أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: htoumiat@nebrasselhaq.com

الاثنين 10 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 18 أكتوبر 2010 11:43

- أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

فإنّ الأمّة الإسلاميّة قد أجمعت على ضرورة التّحاكم إلى الكتاب والسنّة، ولكنّ الفِرَق اختلفت، والطّوائف والجماعات عن هذا الصّراط انحرفت، عندما أعرضت عن ركن ثالث لا يمكن فهم الوحي إلاّ به، ألا وهو فهم سلف هذه الأمّة لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.

فإنّ الله حين أمرنا باتّباع صراطه المستقيم بيّن لنا أنّه صراط الّذين أنعم عليهم، ولم يكتف بمدح الصّراط دون بيان من سلكه.

قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين " (1/13):

" فكلّ من كان أعرف للحقّ وأتبعَ له كان أولى بالصّراط المستقيم، ولا ريب أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصّفة .. ولهذا فسّر السّلف الصّراطَ المستقيم بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .." اهـ.

ذلك لأنّهم شهدوا التّنزيل، وشاهدوا من هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جعلهم فقهاء بالتّأويل، وهم أبرّ النّاس قلوبا، وأصفاهم عقولا، وأصحّهم رأيا، وأنقاهم فطرة.

*أدلّة هذا الأصل.

  • - الدّليل الأول: قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].

فلا أحد يمكنه أن يَحْظى برضا الله تعالى إلاّ إذا اتّبع طريقهم وسلك سبيلهم، فهؤلاء جاء الدّليل على أنّهم وصلوا إلى رضى الرّحمن، فلا يُترك سبيلهم إلى سبيل من لا يُعلم في حقّه ذلك.

  • - الدّليل الثّاني: قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115].

فمشاقّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده كفيلة بهذا الوعيد الشّديد، ولكنّ الله أراد أن ينبّه على ضرورة فهم أصحابه الكرام، فضمّ إلى مشاقّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم مجانبَةَ سبيل المؤمنين.

  • - الدّليل الثّالث: ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )).

والشّاهد: أنّه لا يُعقل أبدا تركُ من شهِد لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالخيريّة والرّكون إلى غيرهم.

  • - الدّليل الرّابع: ما رواه أبو داود والدّارميّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَامَ فِينَا فَقَالَ: (( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )).

فانظر وتأمّل أنّه ما اكتفى بأن يصف الفرقة النّاجية باتّباع الكتاب والسنّة - مع أنّه لا يُتصوّر خروجها عنهما - ولكنّه وصفها بالجماعة، للتّنبيه على أنّه لا بدّ من فهم الجماعة للوحيين، والجماعة هم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمور ثلاثة:

1- الأوّل: أنّه لم يكن يومئذ جماعة غيرهم رضي اله عنهم.

2- الثّاني: أنّه لم يمرّ على هذه الأمّة عصر اجتمعت فيه كلمتها إلاّ في عصر الصّحابة رضي اله عنهم.

3- جاءت رواية الحاكم تفسّر الجماعة حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي )).

  • - الدّليل الخامس: ما رواه أبو داود والتّرمذي وغيرهما عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ:

(( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).

قال الإمام الشّاطبيّ رحمه الله في " الاعتصام " (1/104):

" فقرن صلّى الله عليه وسلّم - كما ترى - سنّة الخلفاء الرّاشدين بسنّته، وأنّ من اتّباع سنّته اتّباع سنّتهم، وأنّ المحدثات خلاف ذلك، ليست منها في شيء، لأنّهم رضي اله عنهم فيما سَنُّوا:

إمّا متّبعون لسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم نفسها.

وإمّا متّبعون لما فهموا من سنّته صلّى الله عليه وسلّم في الجملة والتّفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثلُه "اهـ.

* ومن الآثار في ذلك:

 

  • * ما رواه ابن عبد البرّ في " جامع بيان العلم " (2/97) عن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّياً فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقَهَا عِلْماً، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفاً، وَأَقْوَمَهَا هَدْياً، وَأَحْسَنَهَا حَالاً، قَوْماً اخْتَارَهُمْ اللهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الهُدَى المُسْتَقِيمِ ).

  • * وقد رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنه.
  • * وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ ).

والمقصود بقوله: ( المسلمون ) هم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

لذلك:

  • * قال الإمام أحمد - كما في " شرح أصول اعتقاد أهل السنّة " لللاّلكائيّ (317)، و" مناقب الإمام أحمد "(ص230)-:
  • " أصول السنّة [أي: العقيدة ] عندنا التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والاقتداء بهم ".
  • وقال الشّيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله-كما في " الآثار " (5/73)-:
  • " الإسلام إنّما هو في كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما كان عليه سلفنا من أهل القرون الثّلاثة المشهود لهم بالخيريّة على لسان الصّادق المصدوق ".

ومن ثمّ بُثّت قواعد فرعيّة لدى أهل العلم تندرج تحت هذا الأصل منها:

* القاعدة الأولى: لا يُرفع الخلاف إلاّ بفهم الأسلاف.

- مثال على ذلك: قوله تعالى:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: من الآية37]:

هذه الآية تمسّك بها من يتّبع ما تشابه من القرآن الكريم، فأخذوا منها أنّ من دخل النّار فإنّه لا تنفعه شفاعة أحدٍ، فحملوها على عُصَاة الموحّدين، مع أنّها تخصّ الكافرين المشركين، وهذه الشّبهة كان قد أوردها أحد التّابعين المخلصين على جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

روى مسلم عن يزيدَ الفقيرِ[1] قال:

كنت قد شغفني رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحجّ، ثمّ نخرج على النّاس! قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدّث القومَ جالسٌ إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنّميين، [يقصد ما رواه مسلم أيضا عن جَابِرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ، يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إِلَّا دَارَاتِ[2] وُجُوهِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ))].

قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ! ما هذا الّذي تحدِّثون، والله يقول:{إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}، وَ{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} ؟ فما هذا الّذي تقولون ؟

فقال: أتقرأُ القرْآن ؟ قلت: نعم.

قال: فهل سمعت بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم - يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ - ؟. قلت: نعم.

قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ، قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ.

قال يزيد: فرجعنا قلنا: ويحكم ! أترون الشّيخ يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟!

فرجعنا، فلا والله ما خرج منّا غير رجل واحد.

وفي رواية ابن مردويه أنّ جابرا رضي الله عنه قال له: اُتْلُ أَوَّلَ الآيَةِ:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ} الآيةَ، أَلاَ إِنَّهُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا.

- مثال آخر: قال الإمام الآجرّي رحمه الله في " الشّريعة " (1/455):

" بلغني عن المهتدي رحمه الله أنّه قال: ما قطع أبي - يعني الواثقَ - إلاّ شيخٌ جيء به من المصيصة، فمكث في السّجن مدّةً، ثمّ إنّ أبي ذكره يوما، فقال: عليّ بالشّيخ، فأتي به مقيّدا، فلمّا أوقف بين يديه سلّم، فلم يردّ عليه السّلام.

فقال له الشّيخ: يا أمير المؤمنين، ما استعملت معي أدب الله تعالى، ولا أدب رسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: من الآية86]، وأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بردّ السّلام.

فقال له: وعليك السّلام. ثمّ قال لابن أبي دؤاد: سَلْهٌ !.

فقال: يا أمير المؤمنين: أنا محبوس مقيّد، أصلّي في الحبس بتيمّم، مُنِعت الماء، فمرْ بقيودي تُحَلّ، ومُرْ لي بماء أتطهّر وأصلّي، ثمّ سلني.

فأمر، فحلّ قيده وأمر له بماء، فتوضّأ وصلّى، ثمّ قال لابن أبي دؤاد: سله.

فقال الشّيخ: المسألة لي، تأمره أن يجيبني. فقال: سل.

فأقبل الشّيخ على ابن أبي دؤاد فقال: أخبرني عن هذا الّذي تدعو النّاس إليه، أشيءٌ دعا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ قال: لا.

قال: فشيء دعا إليه أبو بكر الصدّيق بعده ؟ قال: لا.

قال: فشيء دعا إليه عمر ابن الخطّاب بعدهما ؟ قال: لا.

قال: فشيء دعا إليه عثمان بن عفّان رضي الله عنه بعدهم ؟ قال: لا.

قال: فشيء دعا إليه عليّ بن أبي طالب بعدهم ؟ قال: لا.

قال: فشيء لم يدع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ رضي الله عنهم، تدعو أنت النّاس إليه ؟!

ليس يخلو أن تقول: علموه أو جهلوه، فإن قلت: علموه وسكتوا عنه، وسِعَنا وإيَّاك ما وسع القومَ من السّكوت، وإن قلت: جهلوه وعلمته أنا، فيا لكع بن لكع، يجهل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاءُ الرّاشدون رضي الله عنهم شيئا تعلمه أنت وأصحابك ؟

قال المهتدي: فرأيت أبي وثب قائما ودخل الحيرى[3]، وجعل ثوبه في فيه يضحك ؟ ثمّ جعل يقول: صدق ..." وجعل يردّد ما قاله الشّيخ.

زاد غير الآجري: " وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحِن بعدها أحدًا ".

وفي رواية قال المهتدي:" فرجعتُ عن هذه المقالة، وأظنّ أنّ أبي رجع عنها منذ ذلك الوقت "[4].

الشّاهد: أنّ ردّ النّاس إلى سيرة السّلف الصّالح يرفع الخلاف ويدفع الشّقاق والنّزاع، وصدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: " لا يُصلح آخرَ هذه الأمّة إلاّ ما أصلح أوّله ".

* القاعدة الثّانية: علم السّلف أسلم وأعلم وأحكم.

طائفة خرست أمام الأدلّة الواضحة على ضرورة اتّباع سبيل ومنهج السّلف الصّالح، فما طعنوا في منهجهم بصراحة كما فعل كثير من أهل البدع، لكنّهم ستروا طعنهم بما ظاهره ثناء ومدح، فقالوا: منهج السّلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم.

وفي هذا الكلام مغالطتان:

الأولى: أنّهم يقصدون بمنهج السّلف منهج المفوّضة، وهو تعطيل المعاني الّتي دلّت عليها نصوص الصّفات.

الثّانية: ماذا يقصدون بالسّلامة ؟

فإن كان قصدهم أنّ التّسليم أسلم، وأنّهم رضُوا بأن لا يُخاض في نصوص الصّفات، فذاك واجب على كلّ مكلّف.

وإن كان قصدهم أنّهم ما فهموا معاني النّصوص الواردة في الصّفات! وأنّهم لا يُحسنون الاستدلال بالمعقول وغرائب الألفاظ ودقائق التّأويلات كما يفعله الخلف ! فذاك هو الطّعن بعينه في منهجهم.

وقائل هذه المقولة أحد رجلين:

- إمّا أن يكون جاهلاً بحقيقة مذهب السّلف - وهذا حُرم حسنُ الفهم-.

وإمّا أن يكون رجلَ سوءٍ - وهذا حُرم حسن القصد-.

فأمّا الأوّل فعلاجه أن يبيّن له منهج السّلف بأدلّته.

وأمّا الثّاني فلا علاج له إلاّ درّة عمر رضي الله عنه يضرب بها على رأسه صباح مساء حتّى تخرج الشّياطين من رأسه، ولا ينبّئك مثل صبيغ.

والحمد لله ربّ العالمين


[1] قال النّوويّ رحمه الله: " هو يزيد بن صهيب الكوفيّ ثمّ المكّي أبو عثمان قيل له: ( الفقير ) لأنّه أصيب في فقار ظهره، فكان يألم منه حتّى ينحني له ".

[2] هو ما يحيط بالوجه من جميع جوانبه، قال النّوويّ: " لكونها محلّ السّجود "، وفي حديث آخر: ( إلاّ موضع السّجود ).

[3] هكذا في بعض النّسخ، وهي مكان يشبه الحظيرة كما في " لسان العرب ".

[4] قال الذّهبي في " السّير " (11/313): " هذه القصّة مليحة، وإن كان في طريقها من يُجهل، ولها شاهد "، وممّن رواها مسندة من طرق ابن بطّة في " الإبانة " (452) والخطيب في " تاريخ بغداد " وابن الجوزيّ في " مناقب الإمام أحمد " (457) وعبد الغنيّ المقدسيّ في " المحنة " (169) وابن قدامة في " التوّابين " (210).

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 12:10

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.