فهو مأخوذ من الشَّوْل، بمعنى الارتفاع، ومنه الظّاء المشالة، ولا يزال سكان المشرق إلى اليوم يعنون بها ذلك، فيقولون " شالْهَا " أي رفعها، وقد ذكر العلماء سببين لذلك:
الأوّل: أنّ الثّمار والزّروع جفّت فيه، فارتفع الخير.
الثّاني: أنّ النّاقة تمتنع عن البعير فلا تدعه يطأها، فيقال: " شالت النّاقة ".
ولعلّ العرب لذلك كانت تتشاءم من الزّواج فيه، فأتى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم فهدم هذا الاعتقاد.
روى مسلم عن عروَةَ عن عائشَةَ رضي الله عنها قالتْ:" تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي ؟! قال عُروة: وكانتْ عائشةُ تستَحِبُّ أن تُدخلَ نساءها في شوّالٍ.
2- هل لشهر شوّال مزيّة تخصّه ؟
إنّ شهر شوّال من أشهر الحجّ، كما في قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ} [البقرة:من الآية 197].
فيُشرَع للمسلم أن يدخل في حجّه من أوّل يوم من شوّال، ويظلّ محرما إلى يوم التّروية، أو يريد أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ من هذا الشّهر.
3- ما هي العبادات المستحبّة في هذا الشّهر ؟
يستحبّ في هذا الشّهر أمران اثنان على وجه الخصوص:
أ) صيام ستّة أيّام منه، وذلك لما رواه مسلم عن أبي أيّوبَ الأنصارِيِّ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )).
فأجر الصّائم لها مع رمضان كأجر من صام العمر كلّه، وتوجيه ذلك:
أنّ الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثون يوما من رمضان بثلاثمائة، وستّة من شوال بستّين يوما، فالمجموع ثلاثمائة وستّون يوما، لو التزمها المسلم كلَّ عام لصام الدّهر {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
( تنبيه ): قد يقال: إنّ شهر رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوما، فكيف يتمّ صيام الدّهر ؟
الجواب: اعلم أنّه قد روى البخاري ومسلم عن أبي بكرَةَ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ: شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ، وَذُو الْحَجَّةِ )).والمعنى لا ينقصان في الأجر وإن نقصا في العدد.
ب) ويستحبّ أيضا في هذا الشّهر الاعتكاف في المسجد؛ لما رواه البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها ( أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ ).
4-ما حكم من صام ستّا من شوّال قبل أن يقضي ما عليه من صيام رمضان ؟
لقد كره بعض العلماء ذلك لسببين اثنين:
الأوّل: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ ...))، والّذي لم يقضِ ما عليه من رمضان، لم يصم رمضان بعد، فلا يصدُق عليه أنّه أتبَعَه ستّا من شوّال، بل يكون قد قدّم عليه أيّاما من شوّال.
الثّاني: إنّ على المسلم قبل أن يهمّ بالتّطوّع، عليه أوّلا أن يُكمِل الفريضة، فهو لا يدري متى يحلّ الأجل ؟ ولا يُعقل أن يهبَ المسلم لصاحب الدّين مالاً على وجه التبرّع قبل أن يوفّيه حقّه ؟!
ومع ذلك، فإنّ الصّحيح هو جواز صيام هذه الستّ قبل قضاء دين الصّيام، والدّليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ ).
فكانت تقضي رمضان في شعبان، ولا يمكن أن يُتصوّر أنّ عائشة - الصوّامة القوّامة - لم تكن تصوم ستّا من شوّال، ولا أيّام البيض، ولا الإثنين والخميس، ولا يوم عرفة، ولا عاشوراء ؟
5-ما حكم من كان عليه قضاء من رمضان، ثمّ بدا له وسط النّهار أن يفطر ؟
اعلم أنّ الصّحيح هو جواز الخروج من صوم النّفل؛ إذ المتطوّع أمير نفسه، وخاصّة إذا كان ذلك لعذر شرعيّ، كإجابة الدّعوة مثلا. ولكنّ الشّروع في قضاء صوم رمضان ليس من قسم المستحبّ، فيجب إتمامه، لوجهين اثنين:
الأوّل: لأنّه صوم واجب، والمقرّر لدى أهل العلم أنّ فرض العين والكفاية يلزم بالشّروع فيه.
الثّاني: لقد روى التّرمذي عنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها قالتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَأُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لِي ! فَقَالَ: (( وَمَا ذَاكِ ؟)) قَالَتْ: كُنْتُ صَائِمَةً فَأَفْطَرْتُ ! فَقَالَ: (( أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ )) قَالَتْ: لاَ، قَالَ: (( فَلَا يَضُرُّكِ )).
وفي رواية لأبي داود:
(( فَلاَ يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعاً )) ["صحيح سنن الترمذي" و"صحيح سنن أبي داود"].
فمفهوم هذا الحديث أنّه يضرّها لو كان قضاءً. فلا يجوز الخروج من صوم قضاء الفريضة.
هذا ما تيسّر ذكره فيما يخصّ بعض أحكام شهر شوّال.
ونسأل الله لنا ولكم التّوفيق لطاعته، والثّبات على مرضاته، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.