التّعريف بالمسألة:
يرى بعض أهل العلم أنّ العرب تُدخِل الواو بعد العدد ( سبعة )، إشارة إلى تمام العدد، قالوا: إنّ ( السّبعة ) عند العرب هي العقد التامّ، فيأتون بحرف العطف الدالّ على المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فيقولون: " ستّة، سبعة، وثمانية "، فيزيدون الواو إذا بلغوا الثّمانية، إشعارا بأنّ السّبعة عندهم عدد كامل.
[انظر: " الجنى الدّاني "، و" مغني اللّبيب"، و" البرهان في علوم القرآن " (3/189) و(4/438)، و" تفسير القرطبي " (8/271، 272)، و(10/382)، و(15/285)، و" البحر المحيط " عند تفسيره لآية الكهف، و" فتح القدير " عند تفسيره لآية الكهف والزّمر].
من أشهر القائلين بها:
- ابن خالويه (تـ: 370 هـ): على ما ذكره ابن هشام وابن أمّ قاسم والزّركشي، وربّما كان أوّل من قال بها، فعلى حدّ علمي القاصر لم أعثر على قائل بها قبله، وتبعه على ذلك أبو اللّيث السّمرقندي (تـ:373 هـ).
جاء في " البرهان في علوم القرآن " للزّركشيّ رحمه الله (3/189) ما نصّه:
" حكي أنّه اجتمع أبو عليّ الفارسي مع أبي عبد الله الحسين ابن خالويه في مجلس سيف الدّولة، فسئل ابن خالويه عن قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } فقال في النّار بغير واو، وفي الجنّة بالواو ؟ فقال ابن خالويه: هذه الواو تسمّى واو الثمانية، لأنّ العرب لا تعطف الثّمانية إلاّ بالواو ..."، ثمّ ذكر رحمه الله ردَّ الفارسيّ عليه، وسنذكره إن شاء الله بعد حين.
- أبو منصور الثعالبي (تـ:429 هـ) قال في " فقه اللّغة " وهو يعدّد معاني الواو:
" ومنها واو الثمانية، كقولك: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية وفي القرآن: { سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبهُمْ،وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }، وكما قال تعالى في ذكر جهنّم: { حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } بلا واو، لأنّ أبوابها سبعة، ولمّا ذكر الجنّة قال: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا }، فألحق بها الواو لأن أبوابها ثمانية، وواو الثمانية مستعملة في كلام العرب ".
- الحريري (تـ:516 هـ) قال في " درّة الغوّاص ":
" ومن خصائص لغة العرب إلحاق الواو في الثامن من العدد كما جاء في القرآن:{ التاَّئبِوُنَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الراَّكعُونَ السَّاجِدُونَ الآمرُونَ باِلمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ } وكما قال سبحانه: { سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }، ومن ذلك أنّه - جلّ اسمه - لمّا ذكر أبوابَ جهنّم ذكرها بغير واو، لأنّها سبعة، فقال:{ حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }، ولما ذكر أبواب الجنّة ألحق بها الواو لكونها ثمانية فقال سبحانه: { حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وتسمّى هذه الواو: واو الثمانية " اهـ.
- الفيروز آبادي (تـ:817 هـ): قال وهو يعدّد معاني الواو في " القاموس المحيط ":
" التاسع: واو الثمانية، يقال: ستة سبعة وثمانية، ومنه:{ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }.
- مرتضى الزّبيدي (تـ: 1205 هـ) قال في " تاج العروس " وهو يعدّد معاني الواو كذلك:
" التّاسع: واو الثّمانية، يقال: ستّة سبعة وثمانية، منه قوله تعالى:{ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } ..."اهـ.
النّافون لها:
جمهور أهل اللّغة وعلماءِ التّفسير على عدم اعتبار واو الثّمانية، وهم صنفان:
- صنفٌ: لم يعرّج على ذكرها أصلا، وهم المتقدّمون أمثال الخليل، وسيبويه، ويونس، والكسائي، وتلامذتهم.
- وصنف: ردّ على القائلين بها، فمقلّ ومستكثر، ومن أبرز من أطال في ردّ هذا الرّأي ابن هشام الأنصاريّ رحمه الله حيث قال في " مغني اللّبيب " وهو يردّ قول من قال إنّ الواو تأتي بمعنى (أو):
" وأبلغ من هذه المقالة في الفساد قولُ مَنْ أثبت واو الثمانية، وجعل منها { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلبُهُمْ }، وقد مضى في باب الواو أنّ ذلك لا حقيقة له ..".
كما أنّ ابن القيّم رحمه الله عقد فصلا ممتعا يبيّن فيه فساد هذا القول نذكر طرفا منه لاحقا إن شاء الله.
وقال ابن كثير في تفسيره لآية الزّمر:" ومن زعم أن الواو في قوله:{ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } واو الثمانية، واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية، فقد أبعد النّجْعَة وأغرق في النزع. وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة ".
لذلك لن ننقل أقوال النّافين لها لكثرتهم، ولكنّنا نعقد فصلا مهمّا في توجيه النّصوص الّتي استدلّ بها القائلون بواو الثّمانية.
( فصل ) في توجيه النّصوص الّتي استدلّ بها القائلون بواو الثّمانية:
النصّ الأوّل: قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }.
لعلماء اللّغة النّافين لواو الثّمانية ثلاث توجيهات للواو في هذه الآية:
- التّوجيه الأوّل: أنّ الواو زائدة، وهو قول الكوفيّين.
[انظر: " الخصائص " لابن جنّي، و" اللّباب " للعكبريّ، و" حاشية الصبّان "، و" البحر المحيط " لأبي حيّان، وغيرها].
وممّن ذهب مذهب الكوفيّين ابن قتيبة الدّينوري في " المعاني الكبير "، والرّازي في " مختار الصحاح "حيث قال:" وقد تكون زائدةً كقولهم: رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ، وقوله تعالى:{ حَتَّى إذا جاءوها وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها } يَجُوز أَنْ تكون الواو فيه زائدة ".
وقال خالد بن عبد الله الأزهري في " موصل الطّلاّب ": " وإنّ لنا واوا يكون دخولها في الكلام كخروجها وهي الواو الزائدة، وتسمّى في القرآن صلة، نحو قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }، ففتحت جواب إذا، والواو صلة، جيء بها لتوكيد المعنى بدليل الآية الأخرى قبلها، وهي: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } بغير واو، وقيل ليست زائدة و إنها عاطفة والجواب محذوف، والتّقدير: كان كيت وكيت، قاله الزمخشري والبيضاوي ".
والحقّ، أنّ القول بزيادة الواو ضعيف، لأنّه خلاف الأصل، وسيأتي بيان معناها.
- التّوجيه الثّاني: أنّها عاطفة، وجواب ( إذا ) الشّرطيّة محذوف، والتّقدير:{ حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لرأوا شيئاً عظيماً جدّاً تعجز عباراتهم عن وصفه.
وهو مذهب الشّيخين الخليل وتلميذه سيبويه.
قال سيبويه في " الكتاب ": " وسألت الخليل عن قوله جلَّ ذكره: { حَتََّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }، أين جوابها ؟ وعن قوله جلّ وعلا: { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ}، { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ } ؟ فقال: إنّ العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبَر لأيِّ شيء وضع هذا الكلام ".
وقال أبو على الفارسي: " قال أبو العباس: حذف الجواب في مثل هذا الموضع أفخم؛ لأن المخاطب يتوهم كلَّ شيء، فإذا ذُكر شيءٌ بعينه حضره فهمُه ".
[انظر:" النّظرية السياقية الحديثة عند علماء العربيّة " للدّكتور: محمد سالم صالح].
وقال ابن الأنباري في " الإنصاف ": " وأمّا الجواب عن كلمات الكوفيّين:
أمّا احتجاجهم بقوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }، فنقول: هذه الآية لا حجّة لكم فيها، لأنّ الواو في قوله: { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } عاطفة، وليست زائدة، وأمّا جواب ( إذا ) فمحذوف، والتّقدير فيه: حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فازوا ونعموا.
وكذلك قوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ ..} الواو فيه عاطفة وليست زائدة، والجواب محذوف، والتّقدير فيه: حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قالوا: يا ويلنا، فحذف القول، وقيل: جوابها:{ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ }...".
وقال ابن جنّي في " الخصائص ": " ومن ذلك ما يدّعيه الكوفيون من زيادة واو العطف؛ نحو قول الله عز وجلّ:{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } قالوا: هنا زائدة مخرجة عن العطف. والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها. وزيادة الواو أمر لا يثبته البصريون. لكنّه عندنا على حذف الجواب، أي: حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صدقوا وعدهم، وطابت نفوسهم، ونحو ذلك مما يقال في مثل هذا ".
وهذا الرأي هو قول أبي عبيدة في " مجاز القرآن "، والزجّاج في " إعراب القرآن "، والمبرّد في " المقتضب "، وابن فارس في " الصّاحبي "، والأمير ابن سنان الخفاجي في " سرّ الفصاحة "، وعبد القادر البغدادي في " خزانة الأدب "، والمرزوقي في " شرح ديوان الحماسة "، وابن أُمّ قَاسِم المرادي في " الجنى الدّاني في حروف المعاني " .
واختاره الزّمخشريّ والبيضاوي والزّركشي والسّيوطي في " الإتقان " تحت باب الإيجاز والإطناب، وكثيرون.
- التّوجيه الثّالث: أنّها واو الحال:
أي: جاءوها وقد فتحت أبوابها، فدخلت الواو لبيان أنها كانت مفتّحة قبل مجيئهم، وحذفت في الآية الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، قاله البغوي.
وهو قول الفارسيّ، حيث إنّه لمّا قال ابن خالويه بواو الثّمانية في مجلس سيف الدّولة، نظر سيف الدّولة إلى أبي عليّ الفارسيّ، وقال: أحقٌّ هذا ؟ فقال أبو عليّ: لا أقول كما قال، إنّما تُرِكت الواو في النّار لأنّها مغلقة، وكان مجيئهم شرطا في فتحها، وأمّا قوله في الجنّة فهذه واو الحال، كأنّه قال: جاءوها وهي مفتّحة الأبواب، أو هذه حالها.
حكاه الزّركشي في " البرهان " وقال:" وهذا الّذي قاله أبو عليّ هو الصّواب، ويشهد له أمران: أحدهما أنّ العادة مطّردة شاهدة في إهانة المعذّبين بالسّجون من إغلاقها حتّى يرِدُوا عليها، وإكرام المنعّمين بإعداد فتح الأبواب لهم مبادرة واهتماما " اهـ.
وقال أبو البقاء الكفوميّ في " الكلّيات ":
" وقد تستعار الواو للحال بجامع الاشتراك بينهما في الجمعية لأن الحال تجامع ذا الحال لأنها صفته في الحقيقة كما في قوله تعالى { حتى إذا جَاءُوها وفُتِحَتْ أَبْوابُها } أي حال ما تكون أبوابها مفتوحة لأنه تعالى في بيان الإكرام لأهل الإسلام، ومن إكرام الضيف أن يكون الباب مفتوحاً حال وصوله إلى باب الضيف فيحمل على الحال لإفادة هذا المعنى، يؤيده قوله تعالى { جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحة ً لهمُ الأبْواب }، ولهذا قال في حق الكفار بدون الواو، لأن تأخير فتح باب العذاب أليق بكرم الكريم، ومن هذا أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها، وأبواب الجنة مفتوحة قبل الوصول إليها ".
الحاصل: إنّ النّحاة الأوائل كالخليل وسيبويه والمبرّد وابن قتيبة ومن لحقهم كالفارسيّ وابن جنّي وغيرهم حين تطرّقوا لآية الزّمر لم يشيروا إلاّ إلى قولين اثنين: أن تكون الواو للحال، أو الاستئناف، والكوفيّون ذهبوا إلى زيادتها، فمن قال إنّها واو الثّمانية فإنّه زيادة على أنّه فسّر القرآن على غير وجهه، فإنّه يكون قد أتى بشيء لم يُنقل عن الأوائل.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.
( يتبع إن شاء الله )