فالقاعدة المقرّرة في الباب: أنّ اسم المفعول:
أ) يكون من الثّلاثيّ على وزن ( مفعول )، نحو: مكتوب من ( كتب )، ومنسوخ من ( نسخ ).
ب) ويكون من غير الثّلاثيّ على وزن مضارعه، مع إبدال حرف المضارعة ميما، وفتح ما قبل آخره.
فتقول في اسم المفعول من الرّباعيّ نحو ( أكرمَ يُكرم ): مُكرَم.
ومن الخماسيّ نحو ( انتظر ينتظر ): مُنتظَر.
ومن السّداسيّ نحو ( استقبل يستقبل ): مُستقبَل.
فانظر إلى الفعل ( صَان ) فهو فعل ثلاثيّ، اسم مفعوله ( مَصْوُون ) على وزن " مفعول " قولا واحدا.
ثمّ طرأ عليه تغييران بمقتضى قواعد الصّرف:
أ) التّغيير الأوّل: نُقِلَت حركة الواو – وهي الضمّة – إلى الحرف قبلها، لأنّ الحرف الصّحيح أولى بالحركة من الحرف المعتلّ، فصارت الكلمة ( مصُوون ).
ب) التّغيير الثاني: التقت الواوان السّاكنتان فحذِفت إحداهما[1]، فقيل: ( مصُون ).
قال الشاعر:[2]
بَلاَءٌ لَيْسَ يُشْبِهُـهُ بَـلاَءُ ... عَدَاوَةُ غَيْرِ ذِي حَسَبٍ وَدِينِ
يُبِيحُكَ مِنْهُ عِرْضاً لمْ يَصُنْهُ ... وَيَرْتَعُ مِنْكَ فِي عِرْضٍ مَصُونِ
وقِس على ذلك اسم المفعول من ( قال )، و( باع )، و( دان )، و( صاغ )، فيقال فيها أيضا: ( مقول )، و( مبيع )، و( مدِين )، و(مصُوغ)؛ لأنّها جميعَها من فعل ثلاثيّ.
ومنشأ غلط من يقول: مُصَان، ومُصاغ، أنّهم يصوغون اسم المفعول من المضارع المبنيّ للمجهول، وهو خطأ؛ لأنّ المضارع إنّما يُصار إليه في غير الثّلاثيّ.
قال الحريريّ رحمه الله في " درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ " ( ص 70 ):
" ومن شجون هذا النّوع قولهم: ( فرس مُقَاد )، و( شعر مُقَال )، و( خاتم مُصَاغ )، و( بيت مُزَار ).
والصّواب أن يقال فيها: ( مَقُود )، و( مَقُول )، و( مَصُوغ )، و( مَزُور )، كما حكي أنّ الخليل بن أحمد عاد تلميذاً له، فقال تلميذه: إن زرتنا فبفضلك، أو زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً.
... ومن هذا النّمط قولهم: ( مبيوع )، و( معيوب )، والصّواب أن يقال فيهما: ( مبيع )، و( معيب ) على الحذف، كما جاء في القرآن في نظائرهما:{ وَقْصرٍ مَشِيدٍ }، {وَكَانَتْ الجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً }، فقال: ( مشيد ) و( مهيل ) على الحذف، والأصل فيهما: مشيود ومهيول.
... وقد شذّ من ذلك قولهم: ( رجل مدين ومديون ) و( معين ومعيون ) أي: أصابته العين، ومنه قول الشّاعر:
نُبِّئتُ قومكَ يزعمونك سيّداً *** وإِخال أنّـك سيّـدٌ مديـون [3]
وجميع ذلك مما يهجن استعماله، إلاّ في ضرورة الشّعر التي يجوز فيها ما حُظِر لإقامة الوزن "اهـ.
[1] والمحذوفة عند سيبويه رحمه الله: الواو الثانية الّتي هي واو المفعول الزّائدة، وأنّ الباقية هي الواو الأصليّة من ( صون ).
أمّا أبو الحسن الأخفش رحمه الله، فقال: إنّ المحذوفة هي الأولى، وأنّ الباقية هي واو المفعول التي تدل على المعنى، والله أعلم.
[2] هو من كلام عليّ بن الجهم يردّ به على ابن أبي حفصة كما في " طبقات الشّعراء "، و" جمهرة أمثال العرب "، وغيرهما.
[3] البيت نسبه الجاحظ في " كتاب الحيوان " وأبو الحسن البصريّ في " حماسته " إلى العبّاس بن مرداس، ولكن بلفظ:
قد كانَ قَوْمُكَ يَحْسِبُونَكَ سَيداً *** وإِخـالُ أَنَّكَ سَيّـدٌ مَعْـيُـونُ