الثلاثاء 05 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 08 فيفري 2011 12:44

- هل إدريس عليه السّلام أوّل نبي ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق
قييم هذا الموضوع
(3 تقيم)

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد سألني أحد الإخوة الأفاضل عن صحّة ما يُذكر في كثير من كتب التّفسير وقصص الأنبياء أنّ نبيّ الله إدريس عليه السّلام هو أوّل نبيّ أرسله الله عزّ جلّ.

وإنّ كتب التّفسير والقصص كغيرها من الكتب، لم تخلُ من الأخطاء والزلاّت، بل ذُكِر في بعضها الأباطيل والخرافات.

من ذلك ما نُقِل حول النبيّ الكريم إدريس عليه السّلام، وأهتبل هذا الاستفسار فرصةً لبيان خطأين شائعين عنه عليه السّلام:

الأوّل: هل إدريس عليه السّلام أوّلُ نبيّ ؟

هذا هو الشّائع، وذاك هو الذّائع، ويجعلونه جدّا أو أبا جدٍّ لنوح عليه السّلام. وصاروا يطبعون ما يسمّونه بـ" شجرة الأنبياء " فيجزمون بأنّه أوّل نبيّ.

وكيف لا يشيع ذلك وقد قال الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه ": ( بَاب ذِكْرِ إِدْرِيسَ عليه السّلام وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ، وَيُقَالُ جَدُّ نُوحٍ عليهما السّلام ) ؟

بل نقل بعضهم على ذلك الإجماع !

وقد أشار ابن إسحاق رحمه الله في أوّل كتابه " السّيرة النّبويّة " لمّا ساق النّسب الكريم، إلى أنّ هذا القول مأخوذ عن أهل الكتاب.

وهذا القول ضعيف لما يلي:

1- لقد قام الدّليل على أنّ نوحا عليه السّلام هو أوّل نبيّ ورسول إلى الأرض، ويعتبر أبا البشر الثّاني، بدليل ما جاء في حديث الشّفاعة الطّويل، الّذي رواه البخاري عن أبِِي هريرة رضي الله عنه، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم عن آدم عليه السّلام:

(( اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا ؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟ )).

2- أنّ الله عزّ وجلّ دائما يبدأ بذكره، ويُسند إليه الأوّلية، فقال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [النساء:163]، وقال: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة: من الآية70]، وقال:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ} [الحج:42]، وقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} [ق:12]..

وإذا بدأ بذكر قصص الأنبياء مفصّلة بدأ بنوح عليه السّلام..

3- أنّ قومه أوّل قوم عبدوا الأوثان، فناسب أن يكون هو أوّل الرّسل.

4- أنّ إدريس من ذرّية نوحٍ عليه السلام، فكيف يكون قبله ؟

ولو تأمّلنا حديث الإسراء والمعراج لوجدنا ما يدلّ على ذلك. يظهر ذلك جليّا من كلمات التّرحيب الّتي رحّب بها الأنبياء عليهم السّلام بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال:

(( فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ .. قَالَا مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ عليه السّلام فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ: قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ عليه السّلام قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى عليه السّلام قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ))..

فجميع الأنبياء رحّب به قائلا: (( مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ))، إلاّ اثنين: آدم عليه السّلام، وإبراهيم عليه السّلام، فقالا: (( مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ )).

وما ذلك إلاّ للأمر المشترك بينهما: هو أنّهما أبوان للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. فذاك أبو البشر، وهذا أبو الأنبياء ..

وبقيّة الأنبياء عليهم السّلام إخوته صلّى الله عليه وسلّم بما فيهم إدريس عليه السّلام، فهو ليس من ذرّيته، ولو كان إدريس جَدّا لنوح عليه السّلام لكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذرّيته قطعا، ولقال كما قال آدم وإبراهيم عليهما السّلام: (( مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ )).

2- الخطأ الثّاني: في تفسير قوله تعالى:{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.

فقد صحّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رآه في السّماء الرّابعة، وهو مكان عليّ بغير شك.

لكنّك تجد كثيرا من المفسّرين يذكرون في ذلك أخبارا عن بني إسرائيل يريدون من ورائها أن يعرفوا السرّ في كونه في السّماء الرّابعة، ويزعمون أنّ ملك الموت قال:" إنّ الله تعالى أمرني أن أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ".

قال ابن أبي شيبة رحمه الله في " المصنّف " (6/341):

(( ما ذكر من فضل إدريس عليه السّلام:- ثمّ ساق بسنده - عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:

سألت كعبا عن رفع إدريس عليه السّلام مكاناً عليّا ؟ فقال: أمّا رفع إدريس عليه السّلام مكانا علياًّ فكان عبدا تقيّا، يُرفع له من العمل الصّالح ما يرفع لأهل الأرض في أهل زمانه، قال: فعجب الملك الّذي كان يُصعِد عليه عملَه، فاستأذن ربّه إليه، قال: ربّ ! ائذن لي إلى عبدك هذا فأزورَه. فأذن له.

فنزل، فقال: يا إدريس ! أبشر فإنّه يُرفع لك من العمل الصّالح ما لا يرفع لأهل الأرض !

قال: وما عِلْمك ؟ قال: إنِّي ملك.

قال: وإن كنت ملكا. قال: فإنّي على الباب الّذي يصعد عليه عملك.

قال: أفلا تشفع لي إلى ملك الموت فيؤخّر من أجَلِي لأزداد شكرا وعبادةً ؟ قال له الملك: لا يؤخّر الله نفسا إذا جاء أجلها.

قال: قد علمت، ولكنّه أطيب لنفسي.

فحمله الملك على جناحه، فصعد به إلى السّماء، فقال: يا ملك الموت ! هذا عبد تقيّ نبيّ يرفع له من العمل الصالح ما لا يرفع لأهل الأرض ! وإنّه أعجبني ذلك فاستأذنت إليه ربّي، فلمّا بشّرته بذلك سألني لأشفع له إليك لتؤخّر من أجله فيزداد شكرا وعبادة لله.

قال: ومَنْ هذا ؟ قال: إدريس.

فنظر في كتاب معه حتّى مرّ باسمه، فقال: والله ما بقي من أجل إدريس شيءٌ فمحاه، فمات مكانه )اهـ..

وهذا السّند صحيح إلى ابن عبّاس رضي الله عنه[1]، ولكنّه من أخبار كعب بن ماتع المعروف بكعب الأحبار، ومعظمها استقاها من كتب بني إسرائيل.

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح ":" وهذا من الإسرائيليّات، والله أعلم بصحّة ذلك ".

ولا يخفى على أحد مغبّة الكلام في كتاب الله بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.

ولا تسل عمّا نسبوه إليه ! نسبوا إليه أوّليات كثيرة، وقد شُحِنت كتب التّفسير بذلك، فقالوا:

- هو أوّل من خطّ بالقلم.

- وأوّل من خاط الثّياب، ولبس المخيط.

- وأوّل من نظر في علم النّجوم والحساب وسيرها.

- وأنّه سمّي إدريس لكثرة درسه لكتاب الله تعالى.

- وأنّ الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة .. إلى غير ذلك.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.



[1]/ قال ابن أبي شيبة - وهو إمام لا تخفى إمامته -: حدّثني حسين بن عليّ - وهو الجعفيّ من الأئمّة كما في " التّهذيب " - عن زائدة - وهو ابن قدامة ثقة ثبت - عن ميسرة الأشجعي - وهو ثقة - عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي الله عنه..

أخر تعديل في الثلاثاء 05 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 08 فيفري 2011 12:54
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي