الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فجزاكم الله خيرا على حرصِك على صلة الرّحم، فكما ذكرت، فإنّ النّهي عن قطعها أعظم بكثير من النّهي عن اقتناء الكلاب.
أمّا فيما يخصّ سؤالك، فهو يحتاج إلى الوقوف عند نقطتين:
النّقطة الأولى: ضرورة نهي أهلك وجدّتك عن اقتناء الكلب في البيت.
فإنّ الحالات الّتي يجوز فيها اقتناء[1] الكلب محصورة محدودة، لأنّ الأصل هو تحريم اقتناء الكلب وبيعه، إلاّ ما استثناه الشّرع، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها:
1- ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أمْسَكَ كَلْباً فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ مَاشِيَةٍ )).
2- ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ )).
3- ما رواه التّرمذي والنّسائيّ وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أوْ كَلْبَ غَنَمٍ أوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ )).
فقد تضمّنت هذه الأحاديث أحكاما:
1) تحريم اقتناء الكلاب لغير ما وردتْ به النّصوصُ السّابقةُ، لأنَّ نقصان الأجر لا يكون إلاّ لمعصيةٍ ارتكبها المـُقتني. والمقصود من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( نقَصَ مِنْ عَمَلِهِ )) أي: أكل من حسناته وأحبطها، ولا يُحبِط الأعمال إلاّ المعاصي.
فلا بدّ من تعليم أهلك وجدّتك هذه الأحكام، والعلم بالتعلّم، لكن:
- 2) يجوز اقتناء الكلب لحراسة الدّار بشرط أن يكون خارج البيت، ولا يمكّن من الدّخول إلى البيت.
قال الشّيخ يوسف بن عبد الهادي في " الإغراب في أحكام الكلاب " ص (106-107)-ناقلاً عن بعض العلماء-:
" لا شكّ أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أذِن في كلب الصّيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصّيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر في كلـبِ الماشية، وفي حديثٍ في كلب الغنم، وفي حديثٍ في كلب الزّرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتّخاذ المصلحة، والحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً.
فإذا وُجدت المصلحة جاز الاتّخاذ، حتّى إنّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزّرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدّجاج والأوز-لدفع الثّعالب عنها- هي في معنى الغنم. ولا شكّ أنَّ خوفَ اللّصوص على النَّفس، واتّخاذه للإنذار بـها والاستيقاظ لها أعظم مصلحة من ذلك، والشّارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة.." اهـ.[2]
وقال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وعلى هذا، فالمنـزل الّذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتّخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرّماً لا يجوز، وينتقص من أجور أصحابه كلّ يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألاّ يقتنوه.
وأمّا لو كان هذا البيت في البرّ خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين [4/246].
- 3) ما سبب نقصان الأجر ؟
أ- قيل: لامتناع الملائكة مِن دخول بيته، ومن الأحاديث في ذلك:
ما رواه أحمد وأصحاب السّنن الأربعة-واللّفظ لأحمد-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ عليه السّلام النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنِّي جِئْتُ الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ صُورَةٌ أَوْ كَلْبٌ )). وكان جروٌ للحسن تحت كرسيّ لهم.
وقد أشار الله إلى ذلك في قوله:{ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيد }[الكهف: من الآية18]، فإنّه كان لا بدّ أن تدخل الملائكة وتقلّب أجساد أصحاب الكهف لئلاّ تنخر الأرض أجسامهم، ولا يمكنها ذلك لوجود الكلب معهم، ولكنّه لم يكن معهم فقد كان أمام الباب خارج الكهف.
ب- وقيل: لما يلحق المارِّين مِن الأذى.
ت- وقيل: عقوبة لمخالفة النّهي.
ث- وقيل: لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربّما يتنجّس الطّاهر منها، فإذا استعملت تلك الأواني في العبادة لم تتمّ العبادة على الوجه المطلوب، فينقص الأجر.
ولا شكّ أنّ مجموع ذلك هو السّبب.
( تنبيه ) اعلم أنّ الّذي ينقصُ إنّما هو أجرُ مِن له السّلطة في البيت وكان قادرا على إخراج الكلب ولم يُخرجه.
جاء في سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ أهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْباً إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ )).
النّقطة الثّانية: من خلال ما سبق فإنّ الكلب إذا كان بالدّار ( أي: ساحة المنزل كالحوش ونحوه ) فلا بأس به.
أمّا إن كان داخل البيوت، فهذا منكر، يجب تغييره، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعلّم جدّتك الأحكام السّابق ذكرها، وبذلك تكون قد أدّيت الّذي عليك، وإنّك مجرّد زائر يصل رحمه، ثمّ تنصرف وإثمها عليها إن أبت الرّجوع إلى حكم الله
أمّا الصّلاة في المكان الّذي يوجد به كلب فصحيحة بشرط تطهير المكان الّذي يغلب على الظنّ أنّه ولغ فيه الكلب، لأنّ لعابه نجس.
أمّا المبيت، فلا تبِت في المكان الّذي يتواجد فيه الكلب، بل عليك بالمبيت في غرفة أخرى، وعليك بالبعد عنه، لأنّ الملائكة لا تقربُك حينها.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
[1]/ ( الاقتناء ): من اقتنى يقال: قناه يقنوه واقتناه: إذا اتخذه لنفسه دون البيع ومنه: القنية وهي: ما اقتنـي من شاة أو ناقة أو غيرهما. عمدة القاري [12/157].
[2]/ وهل يجوز اقتناء الكلب للدلالة على المخدرات أو لاكتشاف السارق ؟
قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس بذلك وهو أولى من الحرث والصّيد " اهـ [" شرح زاد المستقنع ": باب الوصايا شريط رقم (3)].
وقال المحقّقان لكتاب (الإغراب):
" ومِن المصالح الراجحة استخدام الكلاب في العثور على المخدرات والأسلـحة والمجرمين في وقتنا الحاضر، وهي ما يسمَّى بـ ( الكلاب البوليسيّة ) فإنَّ فيها مصالحَ عظيمةً، فَكَمْ عُثِرَ على المخدّرات ونحوها عن طريقها، فمصلحتها أعظم مِن مصلحة الصّيد أو الحرث أو الماشية، لأنَّها مصلحة عامة للمجتمع، والله أعلم. اهـ [الإغراب في أحكام الكلاب [ص (106)].