وفرّقه ابن حبّان في "صحيحه" في موضعين، فذكر المنيحة في موضع، والتّهليل في آخر].
شرح الحديث:
- قوله: ( من منح منيحةً ): أي: أقرض قرضاً، قال النّووي رحمه الله:
" قال أهل اللّغة : المِنحة - بكسر الميم - والمنيحة - بفتحها مع زيادة الياء - هي العطيّة، وتكون في الحيوان وفي الثمار وغيرهما، وفي الصّحيح أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم منح أمَّ أيمن عذاقا، أي: نخيلا.
ثمّ قد تكون المنيحة عطيّة للرّقبة بمنافعها وهي الهبة، وقد تكون عطيّة اللّبن أو الثّمرة مدة "اهـ.
قال التّرمذي رحمه الله:" ومعنى قوله: ( مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ ) إنّما يعني به قرضَ الدّراهم".
ومنه ما رواه مسلم عن أبِي هريرَةَ رضي الله عنه عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً غَدَتْ بِصَدَقَةٍ وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ صَبُوحِهَا وَغَبُوقِهَا ))، أي: من أعار أخاه ناقةً ونحوها، فهو كمن تصدّق بها.
- ( وَرِقٍ ): هي الدّراهم من الفضّة، ومنه قوله تعالى:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}.
- قوله: ( أَوْ هَدَى زُقَاقًا ): أي دلّ النّاس على طريق، قال التّرمذي رحمه الله:" يعني به هدايةَ الطّريقِ ".
- ( فَهوَ كَعِتْق نَسَمَةٍ ): النّسمة هي النّفس، وقد مرّ معنا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا )).
والشّاهد من الحديث أنّ من قال:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فهو كمن أعتق نسمة.
الحديث الثّالث:
عن عمرِو بنِ شعيْبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " )).
[رواه التّرمذي وقال: " حديث حسن غريب "].
شرح الحديث:
قال الباجي رحمه الله في "شرح الموطّأ":" يعني: أكثرُ الذّكرِ بركةً، وأعظمُه ثواباً وأقربُه إجابةً ".
وقد مرّ معنا مرارا أنّ الثّناء على الله دعاء أيضا، ويؤيّد هذا ما رواه التّرمذي عن سعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ )).
ومصداق ذلك الآية بعدها:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88].
ويؤيّده أيضا ما رواه البخاري ومسلم عنْ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول عند الكرب: (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الْكَرِيمِ )).
ويؤيّده أيضا ما رواه البيهقيّ عن سعد بنِ أبي وقّاص رضي الله عنه أنّ أعرابيّا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: علِّمْنِي دعاءً لعلَّ اللهَ أن ينفعَني به ؟ قال: (( قُلْ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ )).
قال الحافظ المنذريّ رحمه الله عن هذا الذّكر:" وهي في "أذكار المساء والصّباح"، و"ما يقوله بعد الصّبح والعصر والمغرب"، و"ما يقوله إذا دخل السّوق"، وغير ذلك أحاديث كثيرة من هذا الباب "اهـ.