أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: htoumiat@nebrasselhaq.com

الثلاثاء 05 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 07 جوان 2011 08:40

- تفسير سورة البقرة (25) تقرير الإيمان باليوم الآخر

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقال الله تبارك وتعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}.

بيان المناسبة:

فقد تتابعت الآيات السّابقة على الاستدلال على أصول التّوحيد، وأركان الإيمان، فدعا المولى تبارك وتعالى عباده إلى توحيده {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...}، وإلى الإيمان بكتابه، والإقرار برسالة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ...}، وذكر في أثناء ذلك ثواب أهل الإيمان ترغيبا، وعقاب أهل الشّرك والكفران ترهيبا.

فناسب بعد كلّ ذلك أن يتوجّه إليهم بدعوتهم إلى ما كانوا ينكرونه، ويستبعِدون وقوعه، ألا وهو: الإيمان باليوم الآخر.

شرح الألفاظ وبيان المعاني:

-( كيف تكفرون بالله ): استفهام إنكاري يراد به التعجّب. وكفرهم بالله عزّ وجلّ يشمل الإشراكَ به، وتكذيبَ رسوله، وإنكارَ البعث.

والظّاهر أنّه سبحانه وتعالى ينكِر عليهم في هذه الآية الكفرَ باليوم الآخر؛ لتتمّة الآية، فقال:

-( وكنتم أمواتا ): قبل أن تخلقوا أي معدومين، والعرب تسمّي الشّيء الخامل الذّكر ميّتا، حتّى إذا ظهر وانتشر قالوا: أحيوا ذكره.

وأموات جمع مَيْت، والأكثر أن يقال: لمن فارق الحياة ( ميْت )، ولمن هو مشرف على مفارقتها: ( ميِّت )، حكاه الجوهري عن الفرّاء؛ لذلك قال تعالى مخاطبا نبيّه صلّى الله عليه وسلّم:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزّمر:30]، قال أحد الأدباء:

أيا سائلي تفسير ميْتٍ  وميِّتٍ *** فدونك قد فسّرت ما عنه تسأل

فما كان ذا روح فذلك ميّت *** وما الميْتُ إلاّ من  إلى القبر يحمل

-( فأحياكم ): أي خلقكم ونفخ فيكم أرواحكم.

-( ثمّ يميتكم ): عند انقضاء آجالكم.

-( ثمّ يحييكم ): يوم القيامة.

والمعنى: كيف تكذّبون وتنكرون البعث، وقد كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم وخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى، فهاتان ميتتان وحياتان.

وهذه الآية مثل قوله تعالى:{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر من:11]، وقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:2]، روى الطّبريّ عن قتادة رحمه الله أنّه قال:"{ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} أجل حياتك إلى أن تموت، {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} وأجل موتك إلى أن تُبْعث ".

-( ثمّ إليه ترجعون ): أي تحشرون إلى الموقف بين يدي الله سبحانه، فيجازيكم بأعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شرّا فشرّ، كما قال عزّ وجلّ:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [سورة يس: 51].

ووجه الاستدلال بالآية على إثبات اليوم الآخر:

أنّ الكفّار مقرّون ومعترفون بأنّ الله خلقهم من العدم، قال الله عزّ وجلّ:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزّخرف: 87]، فمن كان قادرا على إنشائهم من العدم، أليس قادرا على أن يعِيد بعث أجسادهم ؟

لذلك قال تعالى في موضع آخر:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم: 37]، أي: إنّ الإعادة بمعيار الخلق أهون من البدء، لأنّ البدء ليس له مثال سابق، والإعادة لها مثال سابق. أمّا بالنّسبة إلى الله تعالى فكلّ ذلك هيّن.

ثمّ قال الله تعالى:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) }.

المناسبة:

بدأ المولى تبارك وتعالى في دعوة الخلق إلى الإيمان به، وبما أنزله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وباليوم الآخر، وذلك:

أ‌) بتذكيرهم نعمَه وآلاءَه الّتي هم فيها يتقلّبون، والنّفس الكريمة ميّالة إلى حبّ من أحسن إليها، وأنعم عليها.

ب‌) وبتذكيرهم عظيمَ قدرتِه وسعةَ علمِه، فالنّفس السويّة جُبِلت على الخوف من القويّ العزيز الّذي لا يُعجزه شيء، ولا يغيب عنه شيء.

شرح الألفاظ وبيان المعاني:

- ( هو الّذي ): لا غيره سبحانه.

- ( خلق لكم ): وهذا غاية الامتنان على الخلق، فإنّ اللاّم تفيد الملك.

-( ما في الأرض جميعا ): فيقول للعباد: كلّ ما على الأرض من مياه، وأشجار، وثمار، وبحار، ودوابّ، ملكٌ لكم، تحت تصرّفكم، كما قال في موضع آخر:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13].

-( ثمّ استوى إلى السّماء ): استوى في هذه الآية يحتمل معنيين اثنين لا خلاف بينهما عند التأمّل:

أ) أنّه بمعنى ( علا وارتفع )، على الأصل في استعمالها في القرآن الكريم، وهو اختيار الإمام الطّبريّ رحمه الله.

ب) أنّه بمعنى ( قصد )، وهو اختيار الحافظ ابن كثير رحمه الله؛ ذلك لأنّ استوى تكون بمعنى ( علا وارتفع ) إذا تعدّى بالحرف (على)، كما في مواضع كثيرة من القرآن:{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}. وفي هذه الآية تعدّى الفعل بالحرف (إلى)، فهو بمعنى (قصد).

ولا خلاف بين القولين، لأنّه  تبارك وتعالى إذا قصد السّماء وهي (العلوّ) يكون قد علا وارتفع عليها.

-( فسوّاهنّ سبع سماوات ): أي خلقهنّ سويّة تامّة مُحكمةً متقنة الصّنع، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.

-( وهو بكلّ شيء عليم ): أي: إنّه تعالى مع عِظَم السّماوات، وسعة الأرض فإنّه لا يخفى عليه شيء ممّا يحدث فيهما قال عزّ وجلّ:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد من :4].

من فوائد الآية:

- الفائدة الأولى: قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أتى بـ( ثمّ ) الّتي تفيد التّرتيب، ممّا يدلّ على أنّ خلق الأرض سابق على خلق السّماء، ولا يرد علينا قوله تعالى:{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، لأنّ ( دحاها ) أي: بسطها، وجعلها مسخّرة.

وذلك يوافق قوله تعالى:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} [فصّلت].

- الفائدة الثّانية: ( الأصل في الأشياء الإباحة ).

قوله تعالى:{هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ ماَ فيِ الأَرْضِ جَمِيعاً} دليل على هذه القاعدة، ووجه الدلالة من وجهين اثنين:

الأوّل: أنّ هذه الآية وردت في سياق الامتنان، وأبلغ درجات الامتنان الإباحة.

الثّاني: أنّ الله عزّ وجلّ أضاف ما خلق لنا باللاّم، واللاّم تفيد الملك - كما سبق بيانه - وأدنى درجات الملك إباحة الانتفاع.

وهو قول جمهور أهل العلم كما في " الأشباه والنظائر للسّيوطي " (ص 60)، و" الأشباه والنظائر " لابن نجيم (ص 66)، و" المنثور في القواعد " للزركشي (1/176) (2/70)، و" مختصر القواعد الفقهية " للعلائي (2/589).

ويؤيّد ذلك ما يلي:

- قوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الّتيِ أَخْرَجَ لِعِباَدِهِ وَ الطَّيِّياَتِ مِنَ الرِّزْقِ ...} الآية.

ففي هذه الآية إنكار على من حرّم شيئا بلا دليل، فدلّ ذلك على أنّ الأصل الإباحة.

- قوله تعالى:{وَماَلَكُمْ ألاَّ تَأْكُلُوا  مِماَّ  ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ماَ حَرَّمَ  عَلَيْكُمْ}

فهذه الآية دليل على أنّ ما حرّمه الله قد بيّنه وما سواه حلال، ولو كان الأصل هو التّحريم لبيّن الحلال، لأنّ ما يخالف الأصل هو ما يحتاج إلى تبيين وتفصيل، لا الأصل.

- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( الحَلاَلُ مَا أَحَلَّهُ اللهُ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ )) .1

- ما رواه البخاري ومسلم عن سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ )).

- ثمّ إنّه لو كان الأصل في الأشياء هو التّحريم، لكان على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو أيضا أن يبيّن الحلال فحسب، ولا داعي لأن يبيّن الحرام، وهذا يردّه النظر والواقع.

وثمرة المسألة: أنّ الّذي يذهب إلى تحريم شيء ما، هو المطالب بالدّليل، أمّا من يذهب إلى الإباحة، فهو مستمسك بالأصل.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم.



[1] أخرجه التّرمذي، وابن ماجه، عن سلمان رضي الله عنه، وله شواهد كثيرة يصير بها صحيحا إن شاء الله كما في "السّلسلة الصحيحة".

أخر تعديل في الثلاثاء 05 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 07 جوان 2011 09:01

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.