلّ يريد أن يعيش حياة بلا قيود، وحرّية بلا حدود.

- السّبب الثّالث: هدم معاقل الإسلام..

فقد رأى هؤلاء أنّ المرأة نصف المجتمع، وهي التي تلد وتحضن وتُأوي النّصف الآخر، فكانت هي المجتمع كلّه .. وأنّها بمثابة القلب إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد .. وهي حارسة القلاع، وحامية البقاع، فإذا نام الحارس أو ضاع، فقل على القلعة السّلام.

يقول خبثاء صهيون في بروتوكولاتهم: ( علينا أن نكسب المرأة، ففي أيّ يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضيّة ).

ويقول ميدروبيرغر:" إنّ المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلاميّ على جرّه إلى التحلّل والفساد ".

ويقول أحد المصريّين في كتابه:" المرأة والحجاب":" إنّه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلاميّ في المشرق إلاّ أن تتغيّر المرأة ".

ويقول جان بوكارو في كتابه"الإسلام والغرب":" إنّ التأثير الغربيّ لا يكون له أثر مثل ما يكون على المرأة "..

- السّبب الرّابع: أنّ ميدان المرأة يدرّ عليهم الأموال الطّائلة، فعالم الأزياء والموضات فرض نفسه، ولا يخفى أنّ أكبر الأغنياء وأثرى الأثرياء من يعمل في عالم الدّعارة، وهاهي شبكات الإنترنت اليوم خير دليل على ذلك، فقد بلغ عدد المواقع الإباحيّة أكثر من مليون موقع !

وهذا عالم السّينما الّذي سيطر على العالم نرى أنّ أكثر الأفلام انتشارا هي الّتي تتحدّث عن علاقات الجنسين .. فهل يُمكن لهؤلاء أن يُضيّعوا فرصتهم ؟

ما صدّهم عن الانتشار في العالم الإسلاميّ إلاّ حفاظ المرأة على عفّتها وكرامتها، فكان لا بدّ من الغزو.

وبدأ غزو ديار الإسلام .. وبدأت حركة تحرير المرأة .. تحريرها من عبوديّة الله، لتكون لهم أَمَةً.

الخطبة الثّانية:

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، إمام الأنبياء وسيّد المرسلين، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فإنّ حركة تحرير المرأة حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثمّ انتشرت في أرجاء البلاد العربيّة والإسلاميّة، تدعو إلى تحرير المرأة ! من الآداب الإسلاميّة، والأحكام الشّرعية الخاصّة بها مثل الحجاب، وتقييد الطّلاق، ومنع تعدّد الزّوجات، والمساواة في الميراث، وتقليد المرأة الغربيّة في كلّ أمر، ظلام هي حتّى مدخل القبر.

وانتشرت دعوتها من خلال الجمعيّات ! والاتّحادات النّسائية في العالم الغربي.

وقد سبق إنشاء هذه المنظّمات تأسيسٌ نظريّ فكريّ، ظهر من خلال كتب ثلاثة ومجلة صدرت كلّها في مصر:

- كتاب:"المرأة في الشرق" تأليف مرقص marcus فهمي المحامي، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب، وإباحة الاختلاط، وتقييد الطّلاق، ومنع الزّواج بأكثر من واحدة، وإباحة زواج المسلمات من النصارى.

- كتاب:" تحرير المرأة " تأليف قاسم أمين، نشره عام 1899م، بدعم من الشّيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. زعم فيه أنّ حجاب المرأة السّائد ليس من الإسلام، وقال: إنّ الدّعوة إلى السّفور ليست خروجاً عن الدين.

- كتاب: "المرأة الجديدة" ! تأليف قاسم أمين أيضاً -نشره عام 1900م- ويتضمّن أفكار الكتاب الأوّل، واستدلّ فيه على أقواله وادّعاءاته بآراء الغربيين.

- "مجلة السّفور"، صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى، من أنصار سفور المرأة، وتركز على السفور والاختلاط.

وكان سبب إنشاء هذه المجلّة يوم دعا سعد زغلول النّساء اللّواتي تحضرن خطبته أن يُزِحْن النّقاب عن وجوههنّ ! وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمّد سلطان الّتي اشتهرت باسم: هدى شعراوي ! وهي مؤسّسة الاتّحاد النّسائي المصريّ، وكان ذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى.

واتبعتها النّساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.

ثمّ اشترك النّساء بقيادة هدى شعراوي في ثورة سنة 1919م فدخلن غمار الثّورة بأنفسهنّ، وبدأت حركتهنّ السياسيّة بالمظاهرة الّتي قمن بها صباح 20 مارس سنة 1919م .

ثمّ تأسّس الاتّحاد النّسائي في أفريل 1924م بعد عودة هدى شعراوي من مؤتمر الاتّحاد النّسائي الدّولي الذي عُقِد في روما ! عام 1922م .. ونادى الاتّحاد بجميع المبادئ التي نادي بها من قبل مرقص فهمي وقاسم أمين.

- وبعد عشرين عاماً انعقد مؤتمر الاتّحاد النّسائي العربي عام 1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربيّة ! وقد رحبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتّى أنّ زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت أرسلت برقيّة مؤيّدة للمؤتمر !.

وبعد أربع سنوات بعد ذلك وقعت القدس في براثن اليهود الصّهاينة !

ومن أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة:

- محمد عبده: كما في مقالات "الوقائع المصرية"، وفي "تفسيره لآيات أحكام النساء"[1].

-سعد زغلول: زعيم "حزب الوفد المصريّ"، الّذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه، وشجّعه في هذا المجال.

-لطفي السيد: الذي أطلقوا عليه اسم: أستاذ الجيل ! وظلّ يروّج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمّة المصري في عهده.

-صفية زغلول زوج سعد زغلول، وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء آنذاك وأشهر صديق للإنكليز.

-هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا، الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة، وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب ( الوفد ).

-سيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد )، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية. وهما أوّل من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب، إثر حضور مؤتمر الاتّحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1922م .

-درّية شفيق: من تلميذات لطفي السّيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدّكتوراه، ثمّ إلى إنكلترا، وصوّرتها وسائل الإعلام الغربية بأنّها المرأة التي تدعو إلى التّحرّر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزّوجات.

ولمّا عادت هذه المرأة إلى مصر شكّلت حزب ( بنت النيل ) في عام 1949م بدعم من السّفارة الإنكليزية والسّفارة الأمريكية.

وقد قادت درية شفيق مظاهرات مشهورة، حيث أضربت النساء فيها عن الطّعام حتّى الموت إذا لم تستجب مطالبهنّ. وأجيبت مطالبهنّ.

-سهير القلماوي: تربّت في الجامعة الأمريكية في مصر- وتخرّجت من معهد الأمريكان- وتنقّلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية .

-أمينة السعيد: وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر، وقد ترأسّت " مجلة حواء ".

ومن أقوالها في عهد عبد الناصر:" كيف نخضع لفقهاء أربعة وُلِدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق ؟". تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية.

-د: نوال السعداوي: زعيمة الاتحاد المصري حالياً.

النّقطة الثّالثة: آثار هذا الغزو.

لقد سقطت مصر في هذا الحضيض، فلا تسأل عن تركيا:

فبمجرّد سقوط الدّولة الإسلاميّة عام 1924م صدر قانون مدنيّ يوافق القانون السّويسري، حرّم فيه أتاتورك تعدّد الزّوجات، ومنع الحجاب، وقيّد الطّلاق، ودعا إلى التّعليم المختلط، حتّى صارت المرأة التّركيّة أشبه بالمرأة السّويسريّة.

وقد صفها جان رو قائلا:" المرأة التّركيّة هي المرأة العصريّة ".

وفي عام 1930م صدر قانون مدنيّ تركيّ بإباحة زواج النّصراني من المسلمة !

يقول شكيب أرسلان رحمه الله:" فأنت ترى أنّ المسألة ليست منحصرة في الحجاب، ولا هي مجرّد حرّية في الذّهاب والمجيء، بل هناك سلسلة طويلة ".

وبعد سقوط مصر، سقطت الشّام، ودول الخليج، ودول المغرب العربيّ، وهم اليوم أشدّ شراسة من الماضي، وقد كان في الماضي مقاومون، كأمثال أعضاء جمعيّة العلماء المسلمين، وأتباعهم، فهل هناك من نصير هذه الأيّام ؟!

هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية.

رجاؤنا فيك كبير أيّتها الأخت المسلمة.. لتصدّي عن بنات المسلمين مثل هذا الطّوفان ..

ننقل لك هذه المعلومات لنعلم جميعا أنّ ما نراه اليوم من فساد عريض، لم يكن وليد الصّدفة، أو وليد عمل يوم أو يومين، كلاّ.. إنّها أشواك زرع دام سنين وسنين .. فهل من متصدّيات لهؤلاء المفسدات ؟!

نادوا بتحرير الفتاة وألّفوا فيه الكتاب *** رسموا طريقا للتبرّج لا يُضيّعه الشّباب

يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض .. إلى التّراب

يا أختنا صبرا تذوب ببحره كلّ الصّعاب *** يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب

يا أختنا فيك العزيمة والنّزاهة والثّواب


[1] [ انظر: التفاصيل في كتاب المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 63 وما بعدها . دار الوفاء سنة 1985م، "كتاب عودة الحجاب" الجزء الأول د.محمّد أحمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله].

أخر تعديل في الجمعة 06 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 11 مارس 2011 11:01
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي