نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فرزقك الله – أختنا الفاضلة - الثّبات على طاعته ومرضاته، وزادك الله همّة في الخير، ووقاكِ الله سبل الشرّ والضّير.
أمّا هل تقدّمين طموحك على الزّواج ؟
نعم، لا بدّ أن تقدِّمي طموحك على كلّ شيء، ولا تتنازلي عن هدفك وطموحك، وإنّ طموح المرأة المؤمنة التقيّة النّقيّة، الشّريفة العفيفة هو: الجــنّـــة, وليس شيء سوى الجـــنّـــة ..
والسّبيل إلى تلكم الدّار الغالية، والمكانة العالية: هو طاعة الله عزّ وجلّ الّذي قال من فوق سبع سماوات وقوله الحقّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب من الآية: 33]..
وأدعوك – أختي الكريمة - إلى أن تتأمّلي هذه الآية، وتُولِيها كثيرا من العناية:
- فلم يقل الله عزّ وجلّ: ( وامكُثن في بيوتكنّ ) أو( ابقين ) أو (اجلسن )، وإنّما أتى بلفظ القرار الّذي يشبه عدم التحرّك، كلّ ذلك مبالغة في الأمر بملازمة البيوت.
- تأمّلي التّكليف في ( وَقَرْنَ )، والتّشريف في ( بُيُوتِكُنَّ ) فنسب البيت لها مع أنّه للزّوج.
- تأمّلي هذا الخطاب، وتذكّري أنّه موجّه لأمّهات المؤمنين ابتداء، والمقصود به نساء المؤمنين جميعهنّ، من باب قول العرب: "إيّاك أعني واسمعي يا جارة ".
إنّهنّ أمّهات المؤمنين، أزواج النبيّ الأمين صلّى الله عليه وسلّم، وحرّمهنّ على المؤمنين على التّأبيد، وهنّ أطهر النّساء قلوبا، وأصفاهنّ أفئدة، وأرجحنّ عقولا، وأخشاهنّ لله، وأكثرهنّ طاعةً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقول الله لهنّ:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}! فكيف بغيرهنّ ؟!
وفي هذا الحكم عدّة فوئد ومصالح تناسب فطرتها أوّلا، وتناسب شرعها ثانيا:
1-من ذلك: أنّ ذلك من تمام العدل بين الجنسين، فعمل الرّجل خارج البيت، وعملها داخل البيت، فناسب الشّرع الفطرة.
2-منها أنّ المرأة لها مجتمعها الخاصّ بها البعيد عمّا يُذهبُ أنوثتها وكرامتها وعفّتها، وللرّجل مجتمعه الخاصّ به.
3-أنّ حال الرّجل قائم على الظّهور، فلذلك أوجب الله عليه الشّعائر الظّاهرة، كوجوب حضور الجمع والجماعات، والخروج إلى الجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وغير ذلك، ولو ترك ذلك لكان من المُذنِبين. بخلاف حال المرأة الّتي لم يوجِب الله تعالى عليها شيئا من ذلك.
4-أنّ المرأة لا يحلّ لها أن تترك مكان عملها، كما أنّ الرّجل لا يحلّ له أن يترك مكان عمله، فهي في بيتها أمّ، أو زوجة أو أخت، ترعى حقوق وليّها، فتربّي له أولاده، وتهيّئ له طعامه وشرابه وملبسه، فهل يجوز لأيّ مخلوق أن يترك مكان عمله ؟!
لذلك روى ابن السنّي رحمه الله في "عمل اليوم واللّيلة" (رقم 390 ص 117) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدٌ، وَالمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا )) [" صحيح الجامع "].
والسيّد لا بدّ أن يُسأل في الدّنيا والآخرة: (( وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )).
فهي حارسة القلعة، وخطّ الدّفاع الأوّل للأسرة المسلمة .. لذلك استحقّت البُشرى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .. فقد روى الطّبراني عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
(( لاَ تَكُونُ المَرْأَةُ أَقْرَبَ إِلَى اللهِ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا )). و(( مَا عَبَدَتْ امْرَأَةٌ رَبَّهَا مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِي بَيْتِهَا )).
تنبيه مهمّ: جاء في سؤالك: فهو لا يبحث إلاّ عن ربّة بيت فقط ؟
فأقول متعجّبا: وهل اسْتَهَنْتِ بهذا الدّور العظيم أيّتها الأخت الفاضلة ؟!
إنّ عمل المرأة في بيتها لا يستطيعه كلّ أحد، إلاّ بترك راحة الجسد، وأن يَثِب وثبة الأسد، لما في ذلك من العناء والمراقبة الدّائمة للأولاد وتعليمهم وتأديبهم، وغير ذلك. فلا تحتقري نفسك أمّا ومربّية وزوجة وقوّامة على إدارة بيت ..
وهناك مشروع تفطّن له علماؤنا من قديم الزّمان، ولكنّه لم يُلتفت إليه في البلاد الإسلاميّة، واستفاد منه الغربيّون الّذين تفطّنوا إلى خطر عمل المرأة خارج بيتها، فقد كشفت دراسة في أكتوبر 1996م أنّ ما يقارب 46 مليون من أصحاب الأعمال المنزليّة في أمريكا معظمهنّ من النّساء، استطعن بذلك التّوفيق بين زيادة الدّخل، وإدارة شؤون البيت.
وقد قامت ماليزيا بدراسة هذا المشروع، ليطبّق عام 2005، وقد نجحوا نجاحا مبهِرا.
فلا بأس أن تعمل المرأة في بيتها وتمارس مهنة الخياطة، والتّعليم، والحضانة، والهندسة، وغير ذلك.
* كما أنّه لا بأس لطائفة من النّساء أن يقُمْن بمهنة التّدريس، والتّطبيب، ونحو ذلك ممّا هو من خصائص النّساء.
وتذكّري أنّ من أهمّ صفات المرأة الصّالحة التفرّغ: التي تتفرّغ لرعاية أولادها وبناتها، ليست بخرّاجة ولاّجة، لا يشغلها عن أولادها شاغل مهما كان، فـ(( المرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيّتها )).
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلّفاه ذليـلاً
إنّ اليتيم هـو الذي تلقـى له *** أُمّـاً تخلّت أو أباً مشغولا
والله الموفّق لا ربّ سواه.