الأحد 06 جمادى الثانية 1435 هـ الموافق لـ: 06 أفريل 2014 12:49

233- هل الصّور المحرّمة هي التّماثيل فقط ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

نصّ السّؤال:

السّلام عليكم ورحمة الله ... فقد سمعت أحد المفتين يجزم بأنّ النّصوص الّتي تحرّم الصّور إنّما تُحمل على التّماثيل فقط؛ واستدلّ على قوله ذاك بأنّه لم يكُن في عهده صلّى الله عليه وسلّم غير ذلك النّوع من التّصاوير.

فما الصّواب في ذلك جزاكم الله خيرا.

نصّ الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أمّا بعد:

فالتّماثيل - ويعبّر عنها بالصّور الّتي لها ظلّ - قد أجمع الفقهاء على تحريم صنعها، وممّن حكى الإجماع الإمام ابن العربيّ المالكي رحمه الله كما في " الفتح " (10/391) و" شرح الزّرقاني " على " الموطّأ " (4/469).

أمّا غير التّماثيل - ويعبّر عنها بالصّور الّتي لا ظلّ لها - كالمرسومة على الورق والمنقوشة على الجدران أو البسط وغيرها، فقد اختلف العلماء في تحريمها، على ثلاثة أقوال.

فلعلّ من سمعته يفتي بجوازها يذهب مذهب المجيزين.

ولكنّ الصّواب - والله أعلم - هو التّحريم، وهو مذهب الحنفيّة كما في " البحر الرّائق " (2/27) و" حاشية ابن عابدين " (1/435)، والصّحيح من مذهب الحنابلة كما في " المغني " (2/308) و"الإنصاف" (1/473).

ولقد أخطأ حينما ظنّ أنّه لم يكن في عهده صلّى الله عليه وسلّم سوى التّماثيل المصنوعة من الحجارة ونحوها.

والأدلّة على ذلك ما يلي:

1- ما جاء في الصّحيحين عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم هَتَكَهُ، وقالَ:

(( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ )).

( القِرام ): ستر فيه رقم ونقوش.

و( السّهوة ): بيت صغير منحدر في الأرض قليلا يشبه الخزانة الصّغيرة يوضع فيها المتاع كما في "النّهاية " و" لسان العرب ".

ومعنى التّماثيل في هذا الحديث التّصاوير المرسومة - كما لا يخفى - إذ لا يُعقل أن تعلّق التّماثيل المصنوعة من طين أو خشب ونحوهما بالسّتر !  

2- وفيهما أيضا عن عائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً - وهي الوسادة الّتي يُجلس عليها - فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلّى الله عليه وسلّم، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟)).

قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ )) وَقَالَ: (( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ )).

وهذا الحديث كذلك يدلّ على أنّ المقصود بالصّور هي الّتي ترسم، لا التّماثيل المعروفة.

3- وفيهما أيضا عنها قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ، فَنَزَعْتُهُ.

( الدُّرنوك ) - ويقال أيضا: الدّرموك -: هو في الأصل ثوب غليظ وقد يُبسط مرّة فيسمّى بساطا، وقد يعلّق مرّة فيسمّى سترا.

فهذه نصوص تدلّ على:

أ) أنّ المراد بالتّصاوير المحرّمة هي صور ذوات الأرواح المرسومة على الأوراق والأقمشة ونحوها.

ب) أنّ هذا النّوع من التّصاوير كان معروفا في زمانه صلّى الله عليه وسلّم.

والله تعالى أعلم.

أخر تعديل في الأحد 06 جمادى الثانية 1435 هـ الموافق لـ: 06 أفريل 2014 12:53
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي