الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فهذه الظّاهرة قد شاعت وذاعت في سنوات مضت بشيوع وذيوع كتب المستشرقين، وقلّدهم في ذلك من لقّبوا أنفسهم بالمفكّرين.
وترك كتابة الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند كتابة اسمه، والاكتفاء بالرّمز إليها بأحرف ظهر منذ أكثر من خمسة قرون.
فكانوا يرمزون إليها بـ( صليو )، أو (صلع)، أو (صلم)، حتّى جاء المستشرقون فكتبوا (ص).
ولم يزل أهل العلم ينهوْن عن ذلك:
- فقد قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " الفتاوى الحديثيّة " (1/163-164) وهو يذكر آداب الكتابة:
" وينبغي لكاتب العلم الطّهارة، والاستقبال، وابتداء الكتاب بالبسملة والحمدلة والصّلاة على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويختمه بذلك، ويكتب عند تمامه:" تمّ كتاب كذا " ففيه فوائد، وليعظّم اسم الله إذا كتبه بأن يكتب عقبه (تعالى)، أو (تقدّس)، أو (عزّ وجلّ)، أو نحو ذلك.
وكذا اسم رسوله بأن يكتب عقِبَه (صلّى الله عليه وسلّم)؛ فقد جرت به عادة الخلف والسّلف، ولا يختصر كتابتها بنحو (صلعم) فإنّه عادة المحرومين، ويترضّى على الأكابر كالمجتهدين، ويترحّم عمّن دونهم ...".
- وقال الفيروز آبادي رحمه الله في " الصّلات والبُشر ":" ولا ينبغي أن ترمز الصّلاة كما يفعله بعضُ الكسالى والجهلة وعوام الطلبة، فيكتبون صورة ( صلعم ) بدلاً من: صلّى الله عليه وسلم " اهـ.
- وقال الحافظ العراقيّ رحمه الله عن الصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يذكر أدب كتابة الحديث:
( وَاجْتنِبِ الرَّمْزَ لَهَا والحَذْفَا *** منْهَا صَلاَةً أَوْ سَلاَماً تُكْفَى )
قال الشّيخ زكريا الأنصاريّ رحمه الله في " فتح الباقي بشرح ألفيّة العراقي " (2/44) شارحا لذلك:
"(واجتنب) أنت (الرّمز لها) أي: للصّلاة مع السّلام في خطك، كأن تقتصر منها على حرفين، كما يفعله أبناء العجم، وعوام الطّلبة، فيكتبون بدلها (صم)، أو (صلعم) فذلك خلاف الأولى.
بل قال النّاظم: إنّه مكروه.
ويقال: إنّ من رمز لها بـ (صلّعم) قُطعت يده "اهـ.
وكذا قال الحافظ السّخاويّ رحمه الله في " فتح المغيث "، وغيرُهم ممّن لا يُحصًون.
- فإن كان الكاتب ولا بدّ تاركا للصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فليتلفّظ بها ولا يكتبها، فذاك أفضل من أن يرمز لها بنحو ما ذكرنا.
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (1/9) عن الخطيب رحمه الله أنّه روى في "الجامع" عن الإمام أحمد رحمه الله أنّه: كان يتلفّظ بالصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كتب الحديثَ ولا يكتبها، قال:" والحامل له على ذلك إسراع أو غيره ".
والله الموفّق لا ربّ سواه.