أَشْعَثَ أَغْبَرَ.
يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ.
يَا رَبِّ يَا رَبِّ.
إنّه صلّى الله عليه وسلّم يذكر أسباب إجابة الدّعاء:
أوّلها: إطالة السّفر.
وهو من أسباب إجابة الدّعاء، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ لِوَلَدِهِ )) [رواه أبو داود].
والثّاني: حصول التبذّل في اللّباس والهيئة بالشّعَث والغُبْرة.
وهو من أسباب إجابة الدّعاء أيضا، كما في الحديث المشهور عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ )) [رواه الطبراني في "الأوسط" وهو في "صحيح التّرغيب والتّرهيب" (3212)].
ولمّا خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للاستسقاء خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا.
الثّالث: مدّ اليدين إلى السّماء.
وهو من آداب الدّعاء الّتي يرجى بسببها إجابته، وفي حديث سلمان رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ )) [رواه أحمد، وأبو داود، والتّرمذي، وابن ماجه].
والرّابع: الإلحاح في الدّعاء.
وفي الحديث إلحاحٌ على الله بتكرير ذكر ربوبيّته عزّ وجلّ، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدّعاء.
وكان ذلك من هديه صلّى الله عليه وسلّم، ففي صحيح البخاري عنْ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم - أي يومَ بدر -: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ! اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ !)) فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ.
وروى مسلم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ:" كَانَ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ".
كلّ هذه الأسباب أتى عليها شيءٌ واحدٌ فقضى عليها ! شيءٌ واحدٌ حجب الدّعاءَ ومنع إجابتَه !
إنّه المال الحرام ! فقال صلّى الله عليه وسلّم:
(( وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ )).
- قيل لسعدِ بنِ أبي وقّاص رضي الله عنه: تُستجابُ دعوتُك من بين أصحابِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ فقال:" مَا رفعت إلى فمي لقمةً إلاّ وأنا عالِمٌ من أين مجيئُها ومن أين خرجت ؟ ".
- وعن وهب بن منبه قال:" من سرّه أن يستجيب الله دعوته فليطيِّب طعمتَه ".
- وعن يوسفَ بنِ أسباطٍ قال:" بلغنا أنّ دعاء العبدِ يُحبَس عن السّموات بسوء المطعم " !
هذا في زمانهم الّذي قلّت فيه الشّبهات، وندرت فيه الشّهوات، فكيف بزمنٍ يصدُقُ فيه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ )) [رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
- فمن ناشد النّصر والتّمكين، فليتذكّر قول الصّادق الأمين: ((إنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا: بِدَعْوتِهِمْ، وَصَلاَتِهِمْ، وَإِخْلاَصِهِمْ )). [رواه البخاري والنّسائي وغيره عن سعدِ بنِ أبِي وقّاصٍ رضي الله عنه].
والله المستعان، وعليه التّكلان.