الأربعاء 03 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق لـ: 13 فيفري 2013 10:27

- السّيرة النّبويّة (73) غزوة بدر الكبرى: خروج المشركين إلى بدر

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في الحلقة السّابقة سيرَ الجيش الإسلاميّ نحو قافلة قريش .. ورأينا أنّ ثمّةَ مشكلةً لم يَحْسَب المسلمون لها حسابا قد حدثت !

لقد علمت قريشٌ بخروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوَهم.

روى ابن اسحاق: عن عروة بن الزّبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه لمّا سمع رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بأبِي سفيانَ مقبلاً منَ الشّامِ ندبَ المسلمين، وقال:

(( هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إليها، لعلّ الله ينفّلكُمُوها )).

فانتدب النّاس، فخفّ بعضُهم، وثقُل بعضُهم، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلقى حربا.

وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسّس الأخبار، ويسأل من لقي من الرّكبان تخوّفا على أموال النّاس، حتّى أصاب خبرا من بعض الرّكبان: أنّ محمّدا قد استنفر أصحابَه لك ولعيرك، فحذِر عند ذلك، فاستأجر ضمضمَ بنَ عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكّة، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرَهم إلى أموالهم، ويخبرهم أنّ محمّدا قد عرض لها في أصحابه.

فخرج ضمضمُ بنُ عمرو سريعا إلى مكّة ..

عندئذ وقع ما سردناه في مكّة من تحقّق رؤيا عاتكة.. وسمع أهل مكّة صوت ضمضم الغفاري: ( اللّطيمة ! اللّطيمة ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه ..لا أرى أن تدركوها .. الغوث ! الغوث ! )..

وتجمّعت قريش حول هذا المشهد .. وصرخوا بوجه هذا النّذير يسألونه عن تفاصيل ما يحدث ..

واحتقنت وجوه الطّواغيت كلّها، وارتجّت جدران مكّة بضجيجهم وصراخهم، وسُلّت السّيوف ..

إلاّ واحدا أذهله الخبر .. لا يدري ما يفعل ؟ ولا أين يذهب ؟ إنّه أميّة بن خلف، فإنّه الآن يتذكّر كلام سعد بن معاذ رضي الله عنه:" دعنا منك يا أميّة ! لقد سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول إنّه قاتلك ! "..

واليوم قد حان خروج قريش ولن يتخلّف أحد ؟ فهل سيتخلّف هو وهو سيّد من سادتها ؟!

إنّهم سمعوا صوت ضمضم ينادي " الغوث ! الغوث !" إلاّ هو، فكأنّه يسمعه " الموت ! الموت !"..

فدخل على زوجته .. روى البخاري وأحمد عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:" فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ. فَسَارَ مَعَهُمْ.

هكذا كان أبو جهل في ذلك اليوم .. كان كالمجنون يجول في شوارع مكّة .. يذرع طرقاتها .. ويثير الغبار في أزقّتها .. ويطرق أبوابها..

روى البخاري عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ ! فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ ! إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ، وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ. ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ ! جَهِّزِينِي ! فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ ! وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ ؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا..

فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ.." أي: ما نزل منزلا إلاّ وعقل بعيره أمامه تأهّبا للهروب، يرى الموت خلف الصّخور، وبين الأشجار..

وخرج المشركون والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم بعد بخروجهم، خرجوا بقيادة أبي جهل بن هشام في تسعمائة وخمسين مقاتلا، مصطحبين معهم المغنّيات والخمر .. والموت .. وقد وصف الله خروجهم ذلك فقال:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال:47].

وانطلقوا يريدون مكانا بين مكّة والمدينة، يقال إنّه كان به موسم من مواسم العرب يجتمع لهم به سوقٌ كلَّ عام، وكان اسم هذه الأرض بـدر .. 

أخر تعديل في الأربعاء 03 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق لـ: 13 فيفري 2013 10:29
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي