الخميس 21 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 23 جوان 2011 08:38

122- هل هذا من أوقات إجابة الدّعاء ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

نصّ السّؤال:

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه، أنّ النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم ( دَعَا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلَاثًا، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ ).

قال جابرٌ:" فلمْ ينزلْ بي أمرٌ مهِمٌّ غليظٌ إلا توخَّيتُ تلكَ السّاعةَ، فأدْعُو فيها، فأعرفُ الإجابة ".

هل هذا الحديث صحيح أو ضعيف ؟ وما شروط العمل بالأحاديث الضعيفة ؟

جزاكم الله خيرا.

نصّ الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:

فالجواب عن سؤالك إنّما هو في نقاط ثلاث:

- أوّلا: مسجد الفتح وسبب ورود الحديث:

فمسجد الفتح الوارد ذكره في الحديث، هو أحد المساجد السّبعة المعروفة في المدينة النّبويّة، وهو غربِيَّ جبلِ سَلْعٍ، وهو المسجد الأعلى فيها، في شمالها.

وذكر أهل السِّير أنّ النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم غزوة الخندق دعا فيه على الأحزاب الّذين غزوا المدينة ( ثَلَاثًا، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ).

- ثانيا: مواقف أهل العلم من الحديث رواية ودراية:

فهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبزّار رحمهما الله، وقد وقف العلماء منه مواقف ثلاثة:

أ‌) الموقف الأوّّل: منهم من ضعّفه، وذكروا له علّتين:

الأولى: في سندهِ كثيرُ بنُ زيد، قالوا: وقد تفرّد بهذا الحديث، وتفرّده لا يحتمل، لأنّه نقل أمراً تعبّدياً لم ينقلْه غيره، ولو كان الدّعاءُ يومَ الأربعاءِ معروفاً لنُقِل عن غيرهِ.

العلّة الثّانية: فيه أيضاً عبد الله بن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة "، وذكر الخلاف في اسمه، وهو مجهول الحال.

ولهذا قال البزّارُ - كما في " كشف الأستار "(1/216) للهيثمي - بعد الحديث:" لا نعلمه يُروى عن جابر إلاّ بهذا الإسناد " اهـ.

ب) الموقف الثّاني: منهم من حسّنه أو جوّده، وجعل الدّعاء بمسجد الفتح بين صلاتَي الظّهر والعصر من مواطن إجابة الدّعاء.

فهؤلاء نظروا إلى أفضليّة مسجد الفتح، ومنهم من نظر إلى المكان والزّمان معاً.

منهم الإمام المنذريّ رحمه الله في " التّرغيب والتّرهيب "؛ فقد ذكر الحديث تحت باب فضل بعض مساجد المدينة.

ومنهم الإمام الهيثمي رحمه الله حيث بوّب للحديث في " كشف الأستار " بقوله:" باب في مسجد الفتح " .

ومنهم الإمام القرطبيّ رحمه الله، حيث ذكر في تفسيره لقوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] أنّ التماس هذا المسجد وتلك السّاعة من أسباب الإجابة.

بل توسّع بعضهم فذكر أنّه يستحب زيارة مسجد الفتح.[انظر " فضائل المدينة المنورة " (2/391 - 392) للدّكتور خليل إبراهيم ملا خاطر].

ت‌) الموقف الثّالث: وذهب بعض أهل العلم ممّن حسّنوه أو سلّموا بتحسينه إلى أنّ الفضل للزّمان لا لمسجد الفتح.

قال البيهقي رحمه الله في " شعب الإيمان "(2/46):

"ويتحرّى للدّعاء الأوقاتَ والأحوال والمواطن الّتي يُرجى فها الإجابة تماما، فأمّا الأوقات فمنها ما بين الظهر والعصر من يوم الأربعاء ".

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم ":

" وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلاّ مسجد قباء، وأمّا سائر المساجد فلها حكم المساجد العامّة، ولم يخصّها النبيّ صلى الله عليه وسلم بإتيان، ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئا من تلك الأماكن إلاّ قباء خاصّة.

وهذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم، فيتحرّون الدّعاء في هذا كما نُقِل عن جابر، ولم ينقل عن جابر رضي الله عنه أنّه تحرّى الدّعاء في المكان، بل في الزمان " اهـ.

الحاصل:

أنّ الحديث ضعيف، وعلى القول بصحّته فإنّ الأفضليّة للزّمان لا لمسجد الفتح؛ لفهم جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقد قال: ( فلمْ ينزلْ بي أمرٌ مهِمٌّ غليظٌ إلاّ توخَّيتُ تلكَ السّاعةَ )، ولم يقُل المكان.

ثالثا: شروط العمل بالأحاديث الضعيفة.

فقد ذكر أهل العلم شروطا ثلاثة للعمل بالحديث الضّعيف:

الأوّل: أن يكون الضّعفُ غيرَ شديد، فيخرج من انفرد من الكذّابين، والمتّهمين بالكذب، ومن فحش غلطه.

الثّاني: أن يكون مندرِجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً.

الثّالث: أن لا يُعتقدَ عند العمل به ثبوتُه؛ لئلاّ ينسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقله.[1]

ومن تأمّل هذه القيود، علِمَ أنّه لا يفهمُها إلاّ من له بالحديث عناية، يميّز شديدَ الضّعف من خفيفِه، أمّا أن يسترسلَ في ذلك من ليس الحديثُ مهنتَه، فهذا يُخشى عليه الوقوعُ في جملة القائلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.

لذلك كان الصّواب هو المنعَ من روايته، ولو تحقّقت هذه الشّروط، وهو مذهب ابن حبّان وابن العربيّ رحمهما الله، وذلك لأنّ قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )) [رواه البخاري] عامّ.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.



[1] انظر " القول البديع " للحافظ السّخاوي رحمه الله (ص:363_364).

أخر تعديل في الخميس 21 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 23 جوان 2011 08:41
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي