1- إيّاك والغفلةَ عن الصّلاة !
أيّها المسلم .. لقد قصدتَ الشّاطئ من أجل النّزهة وقضاء العُطلة، وليس من معنى العطلة أن تُعطِّل نفسَك عن عبادة الله! فتؤخّرَ الصّلاة عن وقتِها أو تتركَها، قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}.
وهذا الوعيد في حقّ من تهاون بها فأخرجها عن وقتها، فكيف يكون حال من لا يؤدّيها أصلا ؟!
2- ماء البحر طهور.
واعلم أنّ ماء البحر صالِح للطّهارة؛ قال النّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في البحر: (( هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ )) [رواه أهل السّنن].
ولا يُستثْنَى من هذا إلاّ الشّواطئ الّتي تُصبّ فيها النّجاسات، فتغيّر لونَ الماء أو طعمَه أو رائحتَه، فهذا لا يجوز استعمالُه في الطّهارة، ولا شُربُه، ولا السّباحة فيه.
3- أجِب نداءَ صلاة الجماعة.
وإذا كان المسجد قريبا، ولم يكن هناك ما يمنع من الالتحاق به، فإجابة النّداء واجبة.
وإذا كان المسجد بعيدا عن الشّاطئ، فالواجب أداءُ الصّلاة جماعةً، وأقلُّ الجماعة اثنان، فعن مالكِ بْنِ الحُويرِث قال: أَتَى رَجلانِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يريدان السَّفَر، فقال النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لْيَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا )) [متفق عليه].
ولا ينبغي الاستهانة بالجماعة؛ فإنّ في أداء الصّلاة جماعةً إظهاراً لأعظمِ شعائر الدّين.
4- رخصة القَصْر.
وإذا كُنْت مسافرا، فإنّه يُشرَع لك القصْرُ ولو كنت في سفرِ نزهة؛ لأنّ علّة ثُبوت الرّخصة هي السّفر لا المشقّة، والسّفر في حدّ ذاته مشقّةٌ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ )) [متفق عليه].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فُرِضَت الصَّلاةُ ركعتين ركعتين في الحضر والسّفر، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفر، وزِيدَ في صلاةِ الحضَر )) [متفق عليه].
5- لا تتساهلْ في الجمعِ بين الصّلاتين.
وليس الجمع بين الصّلاتين من رُخَص السّفر المطلقة، ولكنّها رخصةٌ متعلِّقَة بالحرج، وقد جمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الصّلاتين في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل ابن عبّاس رضي الله عنهما: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ فقال: (( أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَداً مِنْ أُمَّتِهِ )) [رواه مسلم].
وروى ابن عبّاس أنّ النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم جَمَع بين الصّلاة في سَفْرَةٍ سافرَها في غَزْوةِ تبوك، فسُئِل ابنُ عبَّاس: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ؟ قال: (( أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ )) [رواه مسلم].
فعلّق الجمعَ في الحالين برفعِ الحرج، وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله.
6- إذا صلّيْتَ خلف مقيمٍ فأَتِمَّ الصّلاة.
ولا ينبغي للمسافرِ إذا صلّى خلف المقيمِ أن يَقْصُرَ، بل عليه أن يُتِمَّ؛ لأنّ متابعةَ الإمامِ واجبةٌ، وقصْرُ الرّباعيّة سنّة.
ولأنّ الصّحابة رضي الله عنهم أتَمُّوا خلف عثمان رضي الله عنه بِمِنًى لمّا أتَمَّ صلاتَه.
وقد روى أحمدُ أنّه قيل لابن عبّاس رضي الله عنه: إنَّا إذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَ:" تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ".
وأصلُه في صحيح مسلم بلفظ: قُلْت لابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: كَيْفَ أُصَلِّي إذَا كُنْت بِمَكَّةَ إذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ:" رَكْعَتَيْنِ، سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ".
وبهذا قال جمهور العلماء.
7- الصّلاة مكشوفَ الظّهر، والصّدر.
ولا ينبغِي للرّجل أن يُصَلِّي كاشفاً عن أعلى جسمه، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ )) [متفق عليه].
وهذا النّهي محمولٌ على الكراهة عند جمهور العلماء، والله تعالى لم يأمرْنا في الصّلاة بسترِ العورة فحسْب، بل أمرنا بأخذ الزّينة كذلك؛ فقال:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31].
مسائل اللّباس، والعورة.
1- وجوب ستر العورة.
وحَدُّ عورةِ الرّجل الواجبِ سترُها: ما بين السرّة والرّكبة؛ لقول النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لِجَرْهَدٍ رضي الله عنه: (( غَطِّ فَخِذَكَ؛ فَإِنَّ الفَخِذَ عَوْرَةٌ )) [أبو داود والتّرمذي]، فمن أظهر شيئا من ذلك فهو آثم.
ومن الأخلاق الحميدة أيضا سترُ أعلى الجسم: الظّهر والصّدر، وقد ثبت في الطبّ ( وبالتّجارب ) أنّ طُول التعرّض لأشعّة الشّمس مُضِرٌّ بالصحّة.
2- لا تتساهل مع الصّغار في ستر العورة.
لا ينبغي للآباء أن يتهاونوا بتربيةِ أبنائِهم على الالتزام بالشّرع، خاصّةً في الأمور الّتي تُكْتَسَبُ بالإِلْف والعادة، كاللّباس، والآداب عموما.
والطّفلُ الّذي بدأ يميّز، لا بدّ أن يُربَّى على الحياء، والحشمة، وستر عورته قبل البلوغ والتّكليف، والرّسول صلّى الله عليه وآله وسلم قد قال: (( وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي بَيْتِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) [متفق عليه].
3- اجتنب الشّواطئ الّتي تُكشَف فيها العورات !
لا يجوز للمسلم أن يقصِد الشَّواطئ الّتي يُعْصى فيها الله تعالى، سواءٌ بكشْفِ العوارات، أو بالغناء، أو شرب الخمور، أو غير ذلك.
قال الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال سبحانه في صفة المؤمنين:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان: 72].
هذا من حيث العموم، وأمّا خصوص النّظر إلى العورة فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: (( لاَ يَنْظُرْ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلاَ تَنْظُرْ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ )) [رواه التّرمذي وصحّحه].
4- ولا تنْسَ تغيير المنكر !
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ: بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ )) [رواه مسلم].
فعلى المؤمن أن ينصحَ، وأن يُبيِّن بلسانه، وأن يغيِّر المنكر بيده إن استطاع ولم تحدُثْ مفسدة، ومن لم يقدر على تغييرِ المنكر وجب عليه تغييرُ المكان، وهذا هو معنى التّغيير بالقلب، وأمّا البقاء حيثُ المنكرُ فيُعَدُّ رضاً به، لا تغييرا له.
مسائل اللّهو واللّعب.
1- لا بأس باللّعب، واللّهو المباح.
ليس في اللّعب والتّرويحِ على النّفس حرجٌ من حيث الجملة؛ فقد كان النّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَمْزَحُ، وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا.
وكان صلّى الله عليه وسلّم يُسابِقُ عائشةَ رضي الله عنها، وكان الحبشة يلعبون في المسجد بالرّماح.
وعن عليّ رضي الله عنه قال:" رَوِّحُوا القُلُوبَ، وَابْتَغُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ ".
لكن ينبغي أن نتنبّه إلى أنّه ثَمّة حدودٌ لا يجوز تجاوزُها، وضوابطُ ينبغي التزامها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها.
2- احْذَر اللَّهوَ المحرّم !
من أهمّ الضّوابط: أن لا تكون اللُّعبةُ محرّمة، كالنّرد [Le dé]؛ لقول النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( مَنْ لَعِبَ النَّرْدَشِيرَ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ )) [رواه مسلم].
والمعنى: أنّه بمنزلة من غمس يدَه فيه يهيِّئُه للأكل.
ومثلُه لعب الوَرَق؛ لأنّه يعتمد على الحظّ والمصادفة، ولأنّه من اللُّعَب الّتي تستعمل في القمار غالبا، إضافة إلى خُلُوِّه عن الفائدة، وبتحريمه أفتى كثير من العلماء المعاصرين.
3- اجتنب القمار.
وإذا كانت اللّعبة مباحةً، فلا بدّ من خُلُوِّها عن القمار؛ لأنّ القمار في حدّ ذاته محرّم بنصّ القرآن واتّفاق علماء الأمّة.
ومنه، فأنواع الرّياضات المباحة إذا دخلها القمار أصبحت محرّمة بلا شكّ.
ولا بدّ من خلوّها عن الجوائز، إلاّ:
أ) أن تكون مسابقةً فيما فيه تقويةُ البدن لجهاد الأعداء.
ب) أو مسابقةً علميّةً شرعيّة؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم: (( لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ )) [رواه أهل السّنن، وصحّحه ابن حبان].
والسَّبَقُ - بفتح الباء -: ما يُجعل للسّابق على سبقه من جُعْلٍ وجائزةٍ، فلا يُستحَقّ إلاّ في سباق الخيل والإبل والرّمي.
ويلحق بها ما سبق ذكرُه، وأمّا غيرُها من الرّياضات، والمنافسات الّتي ليس فيها معنى النِّزَال والإعداد للجهاد، فلا يجوز جعل الجوائز عليها.
4- إيّاك والسّخريةَ.
ومن اللّهو المحرّم أن يتعدّى المِزاحُ حدودَه إلى السّخرية، وما يُوَلِّد العداوةَ والشّحناء بين المسلمين، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات: 11].
5- لا تُرَوِّعْ المسلمين.
إنّ ترويعَ المسلم ممنوعٌ شرعا، وهو من طُرُق إشعال نيران الفتن والعداوة بين الإخوان.
وقد ثبت عن بعض الصّحابة رضي الله عنهم أنّهم كانوا يسيرون مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبْلٍ معه، فأخذه، ففَزِع، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً )) [أبو داود وصحّحه الألباني].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِباً وَلاَ جَادًّا )) [رواه التّرمذي وحسّنه الألباني].
6- حكم الإشارة بالحديد.
ومن آداب اللّعب: اجتنابُ الإشارة بالحديد والسّلاح إلى المؤمن، وهذا العمل من كبائر الذّنوب؛ لما ورد فيه من الوعيد الشّديد، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ )) [متفق عليه].
أي لعلّه يُصيب أخاه بمكروه فيأثَمَ بذلك.
وقال صلّى الله عليه وآله وسلم: (( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ [رواه مسلم].
وكلّ ما سُمّي سلاحا، أو دخل في مسمّى الحديدة الّتي تُلحِق الأذى مُنِعت الإشارة به.
7- لا تغامر بحياتك !
عليك أن تحذر من المغامرة والرّياء بالابتعاد كثيرا عن الشّاطئ، فإنّك إن مُتَّ كنت قاتلا لنفسك، قال تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
ولا تحسبنّ أنّ عدَّ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الغريقَ شهيداً يعمُّك في هذه الحال؛ لأنّ الحكم بالشّهادة هو حكمٌ بحسْن الخاتمة، ومن مات عاصياً لله تعالى كاشفاً عورتَه، أو مضيِّعاً لصلاتِه، أو كان في شاطئ تقصده النّساء، وتُشرَب فيه الخمور، وتُنتَهك فيه الحرمات؛ لا يمكن أن ينالَ هذا الأجرَ العظيم، وكذلك المغامر الّذي يرائي النّاس.
8- لا تكن من المسرفين.
وتذكّر - يا عبد الله - أنّ التّبذيرَ حرامٌ، والإسرافَ ممنوع، قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]. فاقتصد في الطّعام، والشّراب، واستعمِلْ مالَك فيما ينفعُك في دنياك وآخرتك.
9- حافظ على نظافة المكان.
آخرُ شيء نوصي به: المحافظة على نظافة الشّواطئ؛ فإنّ الحفاظ على نظافة المكان من علامة الإيمان، وقد قال النّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )) [متفق عليه].
اقرأها، وأعطها لمن يقرؤها، وكن من الدّعاة النّاصحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.