- ومنهم من فضّل الصّلاة لما رواه مسلم أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ )).
- ومنهم من فضّل الذّكر، وقال: ما فضّلت الصّلاة إلاّ لكونها ذكرا لله تعالى، واستدلّوا بما رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟)).
قَالُوا: بَلَى! قَالَ: (( ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى )).
- ومنهم من قال: أحسنها ما كان ديمةً مستمرّا، لما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَـالَ: (( إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )).
- ومنهم من جعل أفضل الطّاعات ما كان متعدِّيَ النّفع، لما رواه الأصبهاني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ المَدِينَةِ – شَهْراً، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ )).
قالوا وما فُضّل العلم والجهاد إلاّ لكون نفعهما متعدّيا.
وغير ذلك من الأقوال، وأحسنها أن يُقال جمعا بين النّصوص والأدلّة: إنّ أفضل الأعمال ما كان موافقا للحال والزّمان ..
جاء في " مدارج السّالكين "(1/88) لابن القيّم رحمه الله:
( أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقتٍ بما هو مقتضى ذلك الوقت، ووظيفته ) ورجّحه رحمه الله.
- فإذا نظرنا إلى حال الشّخص:
فربّما كان حريصا على مساعدة النّاس، ولكنّه مضيّع لحضور مجالس العلم، فإنّ مثله يُنصح بالتعلّم.
ولو كان حريصا على العلم مضيّعا لحقوق أهله ووالديه، فهذا يكون أفضل الأعمال إليه هو برّ الوالدين وإحسان صحبتهما.
وربّما كان أحدهم ثقيلَ الحفظ بطيءَ الفهم للعلوم الشّرعيّة، ولكنّه يحسن القيام ببعض الأعمال الأخرى، فإنّ أفضل الأعمال إليه هو العمل فيما يُحسنه، ولا ينصح بالتعمّق في العلوم الشّرعيّة، وإنّما يكتفي بتعلّم ما لا يسع المسلم جهله.
لذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا سئل عن أفضل الأعمال يجيب هذا بما لا يجيب به الآخر، قال الإمام النّوويّ رحمه الله في " شرح صحيح مسلم ":
( قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين ).
- أمّا إذا نظرنا إلى الأوقات:
- ففي وقت الصّلاة تكون الصّلاة أفضل العبادات، وعند حضور مجلس العلم يكون العلم أفضل من النّوافل، وعند دخول وقت الرّواتب يكون أداؤها أفضل من عمل آخر، وعند احتياج الأخ إليك تكون إعانته أفضل القربات.
والأصل في المسلم أنّه لا يفرغ من عبادة الله، قال تعالى:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) }.
قال العلماء:
- أفضل الأعمال عند لقاء العدوّ جهاده، ولو آل ذلك إلى ترك قيام الليل، وصيام النّهار، قال تعالى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }[المزمل:20].
- وأفضلها عند نزول الضّيف القيام بحقّه، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا )).
- وأفضلها عند سماع الأذان أن تترك ما أنت فيه من ذكر، وأن تجيب المؤذّن لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا سَمِعْتُمْ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ..)) الحديث
- وأفضلها عند أوقات الصّلوات المبادرة إلى المسجد، والنّصح في أدائها على أكمل وجه لقول الله تعالى: { رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } [النور:37].
- وأفضلها عند السَّحَر تلاوة القرآن والدّعاء والاستغفار والصّلاة لقول الله تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113]. ولقوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذّاريات:37].
- وأفضلها عند ضرورة المحتاج إغاثته بالجاه أو البدن أو الحال، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفَكُّوا العَانِي )).
- وأفضلها عند لقاء أخيك التّسليم عليه، ولو أدّى إلى قطع الذّكر، وأفضلها عند مرضه أو موته عيادته وتشييع جنازته؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ )).
فإذا أتقن المسلم فهم هذه النّقطة سهُل عليه فَهم وفقه الأولويّات.
النّقطة الثّانية: فقه الأولويّات.
والأولويّات مأخوذ من الأولى، وهو الأقرب الّذي ينبغي الأخذ والتمسّك به.
وإنّ لهذا الباب من الفقه فوائد كثيرة، ثرّة وغزيرة، منها:
1- اغتنام الأوقات فيما هو أولى وأحرى:
فإنّ المسلم قد يشتَغِل بعمل ظاهره أنّه صالح ويؤجر عليه، ولكنّه يفوّت على نفسه ما هو أهمّ وأعظم.
وفي طيّات هذا الكلام رسالة إلى من يصرف وقته فيما لا طائل تحته أو في معصية الله تعالى. وقد كان سلف الأمّة حريصين كلّ الحرص على معرفة أعظم الطّاعات حتّى يُكثِروا من الحسنات وتكفير السيّئات.
فقد روى مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ.
وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.
وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ.
فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه، وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ..الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا.
2- معرفة أيّ الطّاعات أولى بتركها حال التّزاحم:
فكثير من النّاس يترك ما هو قادر عليه ويسعى لما لا يقدر عليه، فيضيع جهده في تكلّف المفقود، فيضيّع بذلك ما هو موجود.
بل عليه أن يبدأ بالاشتغال بما فرض الله عليه، وليس من الحكمة في شيء أن يشتغل بالنّفل ويقعدَ عن الفرض، فيكون كمن بنى قصرا ليهدم مصرا !
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ )).
ومن المضحِكات المبكيات، ما ذكره بعضهم، أنّه أُتِي بزانٍ عند القاضي، زنى بامرأة فحملت منه، فقال له القاضي: أما تستحي ؟! أما كان بإمكانك أن تعزل ؟ فقال الجاني: لقد سمعت أنّ العزل مكروه !
3- تكمن فائدة ذلك أيضا في الدّعوة إلى الله والتدرّج في تبليغ النّاس الأهمّ فالمهمّ.
وهي سنّة من سنن الله في التّشريع، روى البخاري عن عائشة قالت: إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا.
ومنه كان مذهب أهل السنّة في الدّعوة إلى الله هو البدء بالدّعوة إلى التّوحيد، ثمّ أركان الإسلام، وهكذا.
وأصلهم في ذلك ما رواه البخاري ومسلم: لمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث معاذاً إلى اليمن رسولاً منه إليهم قال له:
(( إِنَّكَ تَقْدِمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ؛ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ )).
فأوّل واجب على المكلف أن يفرد الله تعالى بالعبادة، ويوحّده بها؛ لأنه المستحقّ لذلك سبحانه، وإن معرفة الله في قلب كل عاقلٍ مستقرّة، والواجب إنما إفراده سبحانه بما يستحقّه من العبادة.
ثم يأمرهم بعد ذلك أن يقيموا عمود الإسلام، الذي لا يتصور قيام الإسلام دونه، وهو الصلاة، قال صلّى الله عليه وسلّم: (( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ: تَرْكُ الصَّلاَةِ )). وهكذا يسير على هذا السّبيل الأمثل، والطّريق الأكمل.
4- تقديم الأنفع في تعليم النّاس.
قال البخاري في " صحيحه ": وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }: حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.
وهنا تكمن القوّة في ترشيد الصّحوة الإسلاميّة، وترك هذا الأصل يصيبها بالخَوَر والضّياع، ذلك لأنّ كثيرا من الشّباب ربّما رأيته بمجرّد اهتدائه إلى الصّراط المستقيم، رأيته يشتغل بما لا يعنيه، أو بما يشقّ عليه، ثمّ يكون في آخر المطاف إمّا أن يقوده الشّيطان إلى الإفراط أو التّفريط.
وقد ذكر رحمه الله عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال:" حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلّى الله عليه وسلّم".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ومثله قول ابن مسعود رضي الله عنه: ( مَا أَنْتَ مُحَدِّثاً قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً ).
قال رحمه الله:" وممّن كره التّحديث ببعض دون بعض:
أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السّلطان.
ومالك في أحاديث الصّفات.
وأبو يوسف في الغرائب ... وعن الحسن أنّه أنكر تحديث أنس للحجّاج بقصّة العرنيّين، لأنّه اتّخذها وسيلةً إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدّماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوّي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم " اهـ.
5- تقديم الأشدّ في باب الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر.
فمراعاة المصالح مقصد من مقاصد الشّرع، ومع ذلك فقد قرّر العلماء أنّ درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
وفي صحيح مسلم قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشةَ رضي الله عنها: (( لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالجَاهِلِيَّةِ لَنَقَضْتُ الكَعْبَةَ، وَلأَلْصَقْتُهَا بِالأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَاباً يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَاباً يَخْرُجُونَ مِنْهُ )).
فبناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام من أعظم المصالح، ولكنْ لمّا كان ذلك ربّما جرّ على الأمّة مفسدة عظيمة، رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمّا همّ به.
6- تقديم الأولى في مقام طلب العلم.
فإن كان قبل سنّ التّكليف، فأحسن ما يشتغل به هو حفظ كلام الله تعالى ومتون العلوم.
أمّا إن كان مكلّفا، فإنّه يشتغل بتعلّم ما فرضه الله عليه من التّوحيد والإيمان الصّحيح.
ثمّ ما يجب عليه خلال يومه وليلته.
ثمّ ما يجب عليه بحسَب حاله، ثمّ يشرع في حفظ كلام الله تعالى، ثمّ يبدأ بإتقان كلام العرب، ثمّ يدرس أصول كلّ فنّ، ولا ينبغي له الاشتغال بتفاصيل علم قبل أن يُكمل مشواره في إتقان أصول العلوم، فقد قال العلماء: لا تخصّص إلاّ بعد إلمام.
7- تقديم العمل المتعدي على العمل القاصر.
أو قل: تقديم الأكثر نفعاً على غيره، وفي صحيح البخاري قال صلّى الله عليه وسلّم: (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )).
وفي الصّحيحين قال صلّى الله عليه وسلّم عمّن أفطر وخدم الصّائمين وقام على شؤونهم: (( ذَهَبَ المُفْطِرُونَ بِالأَجْرِ )).
وفي المسند قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ؟ إِصْلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ )).
وغير ذلك من الأمور المهمّة، والأمثلة كثيرة جدّا، إنّما أتينا على أهمّها، والله الموفّق لا ربّ سواه.
سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.