أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]
عبد الحليم توميات

عبد الحليم توميات

الأربعاء 05 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 30 نوفمبر 2011 20:47

- شرح الأصول الثّلاثة (12) السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

قال رحمه الله:

فإذَا قيلَ لكَ: بِمَ عرفْتَ ربَّك ؟ فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه.

ومِنْ آياتِه: اللّيلُ والنّهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السّمٰواتُ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما، والدّليلُ قولُه تَعَالىٰ: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]، وقولُهُ تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

الأحد 18 ذو الحجة 1435 هـ الموافق لـ: 12 أكتوبر 2014 06:23

183- نقل ماء زمزم إلى خارج مكّة

نصّ السّؤال: 

السّلام عليكم ورحمة الله ... ما هي بركة ماء زمزم ؟

وهل يصحّ ما شاع بين النّاس من نقل ماء زمزم إلى بلدانهم ؟ بارك الله فيكم.

الثلاثاء 04 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 29 نوفمبر 2011 17:45

شرح كتاب الحجّ 19:فضائل ماء زمزم

من سلسلة: شرح كتاب الحجّ من (صحيح التّرغيب والتّرهيب)

العنوان

استماع المادة

تحميل المادة

شرح كتاب الحجّ 19:فضائل ماء زمزم

البـاب الثّــاني عـشـر: ( التّرغـيـب في شُـرب مـاء زمزم، وما جـاء في فضـلِه ). 

  •  شرح التّبويب:  

فقبل بيان فضل ماء زمزم لا بدّ أن نعلم المراحل الّتي مرّت بها هذه العينُ المباركة:

- البداية:

فأوّل ما خلق الله هذه العين كان يوم ترك إبراهيم عليه السّلام هاجر وابنها إسماعيل عليه السّلام، كما في الصّحيحين، فَقَالَتْ:

يَا إِبْرَاهِيمُ ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُ:

أَللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا.

ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:{رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم: من الآية37].

وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى-أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ.

فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا.

فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ.

ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا )).

فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ:

صَهٍ ! تُرِيدُ نَفْسَهَا. ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ.

فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ [في رواية: فإذا جبريل عليه السّلام] عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ.

فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ، وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا)).

قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ:

(( لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ )).

قال ابن الجوزي رحمه الله:

" كان ظهور زمزم نعمةً من الله محضةً بغير عمل عامل، فلمّا خالطها تحويطُ هاجر، داخلها كسبُ البشر فقصرت ".

  •  ثمّ كيف اختفى أثر هذه العين ؟

يُكمل ابن عبّاس رضي الله عنه قائلا:

" .. حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ .. فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا [وهو الّذي يحوم على الماء].

فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ ! لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ.

فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ [أي رسولا]، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ ! فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا، وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ. فَقَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.

وعاشت هاجر مع ولدها إسماعيل عليه السّلام، وتزوّج منهم، ومرّت القرون، حتّى رحلت جرهم من تلك البقعة المباركة، فقام عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهميّ ورَدَمَ عينَ زمزم، فما عاد العرب يعرفون عنها إلاّ اسمها، تعظّمونها لأنّها من شعائر دين إبراهيم الخليل عليه السّلام. 

  •  عودٌ على بدء: 

ثمّ أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل حفرَ بئر زمزم على يد عبد المطّلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

وكان ذلك الحدث فيه بيانٌ لفضل هذه العين المباركة، فإنّها كانت من الأمور الّتي جعلت العرب تَلفِت وجوهها إلى بيت عبد المطّلب، حتّى إذا بُعِث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان الشّيء من معدِنِه لا يُستغرب. لذلك رواها البيهقيّ وغيره في " دلائل النبوّة ".

ذكر المصنّف رحمه الله في هذا الباب جملةً من فضائل ماء زمزم، منها:

أ‌) أنّها خير مياه الأرض.

ب‌) وأنّه شفاء سقم، وطعام طعم. 

ت‌) وأنّه لما شُرِب له. 

  •  الحـديـث الأوّل: 

1161-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمٍ، فِيهِ طَعَامُ الطُّعْمِ، وَشِفَاءُ السُّقْمِ، وَشَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءٌ بِوَادِي (بَرَهُوتَ بِقُبَّةٍ بِـ( حَضْرَمَوْتَ كَرِجْلِ الجَرَادِ، تُصْبِحُ تَنْدَفِقُ، وَتُمْسِي لاَ بِلاَلَ فِيهَا )).

[رواه الطّبراني في " الكبير " ورواته ثقات، وابن حبّان في " صحيحه "].

  •  شـرح الحـديـث: 

- قوله: ( خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمٍ ):

يكفي في الدّلالة على فضل ماء زمزم وأنّها خير مياه الأرض: ما جاء في الصّحيحين في حادثة شقّ الصّدر الثّانية ليلة الإسراء، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:

" لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ... فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ عليه السّلام، فَشَقَّ جِبْرِيلُ عليه السّلام مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ ".

- قوله: ( فِيهِ طَعَامُ الطُّعْمِ ): سيأتي بيان معناه في شرح الحديث الثّاني. 

- قوله: ( بَـرَهُـوتُ ): ويقال ( بُرْهُوت )، كما قال ابن دريد. 

وهو وادٍ بحضرموت باليمن، كما جاء مصرّحا به في هذا الحديث، وذكر ياقوت الحمويّ في "معجم البلدان" (1/405) أنّه قيل إنّها بئر، وقيل إنّها البلد الّذي فيه البئر. 

وفي "لسان العرب ": هي بئر عميقة بحضرموت لا يستطيع أحد بلوغ قعرها ". اهـ.

وقد كثر كلام النّاس حول هذه البئر، حتّى قيل فيها خرافات، ورُوِيت فيها موضوعات، ممّا جعل الحافظ القيسراني رحمه الله ذكر هذا الحديث في " ذخيرة الحفّاظ " (3/2816).

من هذه الأخبار المكذوبة ما يُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (( إِنَّ فِيهِ أَرْوَاحَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ )) !

ومنها ما يُنسب إلى ابن عبّاس رضي الله عنه: " إنّ أرواح المؤمنين بالجابية من أرض الشّام، وأرواح الكفّار ببرهوت من حضرموت " !

ومنها ما يُنسب إلى عليّ رضي الله عنه أنّه قال:" أبغض بقعة في الأرض إلى الله عز وجل وادي برهوت بحضرموت، فيه أرواح الكفّار، وفيه ماؤها أسود منتن، تأوي إليه أرواح الكفّار " ! وقد ذكر هذا الأثر عبد الرزّاق في "المصنّف" (5/116).

ومنها ما نسبه الدّيلمي في " مسند الفردوس " (1/418) إلى أنس بن مالك رضي الله عنه.

ومنها حكايات تُحكى عن النّاس، وتناقلها بعضهم عن بعض، فقد حكى الأصمعيّ عن رجل من حضرموت قال: إنّا نجد من ناحية برهوت الرّائحة المنتنة الفظيعة جدّا، فأنبئنا بعد ذلك أنّ عظيما من عظماء الكفّار مات، فنرى أنّ تلك الرّائحة منه.

ومنها ما يروونه عن سفيان بن عيينة: أخبرني رجل أنّه أمسى ببرهوت، قال: فسمعت منه أصواتَ الحاجّ وضجيجهم.

ومنها ما ذكر أبان بن تغلب أنّ رجلا آواه المبيت إلى وادي برهوت، قال: فكنت أسمع طول اللّيل: ( يا دومة ! يا دومة !) فذكرت ذلك لرجل من أهل الكتاب، فقال: إنّ الملك الّذي على أرواح الكفّار يقال له (دومة) " !!

وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة " الأحقاف " !

وقد ذكره ابن تيمية رحمه الله ناسبا إيّاه إلى أبي سعيد الخرّاز في (4/221).

وذكرها ابن القيّم في "الرّوح" (106-107) فقال:

" وأمّا قول من قال: إنّ أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفّار بحضرموت ببرهوت، فقال أبو محمّد بن حزم: هذا من قول الرّافضة.

وليس كما قال، بل قد قاله جماعة من أهل السنّة. قال أبو عبد الله بن منده: وروي عن جماعة من الصّحابة والتّابعين أنّ أرواح المؤمنين بالجابية ...[ ثمّ ساق بسند واهٍ] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنّه قال: ( إنّ أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية، وإنّ أرواح الكفّار تجتمع في سبخة بحضرموت يقال لها برهوت...

[ثمّ ساق من طريق آخر واهٍ أيضا] أنّ كعبا رأى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وقد تكالب النّاس عليه يسألونه، فقال لرجل: سله أين أرواح المؤمنين، وأرواح الكفّار ؟ فسأله، فقال:" أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببرهوت ".اهـ

ولا شكّ أنّ هذا كلّه ليس عليه دليل صحيح، وإن صحّت عن الصّحابة فيكون ممّا تلقّوه عن أهل الكتاب. وما حملهم على ذلك كلّه إلاّ كون حضرموت هي أرض عاد بالأحقاف.

مع ملاحظة أنّه ما رواه أحد من أصحاب الكتب المعتمدة إلاّ ابن حبّان في " صحيحه " (7/283) فقال:

" ذكر الأخبار عمّا يُعمل بروح المؤمن والكافر إذا قبضا " –فساق بسنده إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديث قبض روح المؤمن المعروف، ثمّ قال: قال قتادة: وحدّثني رجل عن سعيد بن المسيّب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: قال:" أَرْوَاحُ المُؤْمِنِينَ تُجْمَعُ بِالجَابِيَتَيْنِ، وَأَرْوَاحُ الكٌفَّارِ تُجْمَعُ بِبَرَهُوتَ: سَبْخَةٍ بِحَضْرَمَوْتَ "، والنّاظر في سند الأثر لا يشكّ في ضعفه.

- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( كرِجْلِ الجراد )):

رواية الفاكهي في "أخبار مكّة" (2/41) أوضح، إذ قال:" عَلَيْهِ كَرِجْلِ الجَرَادِ مِنَ الهَوَامِّ، يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ، وَيُمْسِي لاَ بِلاَلَ فِيهِ ".

أي: على مائها هوامّ كثيرة، وتمثيله برجل الجراد أسلوب تعرفه العرب، ومنه ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( بَيْنَمَا أَيُّوبُ عليه السّلام يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ ! أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ )).

- وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لا بَلاَلَ فيها )):

قال في " لسان العرب ":" والبَلاَل: الماء، والبلل .. ويقال: ما في سقائك بَلال، أي: ماء، وكلَ ما يبلّ به الحلق من الماء واللّبن بَلال ".

- تنبيه: قول المصنّف رحمه الله:" ورواه ابن حبّان "، قال الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه:

" قلت: لم أره في " الموارد "، ولا في " الإحسان "، ولا عزاه إليه السّيوطي في " جامعيه "، نعم، عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "، وأظنّه تبع المؤلّف، وكنت استظهرت في "الصّحيحة" (1056) أنّه فاته أن يورده في " الموارد "، فلمّا طبع " الإحسان "، ولم نجده فيه غلب على الظنّ أنّ العزو لصحيح ابن حبّان وهم، والله أعلم ".

والشّاهد من الحديث هو فضل ماء زمزم، وهو أنّها خير ماء على وجه الأرض.

والله أعلم.



 

الثلاثاء 04 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 29 نوفمبر 2011 15:13

182- حكم إفراد الإقامة

نصّ السّؤال:

جرى العمل في بعض القرى على إفراد لفظ الإقامة ( قد قامت الصّلاة )، فهل لهذا القول مستنَدٌ في السنّة أو لا ؟

بارك الله فيكم.

الاثنين 03 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 28 نوفمبر 2011 16:43

- شرح كتاب الذّكر (26) تابع: فضل قول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له

تابع الباب السّادس: التّرغيب في قول:" لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ". 

الحديث الثّاني: 

عنِ البرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: 

(( مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ، أَوْ لَبَنٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا، فَهُوَ كَعِتْقِ نَسَمَةٍ، وَمَنْ قَالَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فَهُوَ كَعِتْقِ نَسَمَةٍ )).

الاثنين 03 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 28 نوفمبر 2011 16:14

شرح الأصول الثّلاثة (11) الأصل الأوّل: معرفة الله ( صوتيّ )

من سلسلة: شرح الأصول الثّلاثة

العنوان

استماع المادة

تحميل المادة

تحميل الدّرس مكتوبا

- شرح الأصول الثّلاثة (11) الأصل الأوّل: معرفة الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: 

  • · قال رحمه الله:

( فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثلاثةُ التي يجبُ على الإنسانِ معرفتُها ؟ فقُلْ: معرِفةُ العبدِ رَبَّهُ، ودينَهُ، ونبيَّهُ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم. 

فإذا قيلَ لكَ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فقل: ربيَّ اللهُ الّذي ربّاني ورَبَّى جميعَ العالمينَ بنعمِهِ، وهو معبودي ليس لي معبودٌ سواهُ، والدّليلُ قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَوكلُّ ما سِوَى اللهِ عالََمٌ، وأنا واحدٌ من ذلكَ العالَمِ ).

فبعدما بيّن المؤلّف رحمه الله أنّ أعظم الحسنات على الإطلاق هو التّوحيد، وأنّ أعظم السّيئات على الإطلاق هو الشّرك بربّ العبيد، شرع يبيّن أصولَه وأسُسه.

وشرع في بيان أصول التّوحيد على طريقة السّؤال والجواب المثيرة للانتباه والاهتمام، وفي السنّة أمثلة كثيرة على التّعليم بطريقة السّؤال والجواب، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( يا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ ؟)) قال: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ، قال: (( أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟)) قال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: (( أن لا يُعَذِّبَهُمْ ))، وغير ذلك.

  • · قال رحمه الله: ( فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثّلاثةُ ): وتسميتُها بالأصول فيه بيانٌ لأهمّيتها؛ لأنّ الأصل هو ما ينبنِي عليه غيرُه. 

كما أنّ فيه ردّاً على أهل الكلام الّذين جعلوا من قواعدهم الفلسفيّة أصولا.

  • · قوله رحمه الله: ( الّتي يجبُ على الإنسانِ معرفتُها ؟): وهذا الوجوب وجوب الأركان، أي: الّتي لا يصحّ إيمان العبد إلاّ بها، ولا نجاة له إلاّ بتحقيقها. 
  • · قوله رحمه الله: ( فقُلْ ): معتقِدا اعتقادا جازما لا شكّ فيه ولا ارتياب؛ لأنّ العقيدة مأخوذة من العقد، وهو شدّة الرّبط والإحكام. 
  • · قال: ( معرِفةُ العبدِ رَبَّهُ، ودينَهُ، ونبيَّهُ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم ): وهي أسئلة القبر الثّلاثة، فمن تعلّمها وأقامها فهو من أهل النّجاة والسّعادة الأبديّة، وإلاّ كان من أهل الشّقاء والتّعاسة السّرمديّة. 

وفي سنن التّرمذي عن عثمَانَ رضي الله عنه كان إذَا وَقَفَ علَى قَبْرٍ بَكَى حَتّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ! فقيلَ لهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنّارُ فَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي من هذَا ؟! فقالَ: إنَّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ )) قال: وقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا القَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ )).

ويدلّ على هذه الأسئلة حديثُ البراء بن عازبٍ رضي الله عنه الطّويل، وفيه يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أن ترفع روح المؤمن إلى السّماء، قال: (( فَيَقُولُ اللهُ جلّ جلاله: اُكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فِي جَسَدِهِ.

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُول: رَبِّيَ اللهُ.

فَيَقُولاَن: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلاَمُ.

فَيَقُولاَنِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم. فَيَقولاَنِ: مَا يُدْرِيكَ ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ وَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ.

قال في رواية: فذلك قول الله عزّ وجلّ:{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

ثمّ بعد ذلك يقول: (( فَيُنَادِي منَادٍ مِن السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الجَنَّةِ. قال: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ )).

قال صلّى الله عليه وسلّم في رواية التّرمذي عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: (( فيقولانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ )).

ثمّ ذكر الكافر - وفي رواية: الفاجر -: (( فذكَرَ مَوْتَهُ، قال: وَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيقولان لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فيَقولُ: هَاهْ هَاهْ هَاهْ ! لا أَدْرِي.

فيقولان لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فيَقولُ: هَاهْ هَاهْ ! لا أَدْرِي.

فيقولان: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فيقولُ: هَاهْ هَاهْ ! لا أَدْرِي.

فيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ ! فَأَفْرِشُوهُ مِنْ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلى النَّارِ. قال: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ )).

زاد في حديثِ جريرٍ رضي الله عنه: (( ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا ! فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ )).

وجاء في رواية أنّه يقول: (( رَبِّ، لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ ! رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ !)).

فأوّل واجب على المكلّف أن يعرف ربّه سبحانه، ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ودينه الحنيف، وليس له ذلك إلاّ بتدبّر كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وكما قال أهل العلم:" قد تجلّى الله لعباده في كتابه بما لا مزيد لمستزيد ".

وتأمّل الحديث السّابق حين يقول الملكان:" مَا يُدْرِيكَ ؟ فيقولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، وَآمَنْتُ بِهِ، وَصَدَّقْتُهُ "، ممّا يدلّ على أنّ معرفة الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم لا تحصُل إلاّ من الوحي.

لذلك روى أبو نعيم في " حلية الأولياء " عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي المُصْحَفِ )) [وهو حسن كما في " السّلسلة الصّحيحة " (2342)].

( ودينَه ): أي: الطّريق الّذي يُعبد الله تعالى به، ولا سبيل إلى معرفة الدّين الصّحيح إلاّ عن طريق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( وإِنَّ بنِي إسرَائِيلَ تفرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً؛ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ، إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً )) قال - أي: عبد الله بن عمرو راوي الحديث -: من هي يا رسول الله ؟ قال: (( مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) [رواه الترمذي].

وبعد أن ذكر رحمه الله الأصولَ الثّلاثةَ إجمالا، شرع في تفصيلها وشرحها وبيانها، فقال:

  • · ( فإذا قيلَ لكَ: مَنْ رَبُّكَ ؟): الربّ: كلمة تطلق في اللّغة على معان ثلاثة كلّها ثابتة لله تبارك وتعالى، وقد ذكرها العلماء متفرّقة، وجمعها الإمام الطّبريّ في " تفسيره "، وهي:

1- المالك للشّيء: فربّ الدّار هو مالكها، ومنه حديث اللّقطة: (( اعْرِفْ وِكَاءَهَا - هو الخيط الّذي تربط به - وَعِفَاصَهَا - أي: وعاءها -، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ )).

قال الزّجّاجي رحمه الله في " اشتقاق أسماء الله " (ص 32):" وكلّ من ملك شيئا فهو ربّه، يقال: هذا ربّ الدّار، وربّ الضّيعة، ولا يقال: الربّ معرّفا بالألف واللاّم مطلقا إلاّ لله تعالى؛ لأنّه مالك كلّ شيء " اهـ. فهو لا يستعمل في حقّ غير الله تعالى إلاّ مضافا.

2- السيّد المطاع، ومنه قوله تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} [يوسف: من الآية 41]، وقوله:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: من الآية 42]، ومنه: ربَّ فلانٌ القوم أي: سادهم وساسهم، ومنه قول صفوان بن أميّة: لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يرُبَّني رجل من هوازن.

3- المصلح للشّيء؛ لأنّ الربّ كلمة مشتقّة من التّربية، قال الرّاغب الأصفهانيّ في " المفردات " (ص 184):

" الربّ في الأصل التّربية، وهي إنشاء الشّيء حالا فحالا إلى حدّ التّمام ". ومنه اشتُقّ لفظ الرّبيبة، لأنّ من تكون في حجره يصلحها ويدبّر أمرها إلى أن تصل حدّ التّمام. ومنه سمّي العالم الّذي يعلّم النّاس ما يصلحهم في الدّارين شيئا فشيئا ( الربّانيّ )، ذكر البخاري عن ابنِ عبّاسٍ أنّه قال في قوله تعالى:{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}: حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، قال: وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.

الحاصل: قال الطّبريّ رحمه الله:" فربّنا عزّ وجلّ: السيّد الّذي لا شبه له ولا مثل في سؤددِه، والمصلح في أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الّذي له الخلق والأمر".

والتّربية بمعنى التّنشئة نوعان:

تربية عامّة، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، والإنسان والحيوان والجماد وغير ذلك. قال تعالى في الحوار الّذي دار بين موسى عليه السّلام وفرعون:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه].

تربية خاصّة، قال السّعدي رحمه الله في " تفسيره ":" ( الربّ ) هو المربّي جميع عباده بالتّدبير وأصناف النّعم، وأخصّ من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم، ولهذا كثُر دعاؤهم بهذا الاسم الجليل، لأنّهم يطلبون منه هذه التّربية الخاصّة ".

لذلك ذكر المصنّف رحمه الله هذا المعنى، فقال:

  • · ( فقل: ربيَّ اللهُ ): ولفظ الجلالة هو علمٌ على الإلهِ المستحقِّ للعبادة.

وهو مشتقّ من الألوهيّة والإلهيّة، وهي العبوديّة المقترنة بالمحبّة، تقول العرب: أله الشّيءَ أي: عبده وذلّ له وأحبّه.

فأصل لفظ الجلالة ( الله ) - كما قال الكسائي والفرّاء وأبو الهيثم -: أصله الإله، حذفوا الهمزة وأدخلوا الألف واللاّم، ثمّ أدغمت اللاّم في الأخرى.

ونظيره كلمة " الأُناس "، فقد حذفوا الهمزة فقالوا: النّاس.

فالله من إله بمعنى مألوه، ككتاب بمعنى مكتوب، وفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإمام بمعنى مأموم أي: يقصده النّاس.

فالإله معناه الّذي يألهه الخلق ويحبّونه، ويذلّون له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" فإنّ الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبّها، وتخضع له وتذلّ له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهمّاتها، وتتوكّل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه وتطمئنّ بذكره وتسكن إلى حبّه، وليس ذلك إلاّ لله وحده؛ ولهذا كانت لا إله إلاّ الله أصدقَ الكلام، وكان أهلُها أهلَ الله وحزبَه، والمنكرون لها أعداءَه وأهلَ غضبه ونقمته، فإذا صحّت صحّ بها كلّ مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصحّحها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله "اهـ.

  • · قوله رحمه الله: ( الّذي ربّاني ): أي: الّذي يرعاني ويكلأني وينْعِم عليّ، فمعنى الربّ هو الخالق الرّازق الّذي يرعَى عباده.
  • · قوله رحمه الله: ( ورَبَّى جميعَ العالمينَ بنعمِهِ ): فتربيته سبحانه وتعالى لخلقه تشمل الخلق جميعهم، كما سبق بيانه في أنواع التّربية.

والعالمون: جمع عالَم - كما سيأتي -.

  • · قوله رحمه الله: ( وهو معبودي ): فيه بيان غاية الرّبوبيّة، وهو إقامة العبوديّة لله؛ لذلك استحسن بعض شرّاح الرّسالة أن يقول: فهو معبودي؛ لأنّ الفاء تدلّ على التّعليل.
  • · قال رحمه الله: ( ليس لي معبودٌ سواهُ ): أتى بنفي غيره، ليشير إلى أنّ المقصود هو إخلاص العبادة له وحده سبحانه. فلم يكتفِ بمجرّد إثبات العبادة لله؛ قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
  • · قوله: ( والدّليلُ قوله تعالى:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ}): والحمد هو وصف الممدوح بالكمال، إمّا لصفاته الذّاتية، أو لإحسان وإنعام، فتقول: حمِدت له شجاعته وكرمه، وحمدته لعطائه، فهو ضدّ الذمّ كما في " لسان العرب".

والألف واللاّم في ( الحمد ) للاستغراق، فالحمد كلّه له سبحانه وتعالى، لذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحمد الله على كلّ حال.

وحمد الله من أوجب الواجبات، وأشرف الطّاعات، فينبغي للعبد أن يشكر نعم الله الّتي يتقلّب فيها ليل نهار، دقيقَها وجليلها، وقد قطع الله الطّريق لإحصائها، فقال:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النّحل: 18].

روى مسلم عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عن العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )).

وليتذكّر العبد أنّه سوف يُسأل عن النّعم؛ فقد روى مسلم أيضا عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هوَ بأَبِي بكْرٍ وعُمَرَ، فقالَ: (( مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ )) قَالَا: الجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ !

قال: (( وَأَنَا - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا )). فَقَامُوا مَعَهُ .. [فذكر أنّهم أتوا رجلا من الأنصار] فجاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فقال: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ المُدْيَةَ ... فَذَبَحَ لَهمْ، فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ العِذْقِ، وَشَرِبُوا، فلمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لأَبِي بكْرٍ وعُمَرَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ )).

وفي رواية التّرمذي قال: (( ظِلٌّ بَارِدٌ وَتَمْرٌ طَيِّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ ! هَذَا - وَاللهِ - مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ )).

وفي سنن التّرمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: " أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ الماَءَ البَارِدَ" ؟ )).

ومن جليل النّعم: نعمة الإسلام، ونعمة الهداية إلى السنّة، ونعمة حسن الفهم، وحسن القصد، وغير ذلك من أصول النّعم، فاللهمّ لك الحمد.

ولمّا كان العباد جميعهم عاجزين عن حمد الله عزّ وجلّ، حمِد نفسه، فقال:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ}، لأنّه كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )).

  • · قوله: ( وكلُّ ما سِوَى اللهِ عالَمٌ ): العالمون جمع عالَم، والتّعريف الصّحيح له أنّه كلّ موجود سوى الله تعالى، فيشمل جميع العالمين، عالم الإنس، وعالم الجنّ، وعالم الملائكة، وعالم البهائم، وعالم الجماد، وعالم النّبات، كلّ ذلك ربّاه الله تعالى.

قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" ربّ الجنّ والإنس "، وقال قتادة:" ربّ الخلق كلّهم ". لذلك قال في " اللّسان ": " والعالمون: أصناف الخلق، والعالم الخلق كلّه ".

ويدلّ على ذلك قول الله تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} [الشّعراء].

والعالم مشتقّ من العلامة؛ لأنّه يدلّ على وحدانيّة خالقه ومنشئه ومدبّره، وقد قال أحد الأعراب:" البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدلّ على العليم الخبير ؟!".

قال ابن المعتزّ:

فيا عجباً كيف يُعصى  الإله *** أم كيف يجحده الجـاحد

وفي كـلّ شـيء له آيـة *** تدلّ عـلى أنّـه واحـد

قوله: ( وَأنَا واحدٌ من ذلكَ العالَمِ ): أي: قُل ذلك، فالخطاب للسّامع. فكأنّه يقول: إذا كنت واحدا من هذا العالم الّذي خلقه الله، وربّاه ورعاه، فينبغي ألاّ أصرِف العبادة لغيره سبحانه، وإلاّ كان بذلك ظالما لربّه، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

 

 

 

 

  

  

 : 

الاثنين 03 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 28 نوفمبر 2011 05:36

- شرح الأصول الثّلاثة (11) الأصل الأوّل: معرفة الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

  • · قال رحمه الله:

( فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثلاثةُ التي يجبُ على الإنسانِ معرفتُها ؟ فقُلْ: معرِفةُ العبدِ رَبَّهُ، ودينَهُ، ونبيَّهُ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم.

فإذا قيلَ لكَ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فقل: ربيَّ اللهُ الّذي ربّاني ورَبَّى جميعَ العالمينَ بنعمِهِ، وهو معبودي ليس لي معبودٌ سواهُ، والدّليلُ قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَوكلُّ ما سِوَى اللهِ عالََمٌ، وأنا واحدٌ من ذلكَ العالَمِ ).

فبعدما بيّن المؤلّف رحمه الله أنّ أعظم الحسنات على الإطلاق هو التّوحيد، وأنّ أعظم السّيئات على الإطلاق هو الشّرك بربّ العبيد، شرع يبيّن أصولَه وأسُسه.

وشرع في بيان أصول التّوحيد على طريقة السّؤال والجواب المثيرة للانتباه والاهتمام، وفي السنّة أمثلة كثيرة على التّعليم بطريقة السّؤال والجواب، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( يا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ ؟)) قال: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ، قال: (( أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟)) قال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: (( أن لا يُعَذِّبَهُمْ ))، وغير ذلك.

السبت 01 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 26 نوفمبر 2011 12:12

181- معنى: ( أَفْلَح وَأَبِيهِ إِنْ صَدَق )

نصّ السّؤال:

السلام عليكم و رحمة الله .. فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ))، ولكنّه جاء في حديثٍ أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ )).

فالحديثان ظاهرهما التّعارض، فكيف التّوفيق بينهما ؟ وبارك الله فيكم.

الجمعة 29 ذو الحجة 1432 هـ الموافق لـ: 25 نوفمبر 2011 20:15

مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ ؟ (صوتي)

العنوان

استماع المادة

تحميل المادة

 مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ ؟

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فأدعوكم اليوم - أيّها المسلمون والمسلمات - إلى تأمّلات ووقفات .. وقفات اعتبار وتدبّر، ولحظات تأمّل وتفكّر .. لحظاتٍ مع ضيف عظيم مكرّم، ألا وهو شهر الله المحرّم .. فماذا تعرف عن هذا الشّهر .. وماذا يريد هذا الشّهر ؟

عرفنا ما يدعو إليه شهر رمضان، فقد كان داعيا للصّيام والقيام ..

عرفنا ما يدعو إليه شهر ذي الحجّة، فقد كان داعيا إلى حجّ بيت الله الحرام ..

فما هي الرّسالة الّتي يحملها إلينا هذا الشّهر العظيم ؟ وما الّذي يدعونا إليه هذا الضّيف الكريم ؟



مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ ؟
الصفحة 137 من 253

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.