- شرح الأصول الثّلاثة (12) السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ (صوتي)

أرسل إلى صديق

العنوان

استماع المادة

تحميل المادة

تحميل الدّرس مكتوبا

- شرح الأصول الثّلاثة (12) السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

قال رحمه الله:

فإذَا قيلَ لكَ: بِمَ عرفْتَ ربَّك ؟ فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه.

ومِنْ آياتِه: اللّيلُ والنّهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السّمٰواتُ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما، والدّليلُ قولُه تَعَالىٰ: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]، وقولُهُ تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

الشّرح:

بعدما ذكر المؤلّف رحمه الله الأصول الثّلاثة على سبيل الإجمال، شرع في تفصيل الأمر الأوّل وهو معرفة الله عزّ وجلّ؛ لأنّه أوجب الواجبات على الإطلاق، وهو أصل المسائل.

 فبعدما ذكر رحمه الله أمّ المسائل، وهي معرفة الله عزّ وجلّ شرع في ذكر الدّلائل على ذلك.

  • · قوله رحمه الله: ( فإذا قيلَ لكَ ): ما زال المؤلّف رحمه الله يؤصّل لهذه الأصول على طريقة السّؤال والجواب، لإثارة الاهتمام والانتباه.
  • · قوله: ( بِمَ عرفْتَ ربَّك ؟): أي: ما هو السّبيل إلى معرفة الله تعالى. ومعرفة الله نوعان: معرفة إقرار، ومعرفة اعتبار كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

والمقصود بالمعرفة هنا معرفة الاعتبار الّتي تورثُ المحبّة والتّعظيم والخشية والرّجاء والتوكّل وغير ذلك من مقامات الإيمان. 

  • · قوله: ( فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه ): الآيات جمع آية، وهي العلامة والبرهان والحجّة. 

والمخلوق هو كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ، وهو ما أوجده الخالق من العدم. 

فالسّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ طريقان:

أ) الآيات المتلوّة الشّرعيّة: قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، وقال جلّ ذكره:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشّعراء: 197].

وقد أنكر سبحانه على من لم يتفطّن إلى أنّ القرآن من أعظم الآيات فقال:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت].

ب) الآيات المرئيّة الكونيّة: قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وقال تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} [الغاشية].

والمؤلّف رحمه الله لم يذكر الآيات الشّرعيّة، وإنّما اقتصر على ذكر الآيات الكونيّة، وسمّاها آياتٍ ومخلوقات، وهي كلّها شيء واحد كما لا يخفى، فقال رحمه الله:  

  • · قوله: ( ومن آياتِه: اللّيلُ والنّهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السّمٰواتُ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما): فالسّموات والأرض من الآيات، كما قال تعالى:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3]. والظّاهر أنّه جعل الآيات ما يتغيّر حاله كاللّيل والنّهار والشّمس والقمر، والمخلوقات ما هو مستقرّ كالسّماوات والأرض.  

فإن قال قائل: لماذا خصّ المؤلّف رحمه الله الآيات الكونيّة بالذّكر ؟ قيل:

سبب هذا التّخصيص أنّ الآيات الكونيّة والمخلوقات المرئيّة دليل واضح لكلّ أحدٍ، وتقرّ به الفِطرة والعقل؛ إذ لكلّ حادث من مُحدِث، وقد سبق بيان ذلك.

وينبغي لصاحب العقيدة والإيمان أن يستحضر هذه الآيات، ولا تكون حياتُهم بمعزلٍ عنها، وإلاّ استوينا وأولئك الّذين نرميهم بأنّ مادّيون !

فإذا نظر إلى السّماء والأرض والجبال وغير ذلك اعتبر وتذكّر عظمة الخالق عزّ وجلّ، وقيامه على هذا الكون، وبذلك لا يكون قد فصل حياته الكونيّة عن حياته الشّرعيّة، والله هو القائل:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: من الآية54].

روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال:

بِتُّ عندَ خالتِي ميْمونَةَ رضي الله عنها، فَتَحَدَّثَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم معَ أهلِهِ ساعةً، ثمَّ رقَدَ، فلمّا كانَ ثلُثُ اللّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ، فنظَرَ إِلَى السّمَاءِ، فقالَ: (({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} ثُمَّ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

زاد ابن حبان رحمه الله: فلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حتّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلاَلٌ رضي الله عنه يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قال: يا رسولَ اللهِ، لِمَ تَبْكِي وقدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قال: (( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً ؟! لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ...} الآية كلَّها )).

وقد كانت أكثر عبادة السّلف التفكّر والتذكّر، فقيل لأمّ الدّرداء رضي الله عنها: ما كان أكثرُ شأن أبي الدّرداء رضي الله عنه ؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكّر.

قيل لأبي الدّرداء: أفترى التفكّر عملاً من الأعمال ؟ قال: نعم هو اليقين.

وقال أحد الزّهاد:" والله ما رأيت الثّلج يتساقط إلاّ تذكّرت تطايُرَ الصّحف يوم الحشر والنّشر ".

كيف لا والله تعالى يقول:{وفي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}.

وقد أشار الله تعالى إلى عبادةَ التفكّر في قوله:{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة].

روى البخاري ومسلم عن أبِي هريرَةَ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ )).

فالمؤلّف رحمه الله ذكر طريقين إلى معرفة الله تعالى، وقد كان ابن القيّم رحمه الله أكثر دقّة في بيانهما؛ حيث قال في " الفوائد " (170):

" فصل: معرفة الله سبحانه نوعان:

1- معرفة إقرار، وهي الّتي اشترك فيها النّاس جميعا: البرّ والفاجر، والمطيع والعاصي.

2- والثّاني: معرفة توجبُ الحياءَ منه والمحبّة له، وتعلّقَ القلب به، والشّوق إلى لقائه، وخشيتَه، والإنابةَ إليه، والأنسَ به، والفرارَ من الخلق إليه.

وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسان القوم، وتفاوتُهم فيها لا يُحصيه إلاّ الّذي عرّفهم بنفسه، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم ... ولهذه المعرفة بابان واسعان:

باب التفكّر والتأمّل في آيات القرآن كلّها، والفهم الخاصّ عن الله ورسوله.

والباب الثّاني: التفكّر في آياته المشهودة، وتأمّل حكمته فيها، وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه، وجماع ذلك: الفقهُ في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرّده بذلك، وتعلّقها بالخلق والأمر، فيكون فقيها في أوامره ونواهيه، فقيها في قضائه وقدره، فقيها في أسمائه وصفاته، فقيها في الحكم الدّيني الشّرعيّ، والحكم الكونيّ القدريّ، و{ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}"اهـ.

  • · والدّليلُ قولُه تَعَالىٰ:{وَمِنْ آيَاتِهِ}: الدالّة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال الرّحمة.

{اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ}: فمن أعظم آيات الله المشاهدة بالأبصار اللّيل والنّهار، وكيف يأتي اللّيل على النّهار فيغطّيه حتّى كأنّه لم يكن، ثمّ يأتي النّهار فيذهب بظلمة اللّيل حتّى كأن اللّيل لم يكن، فمجيء هذا وذهاب هذا بهذا الإتقان وهذا التّرتيب البديع المنتظم دالّ على وحدانية خالقه سبحانه، وهو القائل:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}.

وقال تعالى وهو يذكّر عباده بنعمة اللّيل والنّهار:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)} [القصص].

{وَالشَّمْسُ}: فهي من آيات الله العظيمة بحجمها وآثارها ونورها:

أمّا حجمها فهي مخلوق عظيم. وأمّا آثارها: فيحصُل منها من المنافع للأجسام والأشجار والأنهار والبحار ما لا يحاط به، على بُعدِها من الأرض، وقد أقرّ الكافرون أنفسُهم بأنّه لو ابتعدت الشّمس عن الأرض بحدّ أو اقتربت بحدّ لفسدت الأرض وخرب العالم.

وأمّا نورها فمن آثاره النّهار الّذي جعله الله معاشا للنّاس.

{وَالْقَمَرُ}: حيث قدّره الله منازل لكلّ ليلة ليعلم النّاس عدد السّنين والحساب.

وترى كلاّ من الشّمس والقمر يجريان في الفلك بإتقان وإحكام، قال تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [يس].

{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ}: وجاء بعد الدّعوة إلى النّظر في آيات الله تعالى الدّالة على توحيد ووجوب عبادته، جاء البراء ممّا سواه، والأمر - كما سبق بيانه - دائرٌ بين الإثبات والنّفي.

فالشّمس والقمر مهما بلغا من شأنهما فإنّهما لا يستحقّان العبادة، وخصّ الشّمس والقمر بالذّكر لأنّهما أعظم المخلوقات، كما خصّ السّجود بالذّكر دون سائر أنواع العبادة لأنّه أشرف مظاهرها ونهاية التّعظيم.

بل أخبر تعالى أنّ الشّمس والقمر كلّ منهما عبدٌ مطيع عابد ساجد لله، فقال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحجّ من: 18]، فإذا كانا يسجدان لله فكيف يُسجد لهما ؟

روى البخاري روى البخاريّ عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذَرٍّ حِينَ غرَبَتْ الشَّمْسُ: (( أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ )) قلت: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ. قال: (( فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقالُ لها: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فذلكَ قولُهُ تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ})).

لذلك قال تعالى:

{وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}: أي: إن كنتم تعبدون الله على الحقيقة فإنّه لا يصحّ أن يُصرف شيءٌ من مظاهر العبادة لغيره، ولو كان أعظم مخلوق.

  • · وقولُهُ تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

ومن دلالات الخلق على توحيد الله:

  • · قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ}: فهو سبحانه يتعرّف إلى عباده ليوحّدوه ويُعظّموه، فدلّهم عليه بمخلوقاته:

{الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ}: أي ومن أعظم مخلوقات الله الدالّة على وحدانيته: السماوات السبع، وسعتها، وارتفاعها، وما فيها من الكواكب الزّاهرة، والآيات الباهرة.

{وَالأَرْضَ}: أي: والأرضون السّبع، وامتدادُها، وسعة أرجائها، وما في الأرض من الجبال والبحار، وأصناف المخلوقات من الحيوانات والنباتات وسائر الموجودات.

ثمّ ما بين السّماوات والأرض من أنواع الهواء والسّحاب وغير ذلك، كلّه دالّ على وحدانية الباري جلّ جلاله.

{فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}: من أيّام الدّنيا، ولو شاء سبحانه أن يخلقها في لحظة لفعل، ولكنّه تعالى يعلّم عبادة التّؤدة وترك العجلة، وربط الأسباب بمسبّباتها.

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: فقد كان الله ولا شيء معه، ولا قبله، فخلق الخلق، وجعل سقف السّموات العرش، وهو أعظم مخلوق، فعلا وارتفع على العرش سبحانه.

{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}: أي: يجعل اللّيل غطاء للنّهار، والنّهار غطاءً للّيل، حتّى تقوم السّاعة.

{يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}: أي سريعا بسرعة فائقة متناهية حتّى لا نكاد نشعُر بذلك.

{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}: مذلّلات للخلق مأمورة بأمره سبحانه، فلا يسير شيء منها إلاّ بتدبيره وإذنه.

{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}: الخلق هو الأمور الكونيّة، والأمر: هو الأمور الشّرعيّة فلم يأمر سبحانه إلاّ بما يُصلح أمور العباد في المعاش والمعاد، فلا يخالف أمرُه خلقَه.

{تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: البركة هي الخير الكثير، ومعنى ( تبارك ): بلغ من البركة نهايتَها؛ فهو إله الخلق ومليكهم، وموصل الخيرات إليهم، ودافع المكاره عنهم، والمتفرّد بإيجادهم وتدبيرهم.

  

 : 

عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي