وإنّما تصدقُ هذه الكلمةُ في علمٍ غيرِ علمِ الدِّين..
وإنّما تصدقُ بالنّسبة إليه في جيلٍ عرف قيمةَ العلمِ فهو يسعى إليه.
أمّا في زمنِنا وما قبله بقرونٍ، فإنّ التّعليمَ والإرشادَ والتّذكيرَ أصبحت بابًا من أبواب الجهاد.
والجهادُ لا يكون في البيوت وزوايا المساجد، وإنّما يكون في "الميادين"، حيث يلتقي العدوُّ بالعدوِّ كفاحًا.
وقد قال لي بعض هؤلاء - وأنا أحاوره في هذا النّوع من الجهاد، وأعْتِب عليه تقصيرَه فيه -:
"إنّ هذه الكلمةَ قالَها مالكٌ للرّشيد ".
فقلت له: إنّ هذا قياسٌ مع الفارق في الزّمان، والعالِم، والمتعلّم.
أمّا زمانُك هذا، فإنّ هذه الْخَلَّةَ منك ومن مشائخك ومشائخهم[1] أدَّتْ بالإسلام إلى الضّياع، وبالمسلمين إلى الهلاك:
فالشّبهاتُ الّتي تَرِدُ على العوامّ لا تَجدُ من يطردُها عن عُقولِهم، ما دام القسّيسون والأحبارُ أقربَ إليهم منكم، وأكثرَ اختلاطًا بهم منكم. والأقاليم الإفرنجيّة تغزو كلَّ يومٍ أبنائي وأبناءَك بفتنةٍ لا يبقى معها إيمانٌ ولا إصلاحٌ.
ففي هذا الزّمن يجب عليَّ وعليك، وعلى أفرادِ هذا الصّنف أن نتَجَنَّد لدفع العوادِي عن الإسلام والمسلمين، حتى يأتِيَنَا النّاس؛ فإنّهم لا يأتوننا، وقد انصرفوا عنّا وليسوا براجعين.
وإذا كان المرابطون في الثّغور يقفُون أنفسَهم لصدِّ الجنودِ العدوَّة المغيرة على الأوطان الإسلامية، فإنّ وظيفةَ العلماءِ المسلمين أن يقِفُوا أنفسَهُم لصدِّ الْمعانِي العدوَّة المغيرة على الإسلام وعقائده وأحكامه، وهي أفْتكُ من الجنود؛ لأنّها خفِيّةُ المَسَارِب، غرَّارةُ الظّواهر، سهلةُ المداخل إلى النّفوس، تأتِي في صورةِ الضّيف، فلا تلبثُ أن تطردَ ربَّ الدّار ... » اهـ.
"آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي" (٤/١١٧).
[1] شاع همز المشايخ لفظا، حتّى صاروا يُهمزون معنًى. والصّواب أنْ يُقال: (مشايخ) بالياء؛ لأنّ الياء أصليّة من الكلمة، وإذا كانت الياءُ زائدةً كما في "جريدة" و"صحيفة" فإنّها حينئذٍ تُهمز. أمّا همز "المصائب" فمن المصائب، فلا يُقاس عليها.