الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّ من الحِكم البليغة للّباس أنّه عنوان على شخصيّة الإنسان، فكلّ أمّة تعتبر اللّباس من مقوّمات شخصيتها، وأنّ ذهاب معالم لباسها هو بداية ذهاب لجزءٍ عظيمٍ من شخصيّتها وكيانها، وليس فناء الأمم بذهاب أهلها عن بكرة أبيهم، ولكن بذهاب معالم شخصيّتهم.
لذلك أَوْلَت الشّريعة الإسلاميّة اهتماماً عظيماً باللّباس ببيان آدابه وأحكامه، فاستحبّ الله عزّ وجلّ في لباس المسلم أمورا، وأوجب أخرى، وكرّه أشياء، وحرّم أخرى، ولا يخلو كتاب من كتب الفقه أو الحديث من إفراد اللّباس بكتاب.
وفي لباس المسلم لألبسة لاعبي كرة القدم وعليها أسماؤهم، وعلم بلادهم، مخالفة واضحة لتلك الحِكَم والأحْكام.
ويمكننا أن نحصُر هذه الألبسة في أنواع:
1- النّوع الأوّل: ما لا يجوز لُبسه لمجرّد كونها من ألبسة لاعبي كرة القدم، ولو كانت تلك الألبسة للاعبين مسلمين !
لأنّ المسلم مأمورٌ بأن يكون عالِيَ الهمّة، لا يلتفت إلى هذه التّفاهات الّتي سيطرت على نفوس غالب النّاس اليوم، فكُرة القدم اليوم تحوّلت من رياضة تخدم مصلحة العباد والبلاد، إلى مظهر من مظاهر الانحلال والفساد: كإضاعة الأوقات، وارتكاب المخالفات، وتضييع الصّلوات، وما ينتج عن ذلك من المشاحنات والخصومات، إلى غير ذلك ممّا لم يعُد يخفى على أحد.
زِدْ على ذلك: أنّ هذه الفرقَ والنّوادِيَ الّتي أُنشِئت اليوم، فإنّها قائمة على القِمار والميسر !
وفي الحديث الصّحيح الّذي رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لاَ سَبَقَ، إِلاَّ فِي خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ، أَوْ نَصْلٍ ))، و( السَّبَق ) هو: المال الّذي يُجعل للمسابقة.
فلا يحلّ جعلُ مالٍ على مسابقة ما، إلاّ في أمور تُعِين على الجهاد، وإعلاء كلمة ربّ العباد، كالسّباق على البعير ذي الخفّ، والخيل ذوات الحافر، والسّباق على الرّماية بالرّماح ذوات النّصل والسّهام. ويلحق بها المسابقات العلميّة؛ لأنّ العلم ونشره ضرب من ضروب الجهاد.
فمجرّد ميل المسلم إلى هذه النّوادي وتتبّعها وحبّها لا يجوز، فكيف إذا صار ينشر معالمهم بارتداء لباسهم ؟!
2- النّوع الثّاني: ما كان من ألبسة اللاّعبين الكافرين، وهذا أشدّ من السّابق.
لأنّ ألبسة الكافرين الّتي تعدّ من خصائصهم محرّم لُبسُها، لما في صحيح مسلم عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: (( إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا )).
وقد أجمع العلماء على تحريم إظهار شعائر الكافرين، وعلى وجوب طمس معالمهم وما يُحيِي ذكرهم، فكيف إذا جمعوا إلى ذلك النّقص -وهو الكفر - نقصا آخر وهو: اللّعب واللّهو ؟!
وإذا كان اللّباس عليه أسماء هؤلاء اللاّعبين، فيكون ذلك من مظاهر الولاء والتّعظيم لهم، وقد أُمِر المسلم ببغض الكافرين:{الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التّوبة من: 29].
3- النّوع الثّالث: ما كان يحوِي المظاهر والكلمات المستهجنة القبيحة.
وهذا لا يجيزه عاقل، فكلّ لباس اشتمل على كلمة قبيحة تخلّ بالدّين أو الشّرف والأخلاق الحميدة، كالكلمات الدّاعية إلى العشق والغرام، والدّاعية إلى الخمر والقمار ونحو ذلك، فهي محرّمة.
لذلك لا يجوز للمسلم ولا المسلمة أن يلبس لباسا مكتوبا عليه كلمات لا يُفهم معناها حذرا من الوقوع في مخالفة الشّريعة.
ومن عجيب ما حدث، أنّ رجلا عربيّا كان يمشي مع طفله الصّغير في أحد شوارع مدينة غربيّة كافرة، وفجأة أوقفه شخص فقال له متهكّما: بكم تبيع هذا الطّفل ؟ فتعجّب الأب وقال: ومن قال لك إنّني أبيعه ؟ هذا ابني ! فقال له الرّجل: إنّه مكتوب على قميص ابنك باللّغة الانكليزيّة: هذا الطّفل للبيع !
4- النّوع الرّابع: ما كان يحوي مظهرا من مظاهر ديانتهم.
وهذا أشدّ، وتحريمه أوكد؛ فإنّه فإذا كان لا يحلّ التشبّه بالكافرين فيما هو من خصائصهم في لباسهم، فكيف بشعائر دينهم وملّتهم !؟
ومن ذلك الألبسة المشتملة على الصّلبان ! وكان الواجب على المسلم أن يطمس الصّليب حيث وجده، فكيف يُضحِي هو من يُظهره ويشهره ؟!
وإذا كان النّصارى الّذين يعيشون بين المسلمين يمنعون من إظهار الصّليب، فكيف يصبح المسلم متطوّعاً بفعل ذلك ؟!
قال ابن القيّم رحمه الله عن أهل الذمّة:
" لا يمكّنون من التّصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها، ولا يتعرّض لهم إذا نقشوا داخلها.
وعن ميمون بن مهران: أنّ عمر بن عبد العزيز كتب: أن يمنع نصارى الشّام أن يضربوا ناقوسا, ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم ..
ويُمنعون من لبس الصليب وتعليقه في رقابهم أو أيديهم, ويلاحظون في مواسم أعيادهم بالذات, إذ قد يحاولون إظهار الصّليب فيمنعون من ذلك, لما في عهد عمر عليهم عدم إظهاره في أسواق المسلمين.
ويُؤدَّب من فعله منهم , ويُكسر الصليب الّذي يظهرونه, ولا شيء على من كسره "اهـ.
والأدلّة على وجوب طمس الصّلبان من اللّباس وغيره:
- ما روى البخاري عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ.
والنّقض هو الإزالة والتّغيير.
- وروى التّرمذي عن عدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (( يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ )).
والشّاهد: أنّه سمّاه وثنا؛ لأنّه يُعبد من دون الله تعالى.
- وروى أحمد عن دِقْرَةَ بنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ، فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: اطْرَحِيهِ، اطْرَحِيهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ.
ويلحق به كلّ شعار من شعارات الكفر، كالنّجمة السّداسيّة الّتي يزعم اليهود أنّها نجمة داود عليه السّلام، ونحوها.
أمّا من علّق تمثالا يُعبد ! فهو قد وقع في محظورين: تعليق الصّور، وتعليق ما عبد منها.
والله الهادي إلى الصّواب، إليه أدعو وإليه متاب.