السبت 21 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 26 مارس 2011 05:07

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

ألا فاعلموا أنّ الحجاب عند العرب هو السّتر، والتّغطية والمنع، قال تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:45]، فهو ساتر لك، ومانع من أن تصل أيدي الكافرين إليك، ومنه سمّت العرب حارس الملك: حاجبا، لأنّه يمنع النّاس من الدّخول إلى الملك إلاّ بإذنه.

أمّا الحجاب في الشّريعة الإسلاميّة، فإنّه أنواع ثلاثة:

الحجاب بمعنى القرار في البيوت.

والحجاب بمعنى التستّر أمام المحارم.

والحجاب بمعنى التستّر أمام الأجانب.

أمّا النّوع الأوّل: وهو القرار في البيوت. ولا بدّ لنساء المسلمين أن يعلمن أنّ قرارهنّ في البيت عزيمة شرعيّة، وخروجها منه رخصة لا بدّ أن تُقدّر بقدرها، فهو بمثابة الوضوء للصّلاة، والقيام فيها، لا تنتقل إلى التيمّم وإلى الجلوس في الصّلاة إلاّ من عذر عذرها الله فيه، كذلك لا تخرج المرأة إلاّ لضرورة أو حاجة.

قال الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: من الآية33].

ولا بدّ أن نتأمّل هذه الآية، ونوليها كثيرا من العناية:

- فلم يقل الله عزّ وجلّ ( وامكُثن في بيوتكنّ ) أو( ابقين ) أو (اجلسن )، وإنّما أتى بلفظ القرار الّذي يشبه عدم التحرّك، كلّ ذلك مبالغة في الأمر بملازمة البيوت.

- وإنّ هذا الخطاب موجّه لأمّهات المؤمنين ابتداء، والمقصود به نساء المؤمنين جميعهنّ، من باب قول العرب:" إيّاك أعني واسمعي يا جارة "، ومن باب قول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: من الآية65]، فالخطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمقصود غيره.

- أمّهات المؤمنين، اسم سمّى الله به أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: من الآية6]، وحرّمهنّ على المؤمنين على التّأبيد، فلا يحلّ لأحدٍ أن يتزوّج واحدة منهنّ قال تعالى:{وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [الأحزاب: من الآية53]. فهنّ أطهر النّساء قلوبا، وأصفاهنّ أفئدة، وأرجحنّ عقولا، وأخشاهنّ لله، وأكثرهنّ طاعةً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقول الله لهنّ:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}!

وفي هذا الحكم عدّة فوئد ومصالح تناسب فطرتها أوّلا، وتناسب شرعها ثانيا:

1- منها أنّ ذلك من تمام العدل بين الجنسين، فعمل الرّجل خارج البيت، وعملها داخل البيت، فناسب الشّرع الفطرة.

2- منها أنّ المرأة لها مجتمعها الخاصّ بها البعيد عمّا يُذهبُ أنوثتها وكرامتها وعفّتها، وللرّجل مجتمعه الخاصّ به.

3- أنّ حال الرّجل قائم على الظّهور، فلذلك أوجب الله عليه الشّعائر الظّاهرة، كحضور الجمع والجماعات، والخروج إلى الجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وغير ذلك، ولو ترك ذلك لكان من المُذنِبين. بخلاف حال المرأة الّتي لم يوجِب الله تعالى عليها شيئا من ذلك.

4- أنّ المرأة لا يحلّ لها أن تترك مكان عملها، كما أنّ الرّجل لا يحلّ له أن يترك مكان عمله، فعي في بيتها أمّ، أو زوجة أو أخت، ترعى حقوق وليّها، فتربّي له أولاده، وتهيّئ له طعامه وشرابه وملبسه، فها يجوز لأيّ مخلوق أن يترك مكان عمله ؟! لذلك روى ابن السنّي رحمه الله في "عمل اليوم واللّيلة" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدٌ، وَالمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا )) [صحيح الجامع]. والسيّد لا بدّ أن يُسأل في الدّنيا والآخرة (( وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).

لأجل هذا كلّه، ولمّا كانت المرأة سيّدةً في بيتها، أعطى المولى تبارك وتعالى المرأة أمورا لم تحظَ به امرأة في العالم:

الاحترام والتّقدير، والعطف والحنان، ففي بيتها حقوق لا بدّ أن تُصان، لأنّ به أميرةً لا ينبغي أن تُهان..

أمّا الاحترام: فيظهر لنا في وجوب الاستئذان، والاستئذان هو طلب الإذن، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:27].

خاطبهم بوصف الإيمان ابتغاء الامتثال، فهو سبحانه يشرّع لهم ما يُسعدهم في الدّنيا والآخرة، ويحقّق لهم الحياة الطيّبة.

وهذا الحكم لا يخصّ الأجانب فحسب، بل ينطبق أيضا على المحارم، وفي ذلك آثار عدّة:

ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: ( عليكم أن تستأذنوا على أمّهاتكم وأخواتكم ).

وفي "الأدب المفرد" أيضا أنّ رجلا سأل عبد اله بن مسعود رضي الله عنه:" أأستأذن على أمّي ؟ " فقال:" ما على جميع أحيانها تريد أن تراها ".

و روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عبّاس رضي الله عنه: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال: نعم ! فرددت عليه ليرخّص لي فأبى، فقال: أتحبّ أن تراها عُريانة ؟ قلت: لا ! قال: فاستأذِنْ. قال: فراجعته أيضا، فقال: أتحبّ أن تطيع الله ؟ قال: قلت: نعم ! قال: فاستأذِن.

وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنه لا يسمح لأحد أن يدخل عليه إلاّ باستئذان.

وعن حذيفة قال: إن لم يستأذن على محارمه رأى ما يكره.

وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: " دخل أبي على أمّي فتبعته، فضرب في صدري، وقال: أتدخل بغير استئذان ؟! ".

قال ابن جريج وأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال:" ما من امرأة أكرهَ إليّ أن أرى عورتها من ذات محرم" قال: "وكان يشدّد في ذلك.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه يقول:" عليكم الإذن على أمّهاتكم ".

أورد هذه الآثار ابن حجر في "الفتح" وقال: أسانيدها صحيحة.

وهي تفيد الوجوب، قال الشّنقيطي في "أضواء البيان": " الأمر الذي لا ينبغي العدول عنه الاستئذان على المحارم ".

أمّا زوجته، فالأولى أن يُعلِمها بدخوله ولا يفاجئها به لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.

لذلك روى الطّبري عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه. قال ابن كثير: إسناده صحيح.

وقال ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال:" كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس تكلّم ورفع صوته".

لذلك قال الحافظ ابن حجر: قال الحافظ: فإذا طرأ ما يُوجب الاستئذان وجب، قال العلماء: كما لو كان في البيت محارمه.

وربّما أيضا كان في البيت من يجب عليها التستّر منه.

ويجب على الرّجل أن يُعلمها بقدومه إذا كان عائدا من سفر، روى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (( نَهَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا )).

كلّ هذا حفاظا على حرمة المسلمات، فهنّ في بيوتهنّ سيّدات.

أمّا من خالف هذا الهديَ، ولم يُراعِ حرمة المرأة في بيتها، فقد ارتكب ذنبا عظيما، وفقأت عينه لما كان عليها شيء، فالعين الّتي أوجب للواحدة منهما نصف الدّية، تسقط ديتها لأنّها هانت بمعصيتها، روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَالنَبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالمِدْرَى فَقاَلَ: (( لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ )).

وفي سنن التّرمذي عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ كَشَفَ سِتْرًا فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدًّا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ مَا عُيِّرْتُ عَلَيْهِ )).

فاعجبوا لهذه الأحكام الطيّبة في شرعنا، ثمّ ازدادوا عجبا ممّن صارت هي من تُبدي شعرها وجسمها للنّاس في الشّرفات، والطّرقات، والله المستعان ! وما أردت أن أبيّنه من خلال هذا الحكم أنّ بقاء المرأة في بيتها دليل على مكانتها.

أمّا العطف والحنان: فإنّه من تمام كرامتها وسيادتها معاملتها بالمعروف، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19]، وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية229]، ولم يجعل حلاّ ثالثا، كمن كرهها فأمسكها ضرارا: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: من الآية231].

وأراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تعيش بهذا المفهوم، فلم ير ما يشبّه به المرأة إلاّ أن يشبّهها بالأسير العاني الّذي يجب الإحسان إليه، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ! فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ )).

أمّا الثّواب العظيم والأجر الجزيل في قرار المرأة في بيتها: فلا تسأل عن كثرة النّصوص في ذلك، وإنّما نقتصر على بعضها..

- روى أبو داود والتّرمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا )).

بل كلّما كانت أقرب من بيتها كان أفضل لها، روى الإمام أحمد وابن خزيمة عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ؟ قَالَ: (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي )) فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وكيف لا وهي تعلم أنّ أجر الصّلاة في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعدل ألف صلاة، فتكون صلاتها في بيتها خير من ألف صلاة.

- وفي مسند الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: (( خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ )).

- وروى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ )).

وتأمّلوا كلّ هذه الأحاديث جاءت في المقارنة بين المسجد وبيتها، وكأنّ الخروج إلى العمل، والسّوق، وأماكن الاختلاط بحجّة الدّراسة لا تطرح على طاولة البحث أساسا.

إليك أيّتها الأخت ما رواه الطّبراني عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( لاَ تَكُونُ المَرْأَةُ أَقْرَبَ إِلَى اللهِ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا )). و(( مَا عَبَدَتْ امْرَأَةٌ رَبَّهَا مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِي بَيْتِهَا )).

فالله الله أيّها المسلم في بناتك، ونسائك، وأخواتك، عليك أن تُعلّمهنّ مثل هذه النّصوص، فإنّها حارسة القلاع، وحامية البقاع، ولا تجعل بينك وبينهنّ سماءً ولا أرضا، وقل كما قال الصّالحون:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طـه: من84].

الخطبة الثّانية:

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، إمام الأنبياء وسيّد المتّقين، أمّا بعد:

فكما ذكرنا من قبل، أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: حجاب بمعنى القرار في البيت، وهذا ما فصّلنا في القول، وهناك حجاب داخل البيت، وهو ما تلتزمه المرأة مع محارمها.

والمحارم: جمع محرم وهو كلّ من يحرم على الزّوجة التزوّج به حرمة مؤبّدة، فليس الحمو - وهم أقارب الرّجل كأخيه وعمّه وخاله- من المحارم لأنّ حرمتهم ليست مؤبّدة.

وليس زوج الأخت من المحارم لأنّ حرمته ليست مؤبّدة، إذ لو مات الزّوج لجاز لهؤلاء الزّواج منها، إنّما المحارم هم من ذكر الله تعالى في كتابه قائلا:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنّ} [النّور: من الآية31]..نصّ محكم من الله تبارك وتعالى، فهل أنتم منتهون ؟! :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].

(ولا يُبدين زينتهنّ)، وهي مواضع الزّينة وهي الأطراف، والشّعر والعنق، فيحرم على المرأة أن تظهر أمام غير المحارم كاشفة الأطراف والشّعر والعنق، وللأسف أنّك ترى كثيرا من أمّهاتنا وآبائنا يعترضون على هذه الآية وهذا الحكم بقولهم: ( واش فيها ) ( خوها )..!!..( دعوكم من النّقص ) !!..

فاحذري أيّتها الأمّ ! واحذري أيّتها الأخت ! فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )) رواه البخاري وفي سنن ابن ماجه: (( تَهْوِي بِهِ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا )).

وهنا يتفطّر القلب، ويلتهب الكبد عندما نرى بنات المسلمين يظهرن كاشفات أكثر وأكثر من كلّ ذلك أمام من ؟ أمام المحارم ؟ أمام من يزعمون أنّهم من المحارم ؟ لا .. إنّهم يكشفن عن ذلك أمام ذئاب البشر، الّذين لا همّ لهم إلاّ قضاء الوطر والنّزوات، وتلبية الرّغبات والشّهوات..

النّوع الثّالث من الحجاب: إذا تقرّر لدينا أنّ مبنى المرأة على السّتر والقرار في البيت، وأنّ قرارها في بيتها عزيمة، وأنّ خروجها رخصة للضّرورة والحاجة، فلا بدّ أن تقدّر هذه الضّرورة والحاجة بقدرها، فعندئذ لا بدّ للمرأة المسلمة أن تحرص على معرفة الشّروط المبيحة لخروجها، وهي:

1- أن تتحقّق من الحاجة والضّرورة، فهناك أمور لا بدّ أن تخرج لها المرأة، كالحرص على تعلّم دينها، وكصلة رحمها، وزيارة أقاربها، وكشراء ما لا يمكن غيرها شراؤه، لكن لا بدّ من أن تحرص أوّلا على عدم الخروج إذا كان هناك من يستطيع القيام بذلك. فكم من امرأة تدّعي الضّرورة وهي ليست كذلك.

2- أن لا تخرج مبترّجةً، فيجب عليها ستر جميع بدنها، واختلف العلماء في ستر الوجه واليدين، وهذا الخلاف كان في زمن الفضيلة ومن أباح لها كشفَ وجهها قيّده بأمن الفتنة، وليس المقصود من الفتنة هنا الجمال، وإنّما المقصود الاعتداء عليها، كما هو حال كثير من ذئاب البشر، الّذين صارت أيديهم تصل إلى المتحجّبات.

وهناك من تتساهل من النّساء فلا تستر رجليها، فلتعلم أنّه يجب عليها سترهما، حتّى إنّ القائلين بجواز كشف الوجه واليدين حرّموا أن تُبدِي شيئا من رجليها، روى التّرمذي وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ: (( يُرْخِينَ شِبْرًا )) فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ؟ قَالَ: (( فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ )).

فلم يقل لها: لا بأس بأن تنكشف الأقدام، وإنّما قال: يرخينه ذراعا.

وإذا كان سترهما في الصّلاة وهي واقفة أمام ربّها واجبا، فكيف بخارج الصّلاة أمام الأجانب ؟

روى أبو داود عن أُمِّ سَلَمَةَ سُئِلَتْ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ، وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا.

ولتحذر المرأة من الوعيد الشّديد الّذي ثبت في حقّ المتبرّجة، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )).

ولا بدّ أن نبين هذا، لأنّ كثيرا من النّساء يحسبن أنفسهنّ متحجّبات وهنّ لسن كذلك، وخاصّة مع غزو الفضائيّات لبيوتنا، فتركن النّصوص الكثيرة الصّريحة في بيان شروط الحجاب، وتعلّقن ببلاوى على الهوى، وسمّوها فتاوى على الهواء ! ويتعلّقن بقوم يحسنون الكلام، ويتفنّون كأنّهم من أبطال الأفلام، يقتلون الحياء باسم صنّاع الحياة، حتّى إنّ مركز الإعلام بفرنسا أثنى عليهم فقالوا: ينبغي أن يكون كلّ داعية إسلاميّ مثلهم:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: من الآية120].

ولكنّنا نقول ما قاله ربّنا:{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.

فمثل هؤلاء النّساء كمثل المسيء صلاته الذي قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( ارجع فصل فإنك لم تصل )،فنقول لهؤلاء النسوة:" ارجعن فاسترن أنفسكن فإنكن غير مستورات ".

قال العلماء:تكون المرأة كاسية عارية بأحد ثلاثة أمور:

- بأن يكون لباسها قصيرا لا يستر جميع البدن، فهذه كاسية عارية.

- بأن يكون شفّافا غير سميك، ولو كان طويلا، فهذه كاسية عارية.

- بأن يكون الحجاب ضيّقا غير فضفاض فيجسّد جسدها ويبين تقاسيم بدنها، فهذه كاسية عارية.

فلا تحدّث عن هؤلاء اللاّء يُبْدِين معظم البدن ! فإنهن عاريات عاريات..

لا يدخلن الجنّة !..

الجنة..؟ أمّ الأمنيات .. وأعظم المرجُوّات .. الجنّة الّتي عرضها كعرض الأرض والسّموات.. الجنة التي إذا تذكرتها المسلمة هان عليها كل شيء في سبيلها..

واستمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت:بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي أُصرع وإني أتكشّف، فادع الله لي ! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك ))، قالت:أصبر، ولكن ادع الله لي ألاّ أتكشّف - وفي رواية قالت: إني أخاف هذا الخبيث أن يجرّدني - فدعا لها.

أرأيتم حرص المرأة المسلمة على الجنّة .. يهون عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها وأرضاها.

وما أعظم ما رواه الإمام أحمد عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كانت تستحي وتقول:" كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي، فأضع ثيابي، وأقول: إنّما هو زوجي وأبي، فلمّا دفن معهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوالله ما دخلت إلاّ وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر..!

أين عمر ؟!.. تحت الأرض .. تحت الأرض وتستحي منه عائشة !

هذا وإنّ الحديث لا يزال طويلا، نبيّن من خلاله شروط خروج المرأة من بيتها، نسأل الله تبارك وتعالى أن يقينا شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، وأن يأخذ بأيدينا إليه، وأن يُحسن إقبالنا عليه، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

أخر تعديل في السبت 21 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 26 مارس 2011 05:10
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي