الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فإذا كان المسلم يُصلّي نافلة أو تحيّة المسجد، ثمّ أقيمت صلاة الفريضة، فلا يخلو ذلك من حالين:
أ) أن يكون بقي عليه اليسير، حيث يغلب على ظنّه أنّه سيُدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، لما يعلمه من أنّ الإمام سيسوّي الصّفوف ويُقيمها، فهذا لا بأس أن يُتمَّ صلاتَه.
ب) أمّا إن غلب على ظنّه أنّه لن يُدرك تكبيرةَ الإحرام، فالواجب على المسلم أن يقطعَ النّافلة ويدخلَ مع الإمام؛ لأنّه لا يجوز التخلّف عن الإمام.
روى مسلم عن أبِي هريرَةَ رضي الله عنه عن النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ )).
أمّا كيف يخرج من الصّلاة: بتسليمٍ، أم دونه ؟ فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
1- فالجمهور على أنّه يخرج بتسليم، لما رواه التّرمذي عن عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مِفْتاَحُ الصَّلاَةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ )).
فلا يحلّ الخروج من الصّلاة إلاّ لسبب شرعيّ، وبتسليم.
2- وذهب ابن حزم رحمه الله إلى أنّه يخرج منها بلا تسليم، لأمرين اثنين:
الأوّل: أنّ النّهي يقتضي الفساد.
الثّاني: أنّ (لا) في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ )) تفيد البطلان.
وعليه فهو كمن انتقض وضوءُه، فيخرج من صلاته بغير تسليم.
والصّواب - والله أعلم - هو مذهب الجمهور، أنّ النّهي للتّحريم لا للبطلان.
والقرينة: ما رواه البخاري عن عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ ابنِ بحينَةَ رضي الله عنه قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا وقد أقيمت الصّلاة يصلّي ركعتين، فلمّا انصرف رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لاَثَ بِه النّاسُ، وقال له رسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (( الصَّبْحَ أَرْبعاً ؟ الصُّبْحَ أَرْبَعاً ؟))، وفي رواية مسلم قال: (( يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا )).
ووجه الدّلالة: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتدَّ بالرّكعتين اللّتين صلاّهما ذلك الصّحابيّ، وعدّ ما صلاّه أربعا، ولو كانت باطلة ما عدّها.
والله تعالى أعلم.