الاثنين 26 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 06 ماي 2013 05:42

220- ضابط وجوب متابعة الإمام في الصّلاة ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

نصّ السّؤال:

السّلام عليكم و رحمة الله ... هل تجب متابعة الإمام في الصّلاة في كلّ شيء، وإن خالف السنّة في بعض هيئاتها ؟

فقد صلّينا خلف إمام لا يجلس جلسة الاستراحة فتابعته على ذلك، وأنكر عليّ أحد الإخوة متابعتي له، فما القول الصّحيح في المسألة مع شيء من التّفصيل ؟

أحسن الله إليكم.

نصّ الجواب: 

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ متابعة الإمام في الصّلاة من واجبات الصّلاة ولكنّ ذلك منوطٌ بأمرين اثنين:

- الأوّل: في الأمور الظّاهرة: فلا تجب متابعته في الأمور الفرعيّة الخفيّة، كتحريك الأصبع أو عدمه، وصيغة التشهّد، وكيفيّة القبض، وغير ذلك.

- الثّاني: عدم مخالفة السنّة. فإنّه إن خالف السنّة في صلاته فلا تجب متابعته على القول الصّحيح من أقوال أهل العلم إن شاء الله.

ذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صَلُّوا كَماَ رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) [رواه البخاري].

فإن استدلّ من يقول بوجوب المتابعة مطلقا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّماَ جُعِلَ الإِماَمُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تُخاَلِفُوهُ ))، فإنّه يقال له حينئذ:

من المقرّر في علم الأصول أنّه ( إذا تعارض في الظّاهر نصّان عامّان فإنّه ينظر أيّهما خصّ مرّة واحدة فيخصّص مرّة أخرى بالنصّ الآخر ).

فظاهر الحديث (( إِنَّماَ جُعِلَ الإِماَمُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تُخاَلِفُوهُ )) أنّه عامّ في وجوب متابعة الإمام ولو خالف سنّة أو ترك واجبا.

وظاهر الحديث (( صَلُّوا كَماَ رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) أنّه عامّ في وجوب الصّلاة كما صلاّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو كان مقتديا.

ففريق قال: تجب متابعة الإمام، وأخذوا بعموم الأمر بمتابعة الإمام.

وفريق آخر قال: لا تجب متابعته لمخالفته لصلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأخذوا بعموم الأمر بمتابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

والرّاجح - والله أعلم - هو العمل بالحديث الثّاني؛ لأنّه لم يأت ما يخصّصه، فيبقى على عمومه، بخلاف الحديث الأوّل، فقد جاء ما يخصّصه، وهو أنّه صلّى الله عليه وسلّم صلّى آخر حياته جالسا والنّاس من ورائه قياما. فيكون معنى الحديث: إنّما جُعِلَ الإمام ليؤتمّ به فلا تخالفوه إلاّ إذا لم يصلّ كما رأيتموني أصلّي فخالفوه.

ومثال آخر يقرّب إليك هذه القاعدة:

هناك أحاديث كثيرة جاءت ترهّب من ترك الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذكره، كالحديث الّذي أخرجه التّرمذي والإمام أحمد عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( البَخِيلُ مَن ذُكِرتُ عِندَهُ ثُمَّ لَم يُصَلِّ عَلَيَّ )).

فهذا عامّ في كلّ وقت.

ولكن عارضه في الظّاهر أحاديث كثيرة أيضاً تأمر بالإنصات أثناء الخطبة، والإنصات هو الاستماع مع الانتهاء عن الكلام، فهذه الأحاديث عامّة في كلّ كلام.

فهل يُعمل بعموم النهي عن الكلام، فيقال لا تشرع الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الوقت ؟

أو يعمل بحديث الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيقال: لا كلام أثناء الخطبة إلاّ للصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ؟

فالصّواب هو تخصيص عموم النّهي عن الكلام بجواز الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والإمام يخطب، بدليل أنّ الأمر بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم لم يأتِ نصّ يخصّصه، بخلاف النّهي عن الكلام والإمام يخطب، فقد جاء ما يخصّصه، مثل التحدّث إلى الإمام نفسه، كقصّة الأعرابي الّذي استسقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب. [رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه].

تنبيهان:

الأوّل: ليس لأحدٍ أن يُنكر على غيره إن ترك جلسة الاستراحة في الصّلاة؛ لأنّها باتّفاق أهل العلم من المستحبّات، وليست من الواجبات.

الثّاني: إذا صلّيت خلف من لا يجلس جلسة الاستراحة فلك أن تُتابِعه على ذلك، ولك أن تجلس بشرط ألاّ تتخلّف عنه طويلاً حتّى يشرع في القراءة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (2/189) عن جلسة الاستراحة:

" ومن فعلها لم ينكر عليه، وإن كان مأموما؛ لكون التأخّر بمقدار ما ليس هو من التخلّف المنهيّ عنه عند من يقول باستحبابها ... والمبادرة إلى موافقة الإمام فإنّ ذلك أولى من التخلّف، لكنّه يسير، فصار مثلَ ما إذا قام من التشهّد الأوّل قبل أن يُكمِله المأموم، والمأموم يرى أنّه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء، هل يسلم أو يتمه ؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد، والأقوى أنّ متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحبّ "اهـ.

والله تعالى أعلم.

أخر تعديل في الاثنين 26 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 06 ماي 2013 15:01
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي