فاعلم أنّ الاختلاف في كون ( الكسوف والخسوف ) مترادفين أو متغايرين قديم، فقد قال البخاري رحمه الله في " صحيحه ":
( باب: هل يقول كَسَفَتْ الشّمسُ أو خَسَفَتْ ؟ وقال الله تعالى:{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ).
· القول الأوّل: إنّهما مترادفان.
وهو قول فريق من أهل اللّغة، حيث قال ابن سيده رحمه الله في " المحكم ":" وخَسَفت الشمسُ تَخْسِف خُسوفا: ذهب ضوءها، وخَسفها الله، وكذلك القمر )، وقال الجوهريّ رحمه الله في " الصّحاح ": ( وخُسوفُ القمرِ كُسوفُه ).
وذلك لأنّ مرجع الكلمتين إلى معنى واحد، وهو التغيّر والاختفاء والنّقصان.
ويُستدلّ لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ )) [رواه البخاري ومسلم]، حيث أطلق الكسوف على الشّمس والقمر، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفصح النّاس.
ويؤيّد ذلك أنّه جاء في رواية ابن عمر رضي الله عنه عندهما بلفظ: (( لاَ يُخْسَفَانِ )).
· القول الثّاني:
ذهب فريق آخر إلى أنّ ثمّة فرقا بينهما. ولكنّهم لم يتّفقوا: متى يقال الكسوف ؟ ومتى يقال الخسوف ؟
- ففي صحيح مسلم عن الزّهرِيِّ عن عروةَ رحمهما الله قال:" لَا تَقُلْ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَلَكِنْ قُلْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ ".
- ولكنّ الإمام ثعلبا رحمه الله - كما في " لسان العرب "- يقول: ( كسَفتِ الشمسُ وخسَف القمر، هذا أَجودُ الكلام ).
التّرجيح:
يصحّ إطلاق كلٍّ من الخسوف والكسوف على الشّمس والقمر، وإنّ سبب اختلاف أهل العلم في ذلك مردّه إلى قاعدة مهمّة، وهي: أنّه لا ترادف في اللّغة العربيّة من جميع الوجوه.
- فمن نفى الترّادف بين الكسوف والخسوف، إنّما يقصِد من جميع الوجوه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" لا شكّ أنّ مدلول الكسوف لغةً غير مدلول الخسوف، لأنّ الكسوف التغير إلى السّواد، والخسوف النّقصان أو الذلّ "اهـ. أي: يقال في الشّمس ( كسفت ) لأنّها تغيرت إلى سواد، وفي القمر ( خسف ) لأنّه نقص.
وهذا هو المشهور في استعمال الفقهاء: أنّ الكسوف للشّمس، والخسوف للقمر.
- ولكن جاءت الأحاديث الصّحيحة - كما مرّ- بجواز إطلاق الكسوف والخسوف على الشّمس والقمر معاً، ممّا يدلّ على جوازه، لا من باب التّرادف، ولكن من باب صدق هذين الوصفين عليهما:
فإذا قيل في الشّمس: ( كسفت ) أي: تغيّرت، و( خسفت ) لأنّه نقص ضوءها.
وإذا قيل في القمر: ( كسف ) لأنّه تغيّر، و( خسف ) لأنّه نقص ضوءه كذلك.
والله أعلم.