الأحد 22 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 28 نوفمبر 2010 16:59

- شـرح كتـاب الحـجّ (45) فضائل مسجد قُبـــاء

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

تابع: الباب الرّابع عشـر: ( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).

فقد انتهى المصنّف رحمه الله من ذكر ما يمتاز به كلّ من المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ، والمسجد الأقصى.

ثمّ انتقل إلى بيان ما ثبت من فضل لبعض المساجد غير المساجد الثّلاثة:

الأوّل: هو مسجد قُباء.

والثّاني: هو مسجد الفتح.

· أمّا مسجد قباء:

فيظهر فضله من وجوه أربعة:

 

أ‌) الفضل الأوّل: أنّه مسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يوم. وهذا سبق بيانه في شرح الأحاديث السّابقة.

ب‌) الفضل الثّاني: وجعل ركعتين فيه كعمرة. وذكر المصنّف رحمه الله لذلك ثلاثة أحاديث:

- الحديث العاشـر والحادي عشر، والثّاني عشر:

1180-وَعَنْ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ )).

[رواه التّرمذي، وابن ماجه، والبيهقيّ، وقال التّرمذي:" حديث حسن صحيح ".

قال الحافظ: "وَلَا نَعْرِفُ لِأُسَيْدِ حَدِيثاً يَصِحُّ غَيْرَ هَذَا، والله أعلم].

1181-وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ )).

[رواه أحمد، والنّسائي، وابن ماجه-واللّفظ له-، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، والبيهقيّ].

1184-وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ شَهِدَ جَنَازَةً بِـ( الأَوْسَاطِ ) فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَأَقْبَلَ مَاشِيًا إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِفِنَاءِ الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيْنَ تَؤُمُّ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ: أًؤُمُّ هَذَا المَسْجِدَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَنْ صَلَّى فِيهِ كَانَ كَعِدْلِ عُمْرَةٍ )).

[رواه ابن حبان في "صحيحه"].

· شرح ألفاظ الحديث:

- ( يؤمّ ): أي: يقصِد.

- ( بَنو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ): هي الدّيار الّتي نزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بها يوم دخل المدينة مهاجرا، وبها مسجد قباء.

ت‌) الفضل الثّالث: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقصد الصّلاة فيه، ولذلك ساق الحديث التّالي:

- الحديث الثّالث عشـر:

1182-وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:

(( كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ قُبَاءَ، أَوْ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا - زَادَ فِي رِوَايَةٍ -: فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ )).

[رواه البخاري ومسلم].

وفي رواية للبخاري والنّسائيّ:

(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا )) وَكَانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ.

· شرح الحديث:

- لقد سبق أن ذكرنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقصد مسجد قُباء يوم السّبت من أجل تفقّد الأنصار وأحوالهم، خاصّة من غاب منهم يوم الجمعة، وأنّه ليس فيه حجّة إلى الاستدلال به على جواز شدّ الرّحال إلى غير المساجد الثّلاثة.

- كما أنّه لا بدّ أن نعلم خطأ الحُجّاج والمعتمرين الّذين يقصدون بالزّيارة بعض المساجد بالمدينة النّبويّة، كمسجد القِبلتين، وغيره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في " مجموع الفتاوى " ( 17/469) –:

" ولهذا لم يستحبّ علماء السّلف من أهل المدينة وغيرها قصدَ شيء من المزارات الّتي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ مسجد قباء، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلاّ هو " اهـ.

وقال الشّيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في " فتاوى إسلامية " (2/313) بعد أن ذكر المواضع الّتي يشرع زيارتها في المدينة:

" أما المساجد السبعة، ومسجد القبلتين، وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلّفين في المناسك زيارتَها، فلا أصل لذلك، ولا دليل عليه، والمشروع للمؤمن دائما هو الاتّباع دون الابتداع "اهـ.

فتبيّن أنّ مسجد قُباء قد خُصّ بهذه الفضائل للنّصوص الواردة فيه، والّتي تدلّ على شرفه ومكانته.

ومن أجل ذلك:كان بعض الصّحابة يجعل الصّلاة به أكثر أجرا من كونهما في بيت المقدس. وفي ذلك ساق المصنّف رحمه الله:

- الحديث الرّابع عشـر

1183-وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَعَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ سَمِعَا أَبَاهُمَا رضي الله عنه يَقُولُ:

( لأَنْ أُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ ).

[رواه الحاكم، وقال: "إسناده صحيح على شرطهما"].

وسعدٌ هو ابن أبي وقّاص رضي الله عنه، وهو من هو، ولا يشكّ أحدٌ أنّه ما قال ذلك جزافا.

وقد روى عمر بن شبة رحمه الله في " أخبار المدينة " بإسناد صحيح – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح"- عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال: ( لأن أصلّي في مسجد قباء ركعتين، أحبّ إلي من أن آتي بيت المقدس مرّتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل ).

· أمّا مسجد الفـتـح:

وهو في الشمال الغربي للمدينة على جبل سلع، ويبعد عن المسجد النّبويّ بثلاثة أميال.

ويقال له أيضاً " مسجد الأحزاب "، وهو غير مسجد الأحزاب المعروف اليوم.

لماذا سُمِّي بمسجد الأحزاب ؟

لقد اشتدّ الأمر على المسلمين يوم الخندق، كما وصف الله عزّ وجلّ ذلك في سورة الأحزاب قائلا:{ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)}.

هنالك لجأ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الدّعاء ثلاثة أيّام، فحدثت الإجابة في اليوم الثّالث، وكان يوم أربعاء بين الظّهر والعصر.

ومن أجل ذلك ذكر المصنّف:

- الحديث الخامس عشـر

1185-وَعَنْ جَابِرٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه -:

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلَاثًا: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ )).

قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ غَلِيظٌ، إِلَّا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ.

[رواه أحمد، والبزار، وغيرهما، وإسناد أحمد جيّد].

· مواقف العلماء من هذا الحديث:

أ‌) الموقف الأوّل: منهم من ضعّفه، وذكروا له علّتين:

الأولى: في سندهِ كثيرُ بنُ زيد، وقد تفرّدَ بهذا الحديثِ، وتفردهُ لا يحتملُ، لأنّه نقل أمراً تعبدياً لم ينقلهُ غيرهُ، ولو كان الدّعاءُ يومَ الأربعاءِ معروفاً لنقل عن غيرهِ.

الثّاني: فيه أيضاً عبد الله بن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة "، وذكر الخلاف في اسمه، وهو مجهولٌ لا يعرفُ حالهُ.

ولهذا قال البزارُ - كما في " كشف الأستار "(1/216) للهيثمي - بعد الحديث:" لا نعلمه يُروى عن جابر إلاّ بهذا الإسناد " اهـ.

ب‌) الموقف الثّاني: منهم من حسّنه أو جوّده، وجعل الدّعاء بمسجد الفتح بين صلاتي الظّهر والعصر من مواطن إجابة الدّعاء.

ومهم المصنّف رحمه الله، فقد ذكر الأحاديث تحت باب فضل بعض المساجد.

وقال القرطبيّ رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] أنّ التماس هذا المسجد وتلك السّاعة من أسباب الإجابة.

وبوّب الهيثمي له في " كشف الأستار " بقوله: " باب في مسجد الفتح " .

بل توسّع بعضهم فذكر أنّه يستحب زيارة مسجد الفتح.[انظر " فضائل المدينة المنورة " (2/391 - 392) للدّكتور خليل إبراهيم ملا خاطر].

ت‌) الموقف الثّالث: وذهب بعض أهل العلم ممّن حسّنوه أو سلّموا بتحسينه إلى أنّ الفضل للزّمان لا لمسجد الفتح.

قال البيهقي في " شعب الإيمان "(2/46):

"ويتحرّى للدّعاء الأوقاتَ والأحوال والمواطن الّتي يُرجى فها الإجابة تماما، فأمّا الأوقات فمنها ما بين الظهر والعصر من يوم الأربعاء ".

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " اقتضاء الصّراط المستقيم " (2/816) :

" وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلاّ مسجد قباء، وأمّا سائر المساجد فلها حكم المساجد العامّة، ولم يخصّها النبيّ صلى الله عليه وسلم بإتيان، ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئا من تلك الأماكن إلاّ قباء خاصّة.

وهذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم، فيتحرّون الدّعاء في هذا كما نُقِل عن جابر، ولم ينقل عن جابر رضي الله عنه أنه تحرى الدعاء في المكان بل في الزمان " اهـ.

والقول الأخير هو الظّاهر لفهم جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

والله أعلم وأعزّ وأكرم.

عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي