- المسجد الأقصى: وذلك لأنّه أبعَدُ المساجد الّتي تُزَار عن المسجد الحرام.
- مسجد إيلياء، ومعناه بيت الله.
- بيت المَقْدِس: أي المكان الّذي يتطهّر العبد فيه من الّذنوب، لأنّ المَقْدِس هو المَطْهَر.
-البيت المُقَدَّس: لأنّه بالأرض المقدّسة، ويسمّى بيت القُدْس: نسبة إلى القُدُس.
- ويسمّيه العبرانيّون ( أورْشلُم ) وبعضهم يكسر اللاّم ويمدّها، ومعناها: باب السّلام.
2- الفضل الثّاني: أنّه أولى القبلتين. وظلّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم يستقبلونه قرابة ثمانية عشر شهرا، كما في صحيح البخاري.
3- الفضل الثّالث: أنّ الله بارك فيما حوله، فقال عزّ وجلّ:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } فكيف ببركته هو نفسِه ؟.
4- الفضل الرّابع: وهو مسرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
5- الفضل الخامس: أنّه بناه نبيّ الله سليمان عليه السّلام.
6- الفضل السّادس: أنّ الصّلاة فيه من أسباب مغفرة الذّنوب. ويدلّ على هذا الفضل، الحديث التّالي، وهو:
الحديث الثّامـن:
1178-وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السّلام مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ صلّى الله عليه وسلّم ثَلَاثًا:
أَنْ يُعْطِيَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ.
وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ.
وَأَنَّهُ لاَ يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )).
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَمَّا ثِنْتَيْنِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ )).
[رواه أحمد، والنّسائيّ، وابن ماجه، واللّفظ له، وابن خزيمة، وابن حبّان في "صحيحيهما"، والحاكم أطولَ من هذا، وقال : "صحيح على شرطهما، ولا علّة له"].
الشّــرح:
- قوله: ( لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السّلام مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ): ومعنى بناء سليمان عليه السّلام له أي: جدّد بناءه، ولا يعني أنّه بدأ بناءه.
ولا بدّ من القول بذلك، لما جاء في الصّحيحين عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: (( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ )) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: (( ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى )) قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ: (( أَرْبَعُونَ )).
ومعلوم أنّ بين إبراهيم عليه السّلام وسليمان عليه السّلام آلاف السّنين.
وقد ذكر الزّركشيّ في "أحكام المساجد" (ص283) عن كعب الأحبار: " أنّ سليمان عليه السّلام بنى بيت المقدس على أساس قديم ". وبمثل ذلك قال الحافظ ابن حجر والسّيوطي، وغيرهم.
- قوله: ( أَنْ يُعْطِيَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ): وقد شهِد القرآن بصحّة فهمه، ودقّة حكمه، قال تعالى:{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [الأنبياء من الآية:79].
- قوله: ( وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ): كما في قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [ص من 35].
وقد روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ عِفْرِيتاً مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ،- أَو كَلِمةً نَحوَهَا - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ:{ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } )).
- قوله: ( وَأَنَّهُ لاَ يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ): قال العلماء: رجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم متحقّق إن شاء الله تعالى.
*** *** ***
7- الفضل السّابع: الصّلاة فيه مضاعفة بخمسمائة صلاة.
8- الفضل الثّامن: أنّه أرض المحشر والمنشر.
وفي ذلك ساق المصنّف الحديث التّالي، وهو:
الحديث التّاسـع:
1179-وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ أَفْضَلُ، أَوْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ:
(( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ المُصَلَّى.
هُوَ: أَرْضُ المَحْشَرِ وَالمَنْشَرِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقِيدُ سَوْطِ - أَوْ قَالَ: قَوْسِ- الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ المَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا )).
[رواه البيهقي بإسناد لا بأس به وفي متنه غرابة].
الشّـرح:
· أمّا مضاعفة الصّلاة فيه:
فظاهر هذا الحديث أنّ الصّلاة تفضل فيه بمائتين وخمسين صلاة، لقوله: (( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ )).
وفي حديث الطّبرانيّ والبزّار بإسناد جيّد عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ... وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ ))، ومثله جاء عن جابر رضي الله عنه.
فمنهم من ضعّف حديث أبي ذرّ، ولذلك قال المصنّف:" رواه البيهقي بإسناد لا بأس به وفي متنه غرابة ".
وقال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/6): " وأمّا في المسجد الأقصى: فقد رُوِي أنّها بخمسين صلاة، وقيل بخمسمائة صلاة، وهو أشبه ".
والصّواب – إن شاء الله – أنّه لا تعارض في أحاديث الفضائل، لأنّ فضل الله على عباده يزداد ولا ينقص، ونظيره الأحاديث الّتي تثبت أجر صلاة الجماعة خمسا وعشرين، وأخرى سبعا وعشرين، فيؤخذ بالزّائد في الفضائل.
· أمّا أنّه بأرض المحشر: فذلك لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ )). والمغرب هي الشّام.
وأصرح من ذلك رواية أحمد عَنْ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: (( أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .. ))- فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ – فَقَالَ: (( إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ )).
· وأمّا أنّه أرض المنشر، فدليله حديث الباب هذا، وعلى ذلك تفسير السّلف.
فقد قال ابن عبّاس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قال: " من الصّخرة ".
وذكر ابن كثير عن كعب الأحبار - وهو كعب بن ماتع من كبار التابعين - قال:" يأمر الله ملكا أن ينادي على صخرة بيت المقدس: أيّتها العظام البالية، والأوصال المتقطّعة، إنّ الله يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء ".
· وتأمّل – أخي القارئ – قوله صلّى الله عليه وسلّم : (( وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقِيدُ سَوْطِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ المَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا )) يدلّك على حال المسلمين هذا الزّمان !!
فالله المستعان.