أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي


- شرح الأصول الثّلاثة (9) ملّة إبراهيم عليه السّلام (صوتي)

أرسل إلى صديق

العنوان

استماع المادة

تحميل المادة

تحميل الدّرس مكتوبا

- شرح الأصول الثّلاثة (09) ملّة إبراهيم عليه السّلام

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقال المؤلّف رحمه الله:

( اعلَمْ - أرشدَكَ اللهُ لطاعتِه - أنَّ الحنيفيةَ: مِلَّةَ إبراهيمَ، أنْ تعبدَ اللهَ وحدَهُ مخلصًا له الدِّين، وبذلك أَمَرَ اللهُ جميعَ الناس وخلَقهم لها، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56ومعنى {يَعْبُدُونِ}: يوحِّدونِ، وأعظمُ ما أَمرَ اللهُ به التّوحيدُ وهو: إفرادُ اللهِ بالعبادة، وأعظمُ ما نهى عنه الشّركُ، وهو دعوةُ غيرهِ معهُ، والدّليل قوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36] ).

الشّرح:

هذا شروع في رسالة " الأصول الثّلاثة "، وهي المسائل والقضايا الّتي يُسأل عنها العبد في قبره، فإذا كان من القائمين بها، العاملين بمقتضاها كان من النّاجين المفلحين، وإن كان من المضيّعين النّابذين لها كان من الهالكين الخاسرين.

  • · قوله رحمه الله: ( اعلم - أرشدك الله لطاعته - ): فذكّر بوجوب العلم بما سيذكره حتّى يُقبل القارئ بقلبه وسمعه على قوله.

وأتى بتلطّف ثالث بالمتعلّم وذلك بالدّعاء له بالرّشد.  

- ( أرشدك ): الرّشد والرّشاد هو الصّلاح وإصابة الصّواب، وهو ضدّ الغواية والضّلال، قال تعالى:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}، والرّشد أيضاً ضدّ السّفه، ومنه الحجر على السّفيه حتّى يرشُد. 

وإنّما اختار في هذا المقام الدّعاء بالرّشد لأمرين اثنين:

لأنّ أعظم الرّشد هو أن يكون العبدُ موحّدا مسلما لربّه، قال تعالى:{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجنّ: 14].

ولأنّه يذكّر ويدعو بملّة إبراهيم عليه السّلام، وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة من: 130].

- ( إلى طاعته ) وطاعة الله هي: موافقة مراد الله امتثالا.

فيدعو المصنّف رحمه الله لقارئ الرّسالة بأن يوفّقه الله ويسدّد خطاه إلى امتثال أمره بأعظم طاعة وهي تجريد التّوحيد الصّحيح لله، واجتناب نهيِه وهو مقارفة الشّرك بالله. 

  • · قوله رحمه الله: ( أنَّ الحنيفيةَ: مِلَّةَ إبراهيمَ، أنْ تعبدَ اللهَ وحدَهُ مخلصًا له الدِّين ): 

- الحنيفيّة: من الحنف، وهو الاستقامة على القول الصّحيح؛ لأنّه شاع في تفسير كلمة ( الحنيف ) في قوله تعالى:{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ونحوه، أنّ الحنيف هو المائل عن الشّرك قاصدا التّوحيد، ومنهم من لا يذكر غيره. 

واستدلّوا على ذلك بأنّ ( الحنف ) هو الميل في الرّجل، ومنه قول أمّ الأحنف بن قيس:

واللهِ لولا حنفٌ برجله *** ما كان في فتيانكم من مثله

والحقّ أنّه يمكن أن يكون بمعنى المستقيم على التّوحيد، وذلك يستلزم الميل عن الشّرك، وبمعنى الاستقامة فسّره محمّد بن كعب القرظي وعيسى بن جارية كما في " تفسير ابن كثير ".

ولم يذكر الطّبريّ رحمه الله غيرَه، فقال:" وأمّا الحنيف فإنّه المستقيم من كلّ شيء. وقد قيل: إنّ الرجل الّذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى إنّما قيل له ( أحنف ) نظرا له إلى السلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد "المفازة"، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة، وكما قيل للديغ:"السليم"، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك، وما أشبه ذلك ".اهـ

وقال ابن قتيبة رحمه الله:" الحنف: الاستقامة، وسمّي الأحنف على سبيل التفاؤل، كما سمّي اللّديغ سليماً ".

وعلى كلا القولين فإنّ الحنيفيّة هي الاستقامة على التّوحيد. وكان كلّ من استقام من العرب على الحقّ ومال عن عبادة الأصنام يسمّى بالحنيفيّ، كقسّ بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل.

روى البخاري عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنّ زيْدَ بنَ عمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خرَجَ إلى الشَّامِ يَسْأَلُ عن الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فلَقِيَ عالمًا من اليهودِ، فسأَلهُ عن دِينِهِم، فَقَالَ:

إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فأَخْبِرْنِي. فقال: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ من غضبِ اللهِ ! قال زيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا ! وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟

قالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قال زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ ؟ قال: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ.

فَخَرَجَ زَيْدٌ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فقال: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ منْ لَعْنَةِ اللهِ ! قال: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا ! وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ ؟ فهلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟

قال: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قال: وَمَا الْحَنِيفُ ؟ قال: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ.

فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ في إِبْرَاهِيمَ عليه السّلام خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ، رَفَعَ يَدَيْهِ، فقال: اللّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ.

ووصف المصنّف الحنيفيّة قائلا:

  • · ( مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ): المِلَّة: الشّريعة والدّين وفي الحديث: (( لاَ يَتوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى )) [رواه أبو داود]، وتُطلق على السنّة والطّريقة.

وجميع الأنبياء على ملّة التّوحيد، والميل عن الشّرك، وإنّما خصّ إبراهيم عليه السّلام بالذّكر لأمور:

أ) أنّ الله تعالى قد خصّ نبيّه إبراهيم عليه السّلام بهذا الوصف في آياتٍ كثيرة.

ب) لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمِر باتّباع ملّة إبراهيم عليه السّلام.

ج)  أنّ ذلك إلزام للمشركين، واليهود والنّصارى؛ إذ جميع الملل والنِّحل كانوا يدّعون الانتساب إلى إبراهيم عليه السّلام، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأقام عليهم الحجّة، وبيّن لهم أنّ ملّة إبراهيم هي تجريد التّوحيد لربّ العبيد.

لذلك قال تعالى:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135]، وقال:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)} [آل عمران].

د) أنّ إبراهيم عليه السّلام أبو الأنبياء، فهو ثاني أولي العزم من الرّسل، وما من نبيّ إلاّ وطعنت فيه بعض الملل والنّحل، إلاّ إبراهيم عليه السّلام، ذكر ابن القيّم رحمه الله في " بدائع الفوائد " عن الإمام أحمد رحمه الله قال في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السّلام:{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت من: 27] قال:" الثّناء، يتولّى إبراهيمَ المللُ كلّها ".

  • · قوله: ( أنْ تعبدَ اللهَ ): وعبادة الله تعالى هي غاية الحبّ والتذلّل له، فمتى خلت العبادة من المحبّة كانت باطلة.

وهذا التّعريف للعبادة لا يخالف ما عرّفه به شيخ الإسلام رحمه الله، فهو حين قال:" اسم جامع لما يحيّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة "، فهو يشير إلى متعلّقات العبادة ولوازمها.

ومفهوم كلام المؤلّف رحمه الله: أنّ من لم يعبد الله لم يكُن على ملّة إبراهيم عليه السّلام. لكن، قد يعبُد الله ويعبد معه غيره، فقال:

  • · ( وحدَهُ ): أي: منفرِداً لا أحد معه.
  • · ( مخلصًا له الدِّين ): الإخلاصُ في اللّغة هو التَّصفيةُ والتَّنقيةُ من الشَّوائبِ والعيوبِ، قال تعالى:{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}.

واصطلاحاً: هو تَجريدُ العبادة والنِّيَّة لله عزّ وجلّ، حيث لا يُلتفتُ إِلَى الخلق، وإنَّما يقصد بِها الربُّ الحقّ سبحانه، وهو نوعان:

أ) فيُطلق الإخلاص فيقابل الشّرك الأكبر: قال تعالى{وَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت]، وغير ذلك من الآيات.

وفي قصّة إسلام عكرمة بن أبي جهل في سنن النسائي أنّه:" رَكِبَ البَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ، فقال أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا، فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا ! فقال عكرمةُ: واللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنْ البَحْرِ إِلَّا الإِخْلاصُ لا يُنَجِّينِي فِي البَرِّ غَيْرُهُ، اللّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أنْ آتِيَ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.

ب) ويطلق فيقابل الرّياء والشّرط الأصغر: كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِىءٍ مُؤْمِنٍ: إِخْلاَصُ العَمَلِ للهِ، وَالمُنَاصَحَةُ لِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ يُحِيطُ مَنْ وَرَائهم )).

لذلك كان لزاما على المؤمن أن يتعلّم مظاهر الشّرك اجتنابا للوقوع فيه.

فاشتراط الإخلاص في العبادة هو قطب التّوحيد، ومن عبد الله وعبد معه غيره، فإنّه ليس على ملّة إبراهيم عليه السّلام، فدلّ كلامه رحمه الله على أنّ التّوحيد، والملّة الحنيفيّة هي أن تُصرف جميع أنواع العبادات لله وحده، ولا يُشرك معه غيرُه.

  • · قوله رحمه الله: ( وبذلك ) أي: وبإخلاص العبادة لله، وبتجريد التّوحيد.
  • · ( أَمَرَ اللهُ جميعَ النّاس وخلَقهم لها، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}): قال أهل العلم: ولو قال: جميع الخلق، لكان أولى، ليوافق الدّليل المدلول عليه؛ ففي الآية ذكر الجنّ والإنس.

وفي الآية بيان علّة خلق الله للعباد، وعلّة ما سخّره تعالى لهم ممّا في السّموات والأرض جميعا منه، وعلّة ما يرزقهم به، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.

وهو ما عجز عن فهمه وإدراكه الفلاسفة، فجعلوا علّة الوجود من أعظم أسرار الكون، فقال قائلهم:

جئتُ لا أعـلم من أين، ولكني أتيتُ *** ولقد أبصرت قُدّامي طريقا فمـشـيـتُ

وسأبقى ماشيا، إن شئت هذا أم أبيتُ *** كيف جئت ؟ كيـف أبصرت طريـقي ؟

لست أدري !

فناسب أن يقال لهم: لا دريتم ولا تلوتم !

  • · قوله: ( ومعنى {يَعْبُدُونِ}: يوحِّدونِ ): هذا التّفسير يُروَى عن ابن عبّاس، وأصحّ منه ما رواه الطّبريّ رحمه الله عنه قال: إلاّ ليُقِرّوا بعبادتي طوعاً أو كرهاً. فالمعنى كما قال ابن كثير رحمه الله: أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم.

قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُم الفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ}، وقال:{إِن تَكفُرُوا أَنتُم وَمَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

فيدخل في العبادة: توحيد الله، ومظاهر العبادة القوليّة والفعليّة جميعها. فما خلق الله العباد ولا رزقهم إلاّ للقيام بهذا الواجب العظيم، وانظر إلى قد فرض الصّلاة أوّل ما فرضها خمسين صلاة في اليوم واللّيلة وكأنّ العبد لم يُخلق إلاّ لأَجل العبادة !

وروى الإمام أحمد عن أبي واقِدٍ اللّيْثِيِّ رضي الله عنه قال: كنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا، فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: (( إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ قالَ:{ إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ })).

وفي سنن التّرمذي عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ )). والتفرّغ: هو القيام بما خُلِق من أجله من إقامة العبوديّة: إقام الصّلاة، وسدّ حاجة المسكين، وإغاثة الملهوف، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والإصلاح بين النّاس، وغير ذلك.

وإنّما فسّر المؤلّف رحمه الله ( يَعْبُدُونِ ) بقوله: ( يوحّدونِ )؛ لأنّ التّوحيد هو أساس العبادة وأصلها، ودونه لا يقبل من العبد صرفٌ ولا عدلٌ.

فالكافر المشرك لم يحقّق الغايةَ الّتي خلق من أجلها.


 

 

  

  

 : 

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.