الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
- أوّلاً: ما كان لوليِّ الفتاةِ أن يلجأَ إلى بُنيّات الطّريق، ويزوّجَ ابنتَه من رجلٍ يطالبُ بكتابةِ عقدِه عليها عندَ الموثّقِ ! فهذا أمرٌ جائزٌ شرعاً وقانوناً، ولكنّه يدلُّ على أنّ حالَ هذا الرّجلِ ليستْ سويّةً:
أ) فإمّا أنّه متزوّجٌ ولم ترضَ زوجتُه الأولى بزواجه من أخرى، ولا يختلفُ اثنانِ في أنّ هذا يُفضِي إلى نزاعٍ كبيرٍ، مخالفٍ للمقصدِ من الزّواج، وهو: الاستقرارُ والسّكينةُ والمودّةُ والرّحمةُ.
ب) أو أنّه ينوِي الطّلاقَ بعدَ قضاء وطرِه. وهذا لا يرضاه الرّجلُ السّويّ لابنتهِ، فكيف يرضاه لبناتِ غيره ؟!
لذلك؛ كان الأولَى أن يُكتبَ العقدُ في مصلحة البلديّة، توكيداً وتعظيماً للعقد، كما قال تعالى: ﱡﭐ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ [النساء:21].
فسمّاه ميثاقاً غليظاً، ممّا يجعلُ الرّجلَ يفكّرُ ألفَ مرّةٍ قبل أن يتّخذَ قرارَ الطّلاق.
- ثانياً: إذا تعذّرَ استمرارُ الحياةِ الزوجيّة، فإنّ الله جعلَ الطّلاقَ حلاًّ ومخرجاً من تكدُّرِ العيش، وتصرّفات الطّيش؛ قال تعالى: ﱡﭐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ [البقرة: من 236].
فالطّلاقُ حلُّ عقدةِ النّكاحِ، ويُعَدُّ حلاًّ للزّوجين أو لأحدِهما، كما يفارقُ المرءُ صاحبَه.
أمّا ما شاع أنّ ( أبغضَ الحلالِ إلى الله الطّلاقُ ) فهذا ليس بحديثٍ صحيحٍ.
ولكن، إنّما يكون هذا حلالاً في المجتمع الواعِي لمسألة الطّلاق، وأنّه حلٌّ للأزواج .. يومَ كانت المرأةُ تُطلّقُ من هنَا فتُخطب من هناك، لأنّهم يعلمون أنّه ليس بالضّرورةِ أن يكون العيبُ في الزّوجةِ؛ حتّى نزل الأمرُ بالعِدّةِ، وتحريمِ خطبةِ المرأةِ خلالَها.
ولمّا انقلبت الموازين، وضاعت المفاهيم، وصارت المطلّقة في أيّامِنا هذهِ محكوماً عليها بالإعدامِ معنويّاً، وأصبحَ المجتمعُ ينظرُ إليها على أنّها المسؤولُ الأوّلُ والأخيرُ، صارَ الطّلاقُ مكروهاً للمفاسدِ المترتّبةِ عليه.
فأنصحُ وليَّ هذه الفتاةِ أن يُسارعَ إلى عقدِ مجلسِ صُلحٍ مع الزّوجِ، لعلّ اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمراً.
- ثالثاً: ربّما ظنَّ السّائلُ أنّ المقصودَ بالمتعةِ هو: المتعة المحرّمة، الّتي لا يزال عليها الشِّيعة في أيّامنا هذه، وهذا ليس بصحيح، فالمتعة في الشّرع لها معانٍ ثلاثٌ:
أ) المتعةُ المحرّمة: وهي أن يُصرّح في العقدِ أنّه يتزوّجُها إلى أجلٍ مسمّى مقابلَ مبلغٍ من المال؛ فهذا ما عليه الشّيعةُ.
ب) المتعةُ المستحبّةُ: وذلك من أنواع الحجّ، أن يتمتّع المسلم بالعمرة إلى الحجّ.
ج) المتعةُ الواجبةُ: وهي مبلغٌ من المال يُعطيه الرّجلُ للمرأة المطلّقة تطييباً لخاطرها، قال تعالى: ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ [البقرة:236]، وقال عزّ وجل: ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ [البقرة:241].
وفي سنن البيهقي عن جابرٍ ﭬ قالَ: لمَّا طلّقَ حفْصُ بنُ المغيرةِ امرأتَه فاطمةَ، أتَتْ النّبِيَّ ﷺ فقالَ لزوْجِهَا: (متِّعْهاَ ) قالَ: لا أجدُ ما أمتّعُها. قال ى ﷺ: ( فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ المَتَاعِ، مَتِّعْهَا وَلَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ).
فهذا الّذي يريد أن يقوم به هذا المطلّق، فالمتعة واجبةٌ عندَ الطّلاق.
- رابعاً: ونصيحتِي للفتاةِ، أن تجعلَ تقوَى اللهِ نُصبَ عينيهَا، فإنّ الغضبَ والحزنَ النّاتِجين عن الطّلاق ربّما أوقعاها في سخطِ الله من حيثُ لا تدرِي، فلتعلمْ أنّ المؤمنةَ هي الّتي تُطيع الله في السرّاءِ والضرّاءِ؛ لذلك ذكّرَ اللهُ الزّوجين بذلك فقال: ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ [البقرة: من 237].
فإيّاها ثمّ إيّاها أن تذكرَ ذنوبَه، وتفضحَ عيوبه، بل عليها أن تكون سِتراً له، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدّنيا والآخرة.
وتذكّري جيّداً أنّ هاتين الآيتين نزلتا في شأنِ الطّلاقِ: ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﱠ [الطّـلاق: 2-3].
واعلمي أنّ الحياةَ مع الله، وفي رحابِ الله، أوسعُ من أن تُحصر في الحياة الزّوجيّة، ولعلّه يكونُ في ذلك درسٌ لنسائِنا أن لا يغترِرْن بالمادّة، فإنّها منافيةٌ للجادّة.