الفائدة الأولى: في شرح ألفاظ الحديث:
- ( مَنْ حَجَّ ): جاء في رواية مسلم: (( مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )) فهي مطلقة تدخل فيها العمرة كذلك، ولكنّ رواية الباب تقيّد ذلك الإطلاق، فيكون المقصود من الإتيان الحجّ.
- ( فلم يرفُثْ ): الرّفث له معان أربع:
1-إذا تعدّى بـ(إلى) كان معناه الجماع، كقوله تعالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } [البقرة: من الآية187]، فسّره بذلك ابن عبّاس، ومجاهد، وقتادة وغيرهم.
2-ويطلق أيضا على مجرّد الملامسة.
3-ويطلق على الكلام الّذي يكون مقدّمة للجماع، قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" الرّفث ما روجع به النّساء ". لذلك قال الزجّاج والأزهريّ: هي كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرّجل من امرأته.
4-ويطلق على الكلام القبيح - كما في " لسان العرب " -، ويؤيّده حديث: (( وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ )).
فكذلك في هذا الحديث، يكون المقصود من ( الرّفث ) ما هو أعمّ من الجماع.
- قوله: ( وَلَمْ يَفْسُقْ ) أي: لم يأت بمعصية كغيبة، أو سبّ، أو أكل حرام وغير ذلك.
وأصل الفسوق في اللّغة هو: الخروج، تقول العرب: فسقت الحبّة عن قشرها، أي: خرجت.
والفسوق شرعا هو: الخروج عن طاعة الله تعالى.
- وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )) عمومٌ يفيد أنّه يكفّر الكبائر والصّغائر، وذلك لما اشتمل عليه الحجّ من الأعمال الجليلة التي تكفّر الذّنوب، واطّلاع الله على عباده يوم عرفة، وكثرة الذّكر، والصّلاة، والطّواف، والوضوء، ورمي الجمار، والإهلال بالتّوحيد، والإخلاص الّذي هو تاج الأمور كلّها.
لذلك جاء في رواية التّرمذي الّتي ذكرها المصنّف: (( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))، أي: كبيره وصغيره. وقد قال الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه:" هو بهذا اللّفظ شاذّ، لكنّ المعنى واحد " اهـ.
وهذا الحديث يفيد ما أفادته آية البقرة:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } [البقرة:197].
الفائدة الثّانية: الرّفث إلى النّساء مراتب:
1- فمنه ما يُنْقِصُ أجر الحاجّ ولا يُبطِلُه، كالملامسة والتّقبيل. وفي هذه الحالة أفتى ابن عبّاس رضي الله عنه ومجاهد وعليه الجمهور: بأنّ عليه ذبحَ شاة.
2- أمّا الرّفث بمعنى الجماع، ففيه تفصيل:
أ) إن جامع قبل التحلّل الأوّل: فهذا حجّه باطل، وعليه ثلاثة أمور:
الأوّل: إتمام حجّه.
والثّاني: قضاؤه العام القابل.
والثّالث: أنّه يجب عليه بدنةٌ أو سبعٌ من الغنم.
[ومعنى التحلّل الأوّل أن يفعل اثنين من ثلاثة – وسيأتي تفصيله -: رمي الجمار يوم النّحر، وطواف الإفاضة، والحلق أو التقصير].
ب) إن جامع بعد التحلّل الأوّل: فهذا حجّه صحيح وعليه ذبح شاة.
فمثلا: لو رمى الجمرة يوم النّحر وحلق أو قصّر، حلّ له كلّ شيء: فله أن يمسّ الطّيب، ويلبس ثيابه، إلاّ النّساء، فلا يجوز له إتيانهنّ حتّى يَطُوف طواف الإفاضة. أمّا لو جامع قبل طواف الإفاضة، يكون قد جامع قبل التحلّل الثّاني، فهذا تـمّ حجّه، ولا قضاء عليه، ولكن عليه دم وهو ذبح شاة.
الفائدة الثّالثة:
فالجواب: أنّ كلمة ( يوم ) إذا أضيفت إلى الجمل نزلت منزلة ( إذْ ) فيجوز فيها وجهان: البناء والإعراب.
فتجرّ وتقول: كيومِ ولدته.
أو تبنيها على الفتحة فتقول: يومَ ولدته. ومنه قراءة نافع:{ هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }، وقرأ الباقون: { هَذَا يَوْمُ }.
والأحسن أن تُبنَى إذا جاء بعدها فعل ماض، كهذا الحديث.
وتعرب بالجرّ إذا جاء بعدها فعل مضارع أو جملة اسميّة.
والله تعالى أعلم.