أمّا يوم عـرفـة .. وما أدراك ما عرفة ؟
تظهر لك مكانته، ومنزلته ومرتبته من وجوه كثيرة:
1- أنّه يوم إكمال للدّين، ففي الصّحيحين عن طارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} قالَ عُمَرُ رضي الله عنه: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
وأراد الله أن يكون نزول هذه الآية تامّا من جميع الوجوه، فأنزل هذه الآية التامة الكاملة الفاضلة، على عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق، في أفضل الأيّام، وأفضل الشّهور، وأفضل الأماكن، ومعه أفضل الخلق.
لذلك أنكر الله على من لم يكتف بالوحي، فقال:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51] .
شعوبُك في شرق البلاد وغربها *** كأصحاب كهفٍ في عميق سُبات
بأيمانهم نوران : ذكـر، وسنّة *** فمـا بالهم في حالك الظّلمـات؟
وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على تمام هذه النّعمة، ففي مسند الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي )).
وتلكم نعمة نحسد عليها، ويراد منّا الميل عنها، فقال تعالى:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3].
2- أنّه عيد من أعياد المسلمين، فقد روى أهل السّنن عن عقبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ )).
3- أنّه يوم أقسم الله به، والعظيم لا يقسم إلاّ بعظيم، فقد روى التّرمذي وأحمد عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ )).
4- أنّ صيامه يكفّر ذنوب سنتين، ففي صحيح مسلم عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: (( يكفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ، وَالسَّنَةَ القَابِلَةَ )). وهذا إنّما يُستحبّ لغير الحاجّ، أمّا الحاجّ فلا يُسنّ له صيامه.
5- أنّه اليوم الّذي أخذ الله فيه الميثاق من بني آدم، فقد روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ - يَعْنِي عَرَفَةَ -، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا، قَالَ:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
6- أنّ هذا اليوم هو الرّكن الأعظم في الحجّ، فعن عبدِ الرّحمنِ بنِ يَعْمَرَ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ ؟ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: (( الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ )).
قَالَ العلماء: من لم يقف بعرفاتٍ قبلَ طلوعِ الفجرِ فقد فاته الحجُّ، ولا يجزِئُ عنه إن جاء بعد طلوعِ الفجرِ ويجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابلٍ، قال وكيعٌ: هذا الحديثُ أمُّ المناسكِ.
7- أنّه يوم مغفرة وعتق من النّيران .. يوم يدنو فيه الرّحمان .. يوم يباهي بعباده فيه ملائكته العِظام ..
روى مسلم وغيره عن عائشةَ رضي الله عنها: أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبِيدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ:" مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ اِشْهَدُوا- مَلاَئِكَتِي - أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ )).
دعـاهم، فلبّـوه رِضـاً ومحبّـةً *** فلمّا دعوه كان أقرب منهمُ
تراهم على الرّمضاء شُعثاً رؤوسهم *** وغُبراً، وهم فيها أسرُّ وأنعمُ
لماّ رأت أبـصـارهم بيتـه الّذي *** قلوب الورى شوقا إليه تضرّم
كأنّـهم لم يتعبـوا قـطّ قبلـه *** لأنّ شقاهم قد ترحّـل عنهم
وراحوا إلى عرفات يرجون رحمة *** ومغفـرة ممّن يجـود ويُكرم
فيدنـو بـه الجبّـار جلّ جلاله *** يباهي بهم أمـلاكه فهو أكرم
يقول: عبـادي قد أتـوني محبّةً *** وإنّي بهم بَـرٌّ أجـود وأرحم
فأشهِدُكم أنّي غفرت ذنوبـهم *** وأعطيتـهـم ما أمّلوه وأُنعِم
هذا هو فضل يوم عرفة .. وها هو كرم الله يوم عرفة .. فما على المسلم في هذا اليوم ؟
يقول الله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سـبأ: من الآية13] .. فإن كنت تريد أن تكون من الشّاكرين العاملين فاحرص على أعمال ثلاثة:
أ) التّكبير: فقد كان السّلف يكبّرون من فجر يوم عرفة، قال ابن القيّم رحمه الله في " زاد المعاد" (2/395):
" ويُذكَر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى العصر من آخر أيّام التّشريق[1]، فيقول: (( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد )).
ب) الدّعاء والتّهليل والثّناء على العليّ الجليل: وذلك لما رواه التّرمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي:" لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )).
ج) الصّيـام: إنّ صيام يوم عرفة من أجلّ العبادات، وأعظم القربات، التي شرعها ربّ الأرض والسماوات، وينبغي للمسلم غير الحاجّ صيامه، لأنّ صيامه شُرع لأجل منزلة عظيمة من منازل السّائرين، ودرجة عظيمة من درجات العابدين، ألا وهي منزلة الشّكر ..
شكر ربّ العالمين على تمام النّعمة وإكمال الدّين .. وقد تفطّن اليهود إلى هذه الحقيقة فنظروا بعيدا، وتمنّوا لو اتّخذوا هذا اليوم عيدا، ويدلّ على ذلك أمران:
أوّلهما: الحديث الّذي ذكرناه قبل قليل من سؤال اليهوديّ لعمر رضي الله عنه.
الثّاني: ما رواه البخاري عنْ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ موسَى عليه السّلام وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا للهِ، فقالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ )) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
فشرع لنا صيام يوم عاشوراء لأجل شكر الله تعالى لهذه النّعمة، فضمن لعباده أنّه يكفّر سنةً ماضية ..
فكيف بنعمة إكمال الدّين، وهيمنته على شرائع الأوّلين ؟ لذلك روى مسلم عن أبي قتَادَةَ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )).
الخطبة الثّانية:
الحمد لله حمدا يوافي نِعمه، ويدفع نِقمه، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادة حقّ ندّخرها ليوم الوعد والوعيد، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أشرف الأنبياء وسيّد العبيد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المزيد، أمّا بعد:
فإنّ اليوم الآخر الّذي عظّمه الله تعالى بعد يوم عرفة، هو يوم النّحر .. وما أدراك ما يوم النّحر ؟..
يظهر لك فضله من وجوه أربعة:
1- أنّه أعظم أعياد المسلمين، للحديث السّابق: (( يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ )).
بل بيّن أنّه ممّا يميّز المؤمنين عن غيرهم، فقد روى أبو داود والنّسائيّ وأحمد عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم المَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (( مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟)) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )).
2- أنّه أعظم وأفضل الأيّام عند الله، فقد روى أبو داود عن عبدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تبارك وتعالى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )).
3- إنّه ختام العشر الأُوَل من شهر ذي الحِجّة، الّتي قال عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْهَا ))..
4- أنّه يوم الحجّ الأكبر؛ لما رواه أبو دواد وابن ماجه عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: (( أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟)) قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: (( هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ )).
فما الأعمال الّتي أمر الله بها في هذا اليوم المبارك العظيم ؟
أجلّ الأعمال على الإطلاق في هذا اليوم:
أ) الصّلاة .. فهي أعظم الذّكر، فشرع الله في هذا اليوم أن يخرج المسلمون إلى المصلّى والمساجد، حتّى أوجب ذلك على الحُيّض وذوات الخدور، روى البخاري ومسلم - واللّفظ لمسلم - عن أمِّ عطيَّةَ رضي الله عنها قالتْ: أَمَرَنَا - تعنِي النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ.
ب) النّحر .. فأجلّ العبادات البدنيّة الصّلاة .. وأجلّ العبادات الماليّة النّحر، لذلك لمّا أنعم الله تعالى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالكوثر، وما أدراك ما الكوثر ؟ نهر في الجنّة .. أمره بشكره بهاتين العبادتين:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، وقال:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام].
ج) إطعام الفقراء والمساكين: فذلك من تمام التشبّه بالحجّاج بعد النّحر، قال تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28]، وقد روى الإمام أحمد عن جابِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ )) قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ ! مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ ؟ قَالَ: (( إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ )).
فما على المسلم إلاّ أن يُراقِب نفسه في عمله فيحرص على ما يصحّح له عمله، وذلك لا يكون إلاّ:
بالإخلاص، فكم من قائل وقت النّحر: اللّهمّ هذا منك وإليك، يقال له: كذبت وعملك مردود عليك.
والأمر الثّاني: أن يكون عمل المسلم هذا اليوم موافقا لسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيطّلع على آداب وأحكام الأضاحي.
فإن تقبّل الله الطّاعة، فتلك هي السّعادة كلّ السّعادة أن يكون العبد عبداً، محقّقا للغاية المنشودة، والبُغية المقصودة، مفتخِرا ومعتزّا في كلّ أوان وحين، برِداء:{إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ}..
رضيـتـك ربّـاً *** فأذللـت قـلـباً *** وروحـاً ولُـبـّاً
إلـى عِـزّتـك
وأخضعت نفسي *** وفكري، وحسّـي *** ووجهي، ورأسـي
علـى قُـدرتـك
وسلّمـت أمـري *** في سرّي وجهـري *** وخيـري وشـرّي
إلى حـكـمتـك
ومـحيـاي ربّـي *** وغـفران ذنـبـي *** ولـهفي، وقـلبـي
إلـى رحـمـتـك
[1] رفعه ضعيف، ولكنّه صحّ عن عليّ بن أبي طالب كما في " مصنّف ابن أبي شيبة " (2/1/2) و" السّنن الكبرى " للبيهقيّ (3/314)، وعن ابن مسعود وابن عبّاس عند الحاكم (1/300)، وصحّحها الألباني رحمه الله في " الإرواء " (3/125). وقد رواه الدّارقطنيّ عن عمّار ابن ياسر رضي الله عنه.