الأحد 29 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 05 ديسمبر 2010 07:39

- شرح الأسماء الحُسنى (17) ثمرات الإيمان باسم (الفتّـاح) عزّ وجلّ

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

5- المبحث الخامس: ثمرات معرفة معنى هذا الاسم.

أ) إفراد الله بالحاكميّة:

فلمّا كان هذا الاسم بمعنى ( الحَكَم )، فينبغي للمؤمن أن لا يتحاكم لغير الله عزّ وجلّ، ولا يرضى بحكم غير الله، وأن ينقاد الانقياد الكامل لحكم الله، وأن يعلم أنّ ما من حكم شرعيّ أو قدريّ إلاّ وفيه الحكمة البالغة والعدل التامّ.

 

ب) اليقين في حفظ الله عزّ وجلّ:

قال القرطبي رحمه الله:" ويتضمّن من الصّفات كلّ ما لا يتمّ الحكم إلاّ به، فيدلّ صريحا على إقامة الخلق وحفظهم في الجملة، لئلاّ يستأصل المقتدرون المستضعفين في الحال "اهـ.

ج) سؤال الله النّصر:

على المؤمن أن يتوجّه إلى ربّه بهذا الاسم لينصر ويعزّ أولياءه، ويخذل ويذلّ أعداءه، في الدّنيا والآخرة، كما دعا به المرسلون، قال تعالى عن نوح عليه السّلام:{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)} [الشّعراء]، وقال على لسان شعيب عليه السّلام:{عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89]، وقال عن جميع رسله:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:15].

فنصرهم الله في الدّنيا واستجاب لهم، وفتح بينهم وبين أقوامهم بالحقّ.

وأمّا في الآخرة فقد وعد عزّ وجلّ أنّه سيحكم بين عباده:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سـبأ:26]،

حتّى إنّ الله تعالى سمّى يوم القيامة بيوم الفتح، فقال:{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:29].

د) الافتقار إلى الله عزّ وجلّ في العلوم:

فإنّ الله بيده مفاتيح كلّ شيء، فمنها ما يرسله على العباد من العلوم، ومنها ما استأثر بعلمه كعلم الغيب، كما قال:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: من الآية59]:

فمن ادّعى معرفة شيء ممّا استأثر الله بامتلاك مفاتيحه فقد نازع الله تعالى في هذه الصّفة العظيمة.

أمّا ما أذن الله في معرفته فعلى العبد أن يتمسّح عند عتبة أبواب رحمة الله وفضله وعلمه، وأن يسأل الله تعالى الفهم لكتابه، وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأن يفتقر إليه، سائلا إيّاه أن يفتح عليه كما فتح على أوليائه، فإنّ حقيقة العلم هو الفهم، وهو قدر زائد على مجرّد العلم، لذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )).

قال مالك بن يخامر رحمه الله: لمّا حضرت معاذَ رضي الله عنه الوفاةُ بكيت، فقال: ما يبكيك ؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللّذين كنت أتعلّمهما منك. فقال: إنّ العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلمَ عند أربعة فذكر:عويمر بن أبي الدرداء وسلمان الفارسيّ، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم، ثمّ قال: فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلّم إبراهيم عليه السّلام! قال: فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلاّ قلت يا معلّم إبراهيم !

قال ابن القيّم رحمه الله في "مدارج السّالكين" (1/41):" قال الله تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً (79)} [الأنبياء].

فذكر هذين النبيّين الكريمين، وأثنى عليهما بالعلم والحكم، وخصّ سليمان بالفهم في هذه الواقعة المعيّنة[1].

وقال عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصّكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء دون النّاس ؟ فقال: لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إلاّ فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه، وما في هذه الصّحيفة - وكان فيها العقل وهو الدّيات وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر -.

وفي كتاب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه: ( وَالفَهْمَ الفَهْمَ فِيمَا أُدْلِي إِلَيْكَ ).

فالفهم نعمة من الله على عبده، ونور يقذفه الله في قلبه، يعرف به ويدرك ما لا يدركه غيره ولا يعرفه، فيفهم من النصّ ما لا يفهمه غيره مع استوائهما في حفظه وفهم أصل معناه.

فانظر إلى فهم ابن عبّاس رضي الله عنه - وقد سأله عمر رضي الله عنه ومن حضر من أهل بدر وغيرهم عن سورة{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ}، وما خصّ به ابن عبّاس من فهمه منها أنّها نعي الله سبحانه نبيَّه إلى نفسه، وإعلامه بحضور أجله، وموافقة عمر له على ذلك، وخفائه عن غيرهما من الصّحابة، وابن عباس إذ ذاك أحدثُهم سنّا، وأين تجد في هذه السّورة الإعلام بأجله لولا الفهم الخاصّ.."اهـ.

هـ) الرّزق بيد الله وحده:

وكذلك بيده مفاتيح الرّزق، لا رازق إلاّ هو، كما قال تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى:12]، وهذا سيأتي تفصيله عند شرح اسم " الرزّاق " إن شاء الله.

فحريّ بالمسلم أن يستحضر معاني الفتح عند دخوله المسجد، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ )).

و) النّصر بيد الله وحده:

أنّ الفتح والنّصر من عند الله تعالى، كما قال:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].

ولكنّ الله علّمنا أن لا نقول: متى نصر الله ؟ حتّى نجيب عن سؤال مهمّ: أين نصركم لله ؟! قال عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، ونصره سبحانه وتعالى إنّما هو بإقامة شرعه، وإحياء أمره، واجتناب نهيه، وهذا ما سنعود إليه إن شاء المولى عند شرح اسم "النّصير".

ز) الحذر من الاستدراج.

إنّ فتحه تعالى كما يكون نعمة، فقد يكون نقمة، وهو ما يُعرف بالاستدراج، قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف].

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) ثُمَّ قَرَأَ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ})).

وقال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه: ( إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ )، ثُمَّ تَلَا:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



[1] (في الحرث): هو البستان، وقيل: إنّها كانت أشجار عنب، فـ(نفشت) فيها الغنم، والنّفش إنمّا يكون ليلا، فقضى داود عليه السّلام لأصحاب البستان بالغنم، لأنّه اعتبر قيمة ما أفسدته، فوجده يساوي الغنم، فأعطاهم إيّاها، وأمّا سليمان عليه السّلام فقضى على أصحاب الغنم بالمثل، وهو أن يعمّروا البستان كما كان، ثمّ رأى أنّ مغلّه إلى حين عوده يفوت عليهم، ورأى أن مغلّ الغنم يساويه، فأعطاهم الغنم يستغلّونها حتىّ يعود بستانهم كما كان، فإذا عاد ردّوا إليهم غنمهم.

أخر تعديل في الأحد 27 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2011 21:49
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي