- شـرح:
هذا هو الفضل الخامس من فضائل الذّكر، وهو: أنّ الذّكر يسدّ أبواب كثير من العبادات، ويوصل إليها.
فالعبد الذّاكر أحد رجلين:
أ) إمّا عاجز عن الأعمال الأخرى:
فهذا معذور بلا شكّ، وإنّ له أجر نيّته للعمل الصّالح، وأجر الذّكر، كما سيأتي في فضل الذّكر دبر الصّلوات حيث قال فقراء الصّحابة: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ ...)) الحديث.
ب) وإمّا أن يكون مقصّرا، فأمّا الواجبات فلا يسدّها شيء، وأمّا التطوّع -وعليه يُحمل الحديث-، فلا شكّ أنّ الذّكر يسدّ أبوابها.
ونلحظ قوله صلّى الله عليه وسلّم آخر الحديث: (( فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ الله ))، فهو يأمر بالإكثار دائما.
ويحتمل الحديث معنى آخر، وهو أنّ من ابتُلِي بهذا التّقصير في الإنفاق، ومكابدة اللّيل، وعن الجهاد فليُكثر من ذكر الله تعالى، فإنّ الذّكر شفاء للقلب المريض، وحياة للقلب الميّت، وقوّة للأعضاء الكليلة، ويؤيّد ذلك أحاديث كثيرة سيذكرها المصنّف منها حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه مرفوعا وسيأتي: (( مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ )) فالذّكر حياة للقلب.
ومثل ذلك حديث فاطمة في سؤالها عبداً يخدمها، فأوصاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّسبيح والتّحميد والتّكبير، فهو يدلّ على أنّ الذّكر قوّة، لذلك أمر الله به عند ساعة القتال.
***
(11)-وعن جابرٍ رضي الله عنه رفعه إلى النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ العَذَابِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى )).
قِيلَ: وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ:
(( وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ )).
[رواه الطّبراني في "الصّغير"، و"الأوسط"، ورجالهما رجال الصّحيح].
وهذا قد سبق شرحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.