" هكذا يجب علينا نحن أن نفعل. لكنّ الأعمالَ القبيحة والنّياتِ الفاسدةَ منعت من ذلك، حتّى ينكسرَ العددُ الكبير منّا قدّام اليسير من العدوّ كما شاهدناه غير مرّة، وذلك بما كسبت أيدينا !".
- وردّ على غلاة المتصوّفة عند تفسير قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة من: 34]، فقال رحمه الله:
" وهذا السّجودُ المنهيّ عنه قد اتّخذه جُهّال المتصوّفة عادةً في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله، سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضلّ سعيهم وخاب عملهم ! ".
- وردّ عليهم عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال من: 2] فقال رحمه الله:
" فهذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهّالُ العوامّ والمبتدعةُ الطّغام من الزّعيق والزّئير ومن النّهاق الّذي يشبه نُهاق الحمير. فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع: لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله ".
- وعند تفسير قوله تعالى:{لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ...} [آل عمران من: 118]، قال رحمه الله:
" وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتّخاذِ أهلِ الكتاب كتبةً وأمناءَ، وتسوّدوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء ".
- والقرطبي كابن العربي رحمهما الله، فكثيرا ما كان يشكو كلاهما من مِصْرَ والفسادِ الّذي عمّ فيها:
فهذا ابن العربيّ رحمه الله يقول في "أحكام القرآن" (1/611):" وقد كنت قلت لشيخنا الإمام الزّاهد أبي بكر الفهري: اِرْحَلْ عن أرض مصر إلى بلادك ... اِرْتَحِلْ إلى مكّة، أَقِمْ في جوار الله وجوار رسولِه؛ فقد علمتَ أنّ الخروج عن هذه الأرض فرضٌ لما فيها من البدعة والحرام ".
وهذا القرطبي رحمه الله يقول في (7/3):
" وقد انقلبتْ الأحوالُ في هذه الأزمان بإتيانِ المنجّمين والكُهّان، لا سيّما بالدّيار المصرية، فقد شاع في رؤسائِهم وأتباعِهم وأمرائِهم اتّخاذُ المنجّمين، بل ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقه والدّين فجاءوا إلى هؤلاء الكهنة والعرّافين فبهرجُوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السّراب والآل، ومن أديانهم على الفساد والضلال ".
ويقول في (12/224):
" أمّا دخولُ الحمّام في هذه الأزمانِ فحرامٌ على أهل الفضل والدّين؛ لغلبة الجهل على النّاس واستسهالِهم ... هذا أمرٌ بين الرّجال، فكيف من النّساء ! لا سيّما بالدّيار المصريّة؛ إذ حَمّاماتُهم خالية عن المظاهر التي هي عن أعين الناس سواتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم !".
- نموذج من كلام ابن تيمية رحمه الله.
ص 121 ذكر المؤلّف نماذجَ من تفسير ابن تيمية رحمه الله لبعض سورة الأحزاب.
- فنزّل أحداث غزوة الأحزاب على ما وقع أيامه مع التتار، فقال رحمه الله - كما في "المجموع" (28/440)-:
" فإذا قرأ الإنسان "سورة الأحزاب"، وعرف من المنقولات في الحديث والتفسير والفقه والمغازي كيف كانت صفة الواقعة التي نزل بها القرآن، ثم اعتبر هذه الحادثة بتلك، وجد مصداق ما ذكرنا، وأنّ النّاس انقسموا في هذه الحادثة إلى الأقسام الثّلاثة. كما انقسموا في تلك، وتبيّن له كثير من المتشابهات ". ومن وجوه الشّبه:
أ) تكالب المشركين من جميع القبائل واليهود على المسلمين، وقد تكالب التتار مع الأرمن والفرس وغيرهم على المسلمين.
ب) شدّة الريح الّتي جعلها الله من جنوده، كذلك زمن غزو التتار اشتدت الثلوج والأمطار والبرد على خلاف العادة.
قال في (28/445):" وكنّا نقول لهم: لا تكرهوا ذلك؛ فإن لله فيه حكمة ورحمة. وكان ذلك من أعظم الأسباب الّتي صرف الله بها العدوّ؛ فإنّه كثر عليهم الثّلج والمطر والبرد حتّى هلك من خيلهم ما شاء الله. وهلك أيضا منهم من شاء الله. وظهر فيهم وفي بقية خيلهم من الضعف والعجز بسبب البرد والجوع ما رأوا أنّهم لا طاقة لهم معه بقتال. حتّى بلغني عن بعض كبار المقدمين في أرض الشّام أنه قال: لا بيّضَ الله وجوهَنا: أَعَدُوُّناَ في الثّلج إلى شعْرِه ونحن قعودٌ لا نأخذهم ؟! وحتى علموا أنّهم كانوا صيداً للمسلمين لو يصطادونهم؛ لكن في تأخير الله اصطيادهم حكمة عظيمة ".
ج) محاصرة العدو للمسلمين من كل جانب، قال رحمه الله:
" وهكذا هذا العام. جاء العدو من ناحيتي علو الشام وهو شمال الفرات ... فزاغت الأبصار زيغا عظيما وبلغت القلوب الحناجر؛ لعظم البلاء ... وظن الناس بالله الظنونا ".
د) تخاذل المنافقين وطلبهم الانسحاب أو الاستسلام، فقال رحمه الله (28/450):
" وهكذا لما قدم هذا العدو كان من المنافقين من قال: ما بقيت الدولة الإسلامية تقوم فينبغي الدخول في دولة التتار. وقال بعض الخاصة: ما بقيت أرض الشام تسكن؛ بل ننتقل عنها إما إلى الحجاز واليمن وإما إلى مصر. وقال بعضهم: بل المصلحة الاستسلام لهؤلاء كما قد استسلم لهم أهل العراق والدخول تحت حكمهم".
هـ) اعتذار المنافقين بقولهم:{ بُيُوتُنَا عَوْرَةٌ } فقال رحمه الله (452):
" وهكذا أصاب كثيرا من الناس في هذه الغزاة. صاروا يفرون من الثغر إلى المعاقل والحصون وإلى الأماكن البعيدة كمصر. ويقولون: ما مقصودنا إلا حفظ العيال وما يمكن إرسالهم مع غيرنا. وهم يكذبون في ذلك ".
و) انصراف العدو من المعركة، فقال رحمه الله (463):
" فردهم الله بغيظهم حيث أصابهم من الثلج العظيم والبرد الشديد والريح العاصف والجوع المزعج ما الله به عليم. وقد كان بعض الناس يكره تلك الثلوج والأمطار العظيمة التي وقعت في هذا العام حتى طلبوا الاستصحاء غير مرة. وكنا نقول لهم: هذا فيه خيرة عظيمة، وفيه لله حكمة وسر فلا تكرهوه ".