الاثنين 11 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 13 جوان 2011 10:17

- شرح حديث الصّورة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ: طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ )).

أمّا حديث: (( لا تقبِّحوا الوجْهَ، فإنَّ ابنَ آدم خلق على صورة الرحمن ))، فأكثر المحدّثين على ضَعفِه.

[انظر: "السّلسلة الضعيفة" (1176)][1].

ومن المعلوم أنّ آدم خُلِق من طين، وأنّه حادث بعد أن لم يكن، وأنّ المخلوق لا يمكن أن يكون مثل الخالق، فلذلك اختلف النّاس في توجيه هذا الحديث على أقوال:

1- فمنهم من طعن في الحديث وردّه، وقال: هذا خبر آحاد مخالف لما هو مقرّر في القرآن الكريم، فالله تعالى يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

2- وذهب ابن خزيمة رحمه الله إلى تفسير آخر للحديث، وهو أنّه قد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ )).

قال رحمه الله:

" توهّم بعض من لم يتحرّ العلم أنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( عَلَى صُورَتِهِ )) يريد صورة الرّحمن عزّ ربّنا وجلّ عن أن يكون هذا معنى الخبر!

بل معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ))، الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الّذي أُمِر الضّاربُ باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبّح وجهه، فزجر صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: (( وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ ))؛ لأنّ وجه آدم شبيهُ وجوهِ بنيه، فإذا قال الشّاتم لبعض بني آدم عليه السّلام: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبِّحا وجه آدم صلوات الله عليه وسلامه، الّذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم.

فتفهّموا رحمكم الله معنى الخبر، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلّوا عن سواء السّبيل، وتحملوا على القول بالتشبيه الّذي هو ضلال.." اهـ.

لكنّ الحديث الّذي فيه أنّه صلّى الله عليه وسلّم مرّ برجل يضربه آخر على الوجه ... الحديثَ، ضعيف لا يصحّ.

3- ومنهم من قال: إنّ الحديث صحيح، لكنّ معناه أنّ الله خلق آدم على صورته هذه الّتي هو عليها، طوله ستّون ذراعا، فالضّمير يعود على آدم عليه السّلام، والجملة بعده تفسّر تلك الصّورة.

4- ومنهم من قال: إنّ الضّمير عائد على الله تبارك وتعالى، والمراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( عَلَى صُورَتِهِ )) أي: على تصويره سبحانه، وعلى صورة اختارها سبحانه، ولقد قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4].

فالإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى الخالق للتّشريف والتّعظيم كـ" ناقة الله "، و" بيت الله "؛ بدليل أنّ الحديث سِيق زجرا ونهيا عن ضرب الوجه وتقبيحه، فإذا ضُرب الوجه عِيب حسّا، وإذا قبِّح عِيب معنى، وشيء صوّره الله تعالى على ما تقتضيه حكمته لا ينبغي أن يعاب.

5- ومنهم من قال: إنّ الضّمير عائد على الله تعالى، والمعنى: هو صورة الربّ الّتي هي صفته، ولا يلزم منه أنّه على صورته من جميع الوجوه، فإنّ الشّيء قد يكون على صورة شيء من حيث الجملة، لا من حيث التّفصيل.

قالوا: ومن الأمثلة على ذلك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ )) [رواه البخاري ومسلم].

فليس معنى هذا الحديث أنهم دخلوا الجنّة وصورتُهم مطابقةٌ لصورة القمر من كلّ وجه، فالقمر ليس له عينان ولا أنف ولا فم، وهم لديهم تلك الصّفات، فعُلِم تشبيههم به من حيث الجملة. وإنّما معنى الحديث أنهم على صورة القمر في الحسن والوضاءة والجمال واستنارة الوجه، وما أشبه ذلك.

فإذا قلت: ما هي الصّورة الّتي تكون لله عز وجل ويكون آدم عليها ؟

فقد قالوا: إنّ الله عزّ وجلّ له وجه، وله يد وعين، على ما هو مقرّر من مذهب السّلف، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلةً للإنسان فهناك شيء من الشّبه، لكن ليس على سبيل المماثلة، كما أنّ الزّمرة الأولى من أهل الجنّة فيها شَبَه بالقمر، لكن دون مماثلة.

قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهذا - كما ترون - قويّ جدّا ".

[انظر " شرح العقيدة الواسطيّة " للشّيخ محمّد بن صالح العثيمين (1 /107-110).

والله أعلم، وأعزّ وأكرم.



[1] والنّهي عن تقبيح الوجه ثابت من أحاديث اخرى.

أخر تعديل في الاثنين 11 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 13 جوان 2011 10:22
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي