وليس ذلك إلاّ بمعرفة أحكام الصّيام وآدابه، لأنّه دون معرفة هذه الأحكام ينقص أجر الصّيام، ويثوب العبد بالإثم والملام.
وإنّ أحكام وآداب الصّيام كثيرة، لا سيّما الأحكام المتعلّقة بشهر رمضان، فمنها ما ينبغي معرفته قبل حلول الشّهر الكريم، ومنها ما يحرص العبد عليه خلال الشّهر، ومنها أحكامٌ تتعلّق بما بعد شهر الصّيام.
1- البشارة بقدوم شهر الصّيام.
فإنّ الفرح بمواسم الطّاعات، والحزن على فواتها أمرٌ قد اتّفق عليه المسلمون، وقد قال تعالى في كتابه الميمون:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
وقد روى النّسائيّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عزّ وجلّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )).
قال أهل العلم: وهذا الحديث أصلٌ في تبشير النّاس بعضِهم بعضاً بقدوم شهر رمضان، و" كيف لا يبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجِنان ؟! كيف لا يبشَّر المذنب بغلق أبواب النّيران ؟! كيف لا يُبشّر العاقل بوقتٍ يُغلّ فيه الشّيطان ؟! من أين يُشبه هذا الزّمانَ زمان ؟! " ["لطائف المعارف" (ص 289) لابن رجب رحمه الله].
فعلى العاقل الّذي بلّغه الله تعالى هذا الشّهر الكريم، أن يُسَارع إلى شكر الله الّذي وفّقه إلى أن يعيش هذا الموسم العظيم..
أن يعيش شهر الصّبر .. شهر الطّاعة والشّكر .. شهر الإنابة والذّكر ..
فكم من قلوب اشتاقت وحنّت للقاء هذا الشّهر، صارت اليوم في القبور واللّحود، وما عادوا من أهل هذا الوجود.
لقد أراد الله تعالى لك أن تكون هذا العام ممّن يزدادون تقرّبا منه تعالى بصوم شهر رمضان وقيام ليله .. ولو قيل لأهل القبور: تمنّوا، لتمنّوا يوما واحداً من رمضان ..
وتأمّل ما رواه الطّبرانيّ في "الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بقبر فقال: (( مَنْ صَاحِبُ هَذَا القَبْرِ ؟ )) فقالوا: فلان. فقال: (( رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ )).
فإذا كان هذا حال ركعتين فقط، فكيف بأيّام نهارها صيام، وليلها قيام ؟! نهارها ذكر وخضوع، وليلها تهجّد وخشوع ؟!
وأضع هذا الحديث بين يديك، حتّى تتذكّر نعمة الله تعالى عليك، فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:
كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ مِنْ قُضَاعَةَ، أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً.
قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ !
فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ سَنَةِ ؟!)).
لذلك كان الصّحابة رضي الله عنهم والتّابعون يسألون الله تعالى وصوله وبلوغه .. قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله:" كان من دعائهم: اللهمّ سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان ".
فتذكّر يا من ستُدْرِك هذا الشّهر أنّك في نعمة من الله إليك أسداها، ومنّةٍ منه عليك أولاها، والْهَجْ بلسان الحال والمقال، شاكرا الكبيرَ المتعال، عندئذ ترى أنّ الله ربّ العبيد، قد آذنك بالمزيد:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
تنبيه:
في باب البشارة بهذا الشّهر الكريم حديث مشهور، لكنّه لا يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو ما رواه ابن خزيمة عن أبي مسعودٍ الغفاريّ رضي الله عنه مرفوعا: (( لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا رَمَضَانُ، لَتَمَنَّتْ أُمَّتِي أَنْ يَكُونَ السَّنَةَ كُلَّهَا )).
والله الموفّق لا ربّ سواه.