أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

الثلاثاء 03 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 08 مارس 2011 07:34

- السّيرة النّبويّة (36) الإسراء والمعراج.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد أكرم الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بأن مكّنه من دعوة طائفة من الجنّ، فأسلموا على يديه .. الجنّ الّذين يُضرب بهم المثل في الشدّة والبعد عن الخير .. وكأنّ الله عزّ وجلّ يقول له: لئن كذّبك الإنس من أهل مكّة والطّائف، فليس ذلك لتقصير منك في دعوتهم، أو تفريطٍ في إرشادهم، ولكنّ الشّأن كما قال عزّ وجلّ:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}.

بل إنّ الله أكرمه بدل أولئك المعاندين بأفضل الخلق أجمعين، وهم سادات المرسلين وخير النّبيّين عليهم السّلام، فكانت:

حادثة الإسراء والمعراج.

الإسراء: هو من السُّرى والسَّرْيَة، وهو السّير ليلا، وإنّما قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء: من الآية1] مع أنّ الإسراء لا يكون إلاّ ليلا؛ للدّلالة على التّقليل، وأنّ الإسراء تمّ في جزء من أجزاء اللّيل، لا في اللّيل كلّه.

والإسراء: تكريم أرضيّ حدث من مكّة إلى بيت المقدس ليزداد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثباتا على مقام الدّعوة، لذلك قال تبارك وتعالى:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، وكان من جملة ما أكرمه الله به من الآيات: تكريم آخر سماويّ، وهو: المِعراج..

وأراد الله تعالى أن يذكّرنا بأنّ هذا المقام قد سبقه مقام آخر هو أعظم من كلّ مقام، وهو تحقيق العبوديّة لله تعالى، فلم يصفه الله تعالى هنا بأعظم من قوله:{بِعَبْدِهِ}..

قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين" (1/102):

" ووصف أكرمَ خلقه عليه، وأعلاهم عنده منزلة، بالعبوديّة في أشرف مقاماته، فقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: من الآية23]، وقال تبارك وتعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: الآية1]، وقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: من الآية1]، فذكره بالعبوديّة في مقام إنزال الكتاب عليه، وفي مقام التّحدي بأن يأتوا بمثله.

وقال:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجـن:19]، فذكره بالعبوديّة في مقام الدّعوة إليه، وقال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء: من الآية1] فذكره بالعبودية في مقام الإسراء ". اهـ.

ومن محاسن القرآن وبدائعه: أنّ ترتيب هذه السّورة جاء موافقا لأحداث سيرته صلّى الله عليه وسلّم، فقبل هذه السّورة كانت خواتيم سورة (النّحل)، وكأنّها تسلّيه عمّا أصابه صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]، ثمّ يأمره الله تعالى بالدّعوة إلى الله والصّبر عليها:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}..ثمّ أكرمه الله قائلا:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1].

تنبيه:

لا بدّ أن نعلم أنّه لا أحد يعلم تاريخ الإسراء والمعراج بالتّحديد إلاّ الله عزّ وجلّ ومن أطلعه على ذلك؛ لأنّه ليس هناك دليل صحيح يدلّ عليه، وإنّ من حدّد ليلتها فقد رام رجما بالغيب، كالّذين يقولون إنّها كانت في اللّيلة السّابعة والعشرون من رجب.

قال الشّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى:

" وهذه اللّيلة الّتي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأتِ في الأحاديث الصّحيحة تعيينُها، لا في رجب ولا في غيره، وكلُّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند أهل العلم بالحديث ".

وقال: " ولله الحكمة البالغة في إنساء النّاس لها، ولو ثبت تعيينُها لم يجزْ للمسلمين أن يخصُّوها بشيء من العبادات، ولم يجزْ لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لم يحتفلوا بها ولم يخصُّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبيَّنه الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم للأُمّة، إمّا بالقول، وإمّا بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرفَ واشتهر، ولَنَقَلهُ الصّحابة إلينا، فقد نقلوا عن نبيِّهم صلّى الله عليه وسلّم كلَّ شيء تحتاجه الأُمّة، ولم يُفرِّطوا في شيء من الدّين، بل هم السّابقون إلى كلِّ خير، ولو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق إليه.." الخ.

وخلاصة القول: أنَّ البدع زيادةً على أنها إحْدَاثٌ في الدِّين وتغييرٌ للملّة؛ فهي آصارٌ وأغلالٌ تُضاع فيها الأوقات، وتُنفق فيها الأموال، وتُتْعب فيها الأجساد ! والله المستعان.

كلُّ ما نقطع به أنّ الإسراء حدث في ليلة من اللّيالي قبل الهجرة، وبما أنّ الأمر كذلك، فلْنَدَعْ هذا الضّجيج المحيط بتوقيت وتحديد هذه اللّيلة، ودعونا نتسلّل إلى مكّة حيث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

كانت ليلة لا تختلف عن سائر اللّيالي، يهدأ الجميع فيها: الصّحابة يهدءون بعد تعب الأذى والمطاردة، والمشركون يهدءون بعد ما بذلوه من طاقة في التّعذيب والتّشريد.

وفي هذا الهدوء تجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول - كما في الصّحيحين عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم:

(( فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي، وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السّلام، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ..))..

شقّ للسّقف، سقف بيته بدار أمّ هانئ، ثمّ شقّ للصّدر.

وظاهر هذه الرّواية أنّ ذلك تمّ في بيته.

والصّواب أنّ ذلك تمّ عند بئر زمزم، روى البخاري ومسلم عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَذَكَرَ رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ - فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنْ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ[1] الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا )).

وقد سبق أن بيّنّا أنّ العلماء اختلفوا في عدد مرّات شقّ صدره صلّى الله عليه وسلّم، فأكثر ما قيل إنّ ذلك خمس مرّات، وأقلّ ما قيل: مرّة واحدة، والصّواب أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شُقّ صدره مرّتين اثنتين، ولا دليلَ على أخرى:

فالأولى كانت في صغره استعدادا لنزع حظّ الشّيطان منه صلّى الله عليه وسلّم.

والثّانية كانت هذه اللّيلة المباركة استعدادا لتلقّي ما سيراه من آيات الله في الأرض والسّماء.

وبعد ذلك التّطهير، أُتِيَ صلّى الله عليه وسلّم بالبُرَاق، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تتمّة الحديث السّابق:

(( وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ[2] دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ[3] )).

وروى التّرمذي عن أنسٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام: ( مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ وَاللهِ مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ ) قَالَ: فَأرْفَضَ عَرَقًا. [أي جرى وركض حتّى سال عرقه].

وقد نسج الكاذبون، الّذين يختصّون بنسج الأساطير عدّة خرافات لهذا البراق، فادّعوا: أنّ رأسه رأس آدميّ ! وأنّ عَرفه من اللّؤلؤ ! وأذنيه من الزمرّد ! وغير ذلك من الأكاذيب، ولم يصحّ في وصفه إلاّ أنّه طويل، خطوته تصل إلى منتهى طرفه.

فقد روى مسلم عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ )).

وفي رواية أحمد وأبي داود الطّيالسي (2/91) عن حذيفةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه أنّ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ أَنَا وَجِبْرِيلُ عليه السّلام حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ )).

وبدأت الرّحلة إلى بيت المقدس - أعاده الله للمسلمين بخير - لتبدأ بعدها آيات الله الظّاهرة، وآلاؤه الباهرة.

وهذا ما سنتطرّق إليه لاحقا إن شاء الله.



[1] ما لان من البطن ورقّ.

[2] ذكّره باعتبار المركوب.

[3] قال في "تحفة الأحوذي":" مشتقّ من البريق، فقد جاء في لونه أنّه أبيض، أو من البرق لأنّه وصفه بسرعة السّير ".

أخر تعديل في الثلاثاء 03 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 08 مارس 2011 07:39

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.