الحمد لله، والصّلاة السّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أمّا بعد:
فقد ذكرنا الصّواب في هذه المسألة في ثنايا مقال: ( ماذا تعرف عن شهر الله المحرّم ؟)، وتلبيةً لطلب إخواننا القرّاء الّذين رغبوا في أن تُفرد هذه المسألة بصفحة خاصّة، فأقول وبالله أستعين:
فقد شاع لدى كثير من المسلمين أنّ هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة كانت بشهر الله المحرّم ! ولذلك تراهم يُحيُون في كلّ غرّة محرّم الاحتفالَ بهجرة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا القول مجانب للصّواب؛ لأنّ الهجرة النبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام إنّما تمّت في شهر ربيع الأوّل باتّفاق المؤرّخين.
وكان ذلك بعد بيعة العقبة الثّانية الّتي تمّت في شهر ذي الحجّة أيّام منًى، ولم يبق صلّى الله عليه وسلّم بعدها إلاّ بقدر ما جهّز نفسه وهيّأ شأنه للخروج من مكّة، فمكث من أجل ذلك بها شهرين وبضعة أيّام.
جاء في " تاريخ الطّبري " (1/564):
" كان مقدم من قدم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للبيعة من الأنصار في ذي الحجّة، وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدهم بمكّة بقيّة ذي الحجّة من تلك السنة والمحرّم وصفر، وخرج مهاجرا إلى المدينة في شهر ربيع الأوّل، وقدمها يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه "اهـ.
وكذا قال ابن كثير رحمه الله في " فصول من السّيرة " (ص103).
- ولكنّ الوهم سرى في أوساط المسلمين من أجل: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لمّا أرادوا التّأريخ، اختاروا السّنة التي هاجر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأخذوا الشّهر الّذي هاجر فيه - وهو ربيع الأوّل - بعين الاعتبار.
روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: ( مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ) أي: سنة مقدمه.
ولو عدّوا من شهر قدومه صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة: لعدُّوا من شهر ربيع الأوّل.
وإنّما جعلوا شهر الله المحرّم بداية السّنة الهجريّة لأنّه منصرف النّاس من حجّهم، كما قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لا لأنّه شهر هاجر فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
والله أعلم.