تفسير سورة الأنعام 33:
قال تعالى: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
- بعد أن ذكّرهم الله سبحانه بالتّرغيب وذكّرهم بنعمه عليهم أتى بالتّرهيب ويحذّرهم من نقمه، فالتّرغيب فيه مظهر من مظاهر الجمال، والتّرهيب فيه مظهر من مظاهر الجلال، والعبد يعبد الله تعالى بالمظهرين معًا.
- إنّ الله سبحانه يحذّرهم من الأمن من عذابه بعد إذ نجّاهم من ظلمات البرّ والبحر.
- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ :لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ فَقَالَ { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا }فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَيْسَرُ.
- (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) يعمّ كلّ ما ينزل من السّماء من عذاب: كالصّواعق، وما ينزل من الحجارة، وتعمّ الرّياح. والسّلف فسّروا هذه الآية بالرّجم بالحجارة من السّماء. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) يشمل كلّ عذاب كالطّوفان ونقص الثّمرات، وفسّر السّلف هذه الآية بالخسف.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما : العذاب الذي (هو) من فوق : أئمة السوء ، والذي من أسفل : خدمة السوء وسفلة الناس.
- (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) يُخلط بعضكم ببعض، أي فرقا، والله عزّ وجلّ يُنكر علينا ذلك: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا).ولا يقف الأمر عند التفرّق فحسب (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) البأس هو القتل والشّر.فيزول الأمن ويفسد أمر الأمّة. ولن تتقاتل الأمّة حتى يحدث التّفرق مما يدل على وجوب قطع التفرق. فالفرقة عذاب، فما يحدث في الأمّة من التفرّق هو حظّها من العذاب.
- عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
- عن أبي بردة رضي الله عنه قال : بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا ، فقال رجل ، من الأنصار قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : مما تعجب يا أبا بردة ؟ قلت : أعجب من قوم دينهم واحد ونبيهم واحد ودعوتهم واحدة وحجهم واحد وغزوهم واحد يستحل بعضهم قتل بعض ، قال : فلا تعجب فإني سمعت والدي ، أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب ، إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن »
- (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) أنزل الكلام منزلة الشيء المرئيّ، نغيّر لهم الآيات، أحيانا ترغيبا، وأحيانا ترهيبا، أحيانا ذكر أخبار من سبق، وأحيانا ذكر بعض مظاهر الشّرك، لعلهم يفقهون معنى توحيد الله تعالى. فهل فقهوا ؟
- (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ) قال تعالى (قَوْمُكَ) إثارة لمشاعر الأخوة والنّسب، فكيف تكذّبونه صلى الله عليه وسلم وهو من قومكم. (وَهُوَ الْحَقُّ) توكيد للخبر أنّ الله قادر على أن يبعث عليهم عذابا كما أخبر. (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي لا أملك لكم من الله شيئا.
- لمّا قال تعالى: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ) أي سيقع، كأنّ سائل سأل: فمتى؟ قال تعالى: (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) لكل خبر ذكره الله زمن يستقرّ فيه ويحصل فيه.
|