وفي قول المؤرّخين الأوربيّين: أنّها اشتقّت من اسم الملك البطلمي أقبتوس Agyptius الذي يعرف أيضا ببطليموس الثّاني Potlomy II.
الشّاهد: أنّه على كلا القولين لم تكن الكلمة تعني مذهبا دينيّا، ولم يكن معناها (نصرانيّ)، فقد يكون القبطيّ مسلما أو نصرانيّا أو يهوديّا، وإنّما عَلِق اسم (الأقباط) بالنّصارى لسببين:
1- أنّ سكّان مصر الأصليّين قبل الفتح العربي كانوا أهل كتاب: نصارى -وهم الغالبيّة-، ويهود.
2- أنّ النّصارى قد كتبوا إنجيلهم باللّغة القبطية، فاشتهروا بالأقباط.
ولمّا كان نصارى مصر يحرصون على أن يتسمّوا بالأقباط -إشارةً منهم بأنّهم أحقّ بالأرض والحكم- كان لزاما تذكيرهم بأنّ المصريّين كلّهم أقباط، أو أن يقال: إنّ الأقباط لا وجود لهم اليوم.
(ب) البلكفة
اصطلاح شهّره المعطّلة للصّفات وعلى رأسهم الزّمخشريّ، ينحت به قول أهل السنّة:" بلا كيف "، وقد اشتهر قوله في "الكشّاف" (2/148) في نقد معتقد أهل السنّة أنّ الله تبارك وتعالى يُرى يوم القيامة بلا كيف:
وجماعة سمّوا هواهم سنّة *** وجماعة حُمْر لعمري موكفه
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا *** شَنَع الورى فتستّروا بالبلكفه
وقد قيل في معارضته:
وجماعة كفّروا برؤية ربّهم *** حقّا، ووعد الله ما لن يُخْلفه
وتلقّبوا عدليّة، قلنا: أجل *** عدلوا بربّهم، فحسْبُهُمُو سَفَهْ
وتلقّبوا النّاجين كلاّ إنّهم *** إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
انظر ما نُظِم في الردّ عليه "طبقات الشّافعيّة" للسّبكي (9/12-17).
(ت) تأبّط شرّا.
علِقت به وبلاميّته أخطاء كثيرة، منها:
1- اشتهر أنّ اللاّمية له، والقائل بذلك: أبو تمام والجوهريّ رحمهما الله، والصّحيح أنّها لابن أخته، ويقال: إنّ اسمه خفاف بن نضلة.
وليست لخلف الأحمر، كما شاع عند آخرين، وأوّل من قال بذلك: دِعبل بن عليّ الخزاعيّ (246 هـ).
2- منهم من قال: إنّ ابن أخته هو الشّنفرى ! وأوّل من قال ذلك هو ابن برّي، وهو متأخّر من أهل القرن السّادس، وتابعه عليه صاحب "الخزانة" وهو من علماء القرن الحادي عشر.وهو قول بعيد؛ لأنّ الشّنفرى مات قبل تأبّط شرّا، فكيف يرثيه ؟
[انظر تفاصيل ذلك في " نمط صعب، ونمط مخيف " للعلاّمة محمود شاكر رحمه الله].
(ث) ثـورة
خروج الخوارج الصُفريّة والإباضية على الأمويّين في بداية القرن الثّاني، ويحلو لبعض المؤرّخين - بقصد أو دون قصد - أن يسمّي ذلك "ثورة البربر"! ليُوحي بذلك إلى القارئ أنّها كانت ثورة بربرية ( أمازيغية ) ضدّ حكم العرب -الخلافة الإسلامية-.
وبقليل من التأمّل تجد أنّ قيادات هذه الحركات كانت عربيّة مضريّة عدنانية، وبعض قادتها كان من الفرس مثل عبد الرّحمن بن رستم، فلم يكن خروجا على حكم العرب، ولا ثورة لجنس معيّن، وإنّما كانت حركة فكريّة عقديّة.
["مفاهيم أساسية لدراسة السّيرة النبوية" (52) لمحمد جلال القصاص].
(ج)- الجنّ.
قال ابن عساكر رحمه الله في " سبب الزّهادة في الشّهادة ":
" وممّن تُردّ شهادته ولا تسلم له عدالته من يزعم أنّه يرى الجنّ عِياناً، ويدّعي أن له منهم إخوانا ... ".
ثمّ روى بسنده إلى الإمام الشّافعي رحمه الله أنّه كان يقول:" من زعم أنه يرى الجنّ أبطلنا شهادته، لقول الله تعالى في كتابه الكريم:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}، وفي رواية زاد:" إلاّ أن يكون نبيّا ".
والمقصود من كلامه رحمه الله: من ادّعى رؤيتهم على صورتهم الحقيقيّة، أمّا إذا تشكّلوا بصورة الإنسان أو الحيوان فلا يمتنع. [انظر "عقد المرجان فيما يتعلق بالجان" لأبي الفرج نور الدين الحلبي].
(ح)- الحِدَاد.
جرى عمل أهل المشرق خاصّةً على لُبس السّواد حِدادا على الميّت ! وهذا لا أصل له في الشّريعة، وإنّما المطلوب ترك لباس الزّينة خاصّة.
ولكنّنا نجد أهل الأندلس – ردّها الله إلى المسلمين ردّا جميلا – أنّهم كانوا يلبسون البياض في الحزن، حتّى قال الحُصريّ:
إذا كان البياض لبـاس حزنٍ *** بأندلسٍ، فذاك من الصّواب
فها أنا قد لبست بيـاض شيبي *** لأنّي قد حزنت على شبـابي
["نفح الطّيب من غصن الأندلس الرطيب" (4/109)]. وانظر أبياتا أخرى لغيره (2/440).
(خ)- الخرقي رحمه الله.
كان الإمام أبو القاسم الخِرقيّ رحمه الله من أهل بغداد، فلما كثر الرّفض، وظهر فيها سبّ الصّحابة على المنابر عام 321 هـ انتقل إلى دمشق، وكان وقت خروجه من بغداد قد أودع كتبه، فاحترقت في الفتنة، ولم ينج منها إلاّ " مختصره " المشهور.
وكانت وفاته رحمه الله بدمشق؛ وذلك أنّه أنكر منكرا، فضربه أهل دمشق حتّى مات !
(د)- داود عليه السّلام.
قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) [رواه البخاري وغيره].
خصّ داود عليه السّلام بالذّكر لأنّ اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة، لأنّه كان خليفة في الأرض، قال تعالى:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: من الآية 26]، وإنّما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قصّته في مقام الاحتجاج بها على قوله: خير الكسب عمل اليد.
والّذي كان يعمله داود عليه السّلام بيده هو نسج الدّروع، ثمّ يبيعها، ولا يأكل إلاّ من ثمن ذلك.
(ذ)- ذمّـة.
قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ ))، محمولٌ على ما إذا تيقّن المسلم أو شكّ أنّ الذمّي قال: السّام عليكم، أي: الموت. أمّا لو تيقّن أنّه قال: السّلام عليكم، فإنّه يردّ بقوله: وعليكم السّلام.
حكاه القرطبيّ عن طاووس رحمه الله، وهو الصّحيح لسببين:
1- عموم قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.
2- ولأنّ النّهي عن ردّ السّلام عليهم ثابت لعلّة، فإذا انتفت انتفى الحكم. [انظر " أحكام أهل الذمّة " (1/425)].
(ر)- رِغَـال.
أبو رِغَالٍ، هو الّذي كان يرجم النّاس قبره إذا أتوا مكّة، وصار مضرب المثل لدى العرب في قبح السّيرة وخبث السّريرة. وقد ذكروا عن ابن الأثير (تـ:606) قوله: إنّه يُرجم الحاجّ قبره إلى الآن.
قال مسكين الدارمي: وأرجم قبره في كلّ عامٍ *** كرجم النّاس قبرَ أبي رغال
وقال جرير: إذا مات الفرزدق فارجموه *** كرجم النّاس قبرَ أبي رغال
وصحّ عن عمر رضي الله عنه قوله لرجلٍ من ثَقِيفٍ طلّق نساءهُ: ( لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ، أَوْ لَأَرْجُمَنَّ قَبْرَكَ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ ).
1- فقيل: هو من قوم ثمود قتلته ثقيف قتلاً شنيعاً لسوء سيرته في أهل الحرم ؟ [" ثمار القلوب في المضاف والمنسوب " للثعالبي].
ولكنّ ما اعتمدوا عليه ضعيف لا يصحّ كما في " الضّعيفة " (4334).
2- وقال ابن سيده:" كان عبدا لشعيب ! وكان عشّارا جائرا ".
3- وقال الجوهريّ:" كان دليلا للحبشة حين توجّهوا إلى مكّة، فمات في الطريق "! فيطلق على كلّ من خان قومه لمصلحته الخاصّة.
(ز)- زهد.
كثيرون لا يفرّقون بين الزّهد والورع، فاعلم أنّ:
الزّهد هو: ترك ما لا ينفع في الآخرة، وإن كان لا يضرّ. والورع هو: ترك الشّيء خشية ضرره. ["مدارج السّالكين" (2/12)، و"مجموع الفتاوى" (10/21)].
(س)- سليمان عليه السّلام.
شاع لدى الخاصّة - فضلا عن العامّة - أنّ سليمان عليه السّلام انشغل عن صلاة العصر باستعراض الخيل ! فذبحها كفّارة عن ذلك ! وفسّروا بذلك قوله تعالى:{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} [ص] !
قال ابن حزم رحمه الله:" وهذه خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة ... والظّاهر أنّها من اختراع زنديق بلا شكّ؛ لأنّ فيها معاقبةَ خيلٍ لا ذنب لها، والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى، ونسبة تضييع الصّلاة إلى نبيّ مرسل ! ثمّ يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها ! وهذا أمر لا يستجيزه صبيّ ابن سبع سنين، فكيف بنبيّ مرسل ؟ ومعنى هذه الآية ظاهر ... ". [انظر "الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل" (4/15-16)].
(ش)- الشَّلَوْبِين رحمه الله.
إمام من أئمّة اللّغة العربيّة، توفّي عام 645 هـ، والشّلوبين بلغة الأندلس: الأبيض الأشقر. [العبر في أخبار من غبر" (5/186، 187].
(ص)- الصّحابة.
قال عمرُ رضي الله عنه: فَإِنَّهُ الآنَ - وَاللهِ - لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( الآنَ يَا عُمَرُ )) [رواه البخاري].
قال بعض الشرّاح:" أي: الآن صار إيمانك معتدّاً به، إذ المرءُ لا يعتدّ بإيمانه حتّى يقتضي عقلُه ترجيحَ جانب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم!
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله متعقّبا عبارة الشّارح:
" فيه سوء أدب في العبارة، وما أكثرَ ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمّل والتحرّز، لاستغراق الفكر في المعنى الأصليّ، فلا ينبغي التّشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه، بل يُكتفَى بالإشارة إلى الردّ والتّحذير من الاغترار به؛ لئلاّ يقع المنكر في نحو ما أنكره " [" فتح الباري"(11/528)].
(ض)- ضغث.
يطلق على كلّ خليط، ومنه أضغاث الأحلام، تطلق على الرّؤيا الّتي لا يصحّ تأويلها لاختلاطها.
ويطلق على قبضة حشيش اختلط رطبُه بيابسه، ومنه قول الله تعالى لأيّوب عليه السّلام:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44].
فإنّ نبيّ الله أيّوب عليه السّلام حلف ليضربنّ امرأته مائة سوط ! فلمّا عافاه الله عزّ وجل أرشده الله تعالى إلى أن يأخذ ضغثا –وهو حزمة من الشّماريخ كالّتي تُصنع منها الحصير-، فيجمعها كلّها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزّلا منزلة الضرب بمائة سوط، ويبرّ ولا يحنث، قال ابن كثير رحمه الله:" وهذا من الفرج والمخرج لمن اتّقى الله وأطاعه، ولا سيّما في حقّ امرأته الصّابرة المحتسبة المكابدة الصدّيقة البارّة الرّاشدة رضي الله عنها ..."اهـ.
ومن أمثال العرب: ( ضِغْثٌ على إبَالَة )، والإبالة: الحزمة من الحطب، ومعنى المثل: بليّة على أخرى.
(ط)- طبريّة وطبرستان.
أمّا طبريّة فهي مدينة عربيّة في منطقة الجليل بفلسطين، سمّيت باسم الإمبراطور الرّوماني طيباريوس قيصر الأوّل.
أمّا طبرستان - بفتح الطّاء والباء وكسر الرّاء - فتقع شمال إيران، ومعنى كلمة (ستان) بالفارسية "بلاد"، وأما "طَبر" فتعني "الفأس".
والإمام الطّبراني من طبريّة، زيدت عليه الألف والنّون على غير قياس، أو للتّفريق بين من ينسب إلى طبريّة ومن يُنسب إلى طبرستان.
والإمام ابن جرير الطّبريّ رحمه الله من طبرستان، لأنّ من قواعد النّسبة إلى العلم المركّب تركيبا مزجيّا أن يحذف عجزه.
(ظ)- ظليل.
قال تبارك وتعالى:{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً}، قال الحسن البصريّ رحمه الله:" وُصِف بأنّه ظليل لأنّه لا يدخله ما يدخل ظلَّ الدّنيا من الحرّ والسّموم ونحو ذلك "، فوصفه بالظّليل مبالغة، بمعنى مظلّل، فلكثرة ظلّه يُظنّ أنّ عليه ظلاّ آخر.
وقال غيره: ظليل: دائم؛ فيوافق قوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: (35)].
وهل هناك ظلّ غير ظليل ؟
نعم، هناك ظلّ لا يُظلّ ولا يُكنّ، قال تعالى:{انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات]. قال المفسّرون: ظلّ من دخان جهنّم افترق على ثلاث فرق، ليس فيه برد الظلّ الطيب، ولا يقي من حرّ لهيب النّار.
(ع)- العلم.
" فكم من إمام في فنّ مُقْصِرٌ عن غيره، كسيبويه - مثلا - إمام في النّحو ولا يدرى ما الحديث ؟ ووكيع إمام في الحديث ولا يعرف العربيّة، وكأبي نواس رأس في الشّعر عريٌّ من غيره، وعبد الرّحمن بن مهدي إمام في الحديث لا يدري ما الطبّ قط ؟ وكمحمّد بن الحسن رأس في الفقه ولا يدرى ما القراءات ؟ وكحفص إمام في القراءة تالف في الحديث.
( وللحروب رجال يعرفون بها )، وفي الجملة: وما أوتوا من العلم إلاّ قليلا، وأمّا اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلاّ القليل، في أناس قليل، ما أقلّ من يعمل منهم بذلك القليل ! فحسبنا الله ونعم الوكيل ". [" تذكرة الحفّاظ " (3/1031) للذّهبي رحمه الله].
(غ)- غسل.
قال أنس رضي الله عنه: ( كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ )، فعلم أنّ ذلك لبيان:
" مقدار أدنى الكفاية، ليس بتقدير لازم لا يجوز الزّيادة عليه ولا النّقصان عنه، بل إن كفى رجلا أقلُّ من ذلك ينقص عنه، وإن لم يكفه يزيد عليه بقدر ما لا إسراف فيه ولا تقتير " [" تحفة الفقهاء " للسّمرقندي (ص 30)].
(ف)- فذلكة.
كلمة مولّدة مخترعة، مأخوذة من قول الحاسب إذا أتمّ حسابه:" فذلك عشر "، أو نحو ذلك. [انظر " القاموس "، و" التّاج"].
ثمّ صارت الكلمة تطلق على زبدة الكلام وخلاصة ما يقال. ومن عجيب ما قرأت قول أحدهم: وسألخّص الكلام دون فذلكة !
أمّا اليوم، فلا ندري ما الّذي يحمل الكثيرين على اعتقاد أنّ معناها: الفلسفة والسّفسطة ؟!
ربّما لأنّ بعضهم أراد التّلخيص والإيجاز، فجعل الكلام أشبه بالفلسفة والألغاز.
(ق)- قبض.
قول الإمام مالك رحمه الله الّذي لم يقُل غيرَه: سنّية القبض في الصّلاة فرضا ونفلا. وهو قول أصحابه المدنيّين – كمطرّف، والماجشون، وابن نافع -، وأصحابه المصريّين – كأشهب، وابن وهب، وابن عبد الحكم-، وأصحابه العراقيّين – كالواقديّ، وغيرهم.
فأين منشأ الغلط عليه حتّى انتشر لدى مالكيّة المغرب السّدل في الصّلاة ؟
فاعلم أنّ الإمام مالكا رحمه الله إنّما نهى عن الاعتماد على اليدين للاستراحة والاستعانة على طول القيام، كما قال القاضي عبد الوهّاب، والباجي، والطّرطوشي، والقاضي عياض، وابن رشد وجماعة كثيرون. ولمّا كان القيام ركنا من أركان الصّلاة اغتفر الاعتماد على اليدين في النّافلة دون الفريضة.
لذلك شاع عند مالكيّة المغرب قولهم بكراهة القبض إلاّ في النّفل فلا بأس ! ["المثنونيّ والبتّار في نحر العنيد المِعثار الطّاعن فيما صحّ من الآثار" (ص 5)، وانظر رسالة المسناوي وابن عزّوز فهما عمدة في هذه المسألة].
(ك)- كتمان العلم.
" فلا تجد قط مبتدعا إلاّ وهو يحبّ كتمانَ النّصوص الّتي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدّث بها، ويبغض من يفعل ذلك ...". [" مجموع الفتاوى " (19/161)].
وحينئذ، فإنّه:" من كتم الحقّ احتاج أن يُقِيم موضعَه باطلاً، فيلبس الحقّ بالباطل ..." [" مجموع الفتاوى " (7/172)].
قال تبارك وتعالى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة :42].
(ل)- لَوْث.
اللّوث هو: البيّنة الضّعيفة، أو الأمارة الّتي تحتفّ بالقرائن فيقضي القاضي بموجبها.
والصّحيح أنّه مُعتمد، قال ابن القيّم رحمه الله بعد ذكره لآية يوسف:{إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}:
" فتوصّل بقدّ القميص إلى معرفة الصّادق منهما من الكاذب، وهذا لوث في أحد المتنازعين، يبيّن به أولاهما بالحقّ.
وقد ذكر الله سبحانه اللّوث في دعوى المال في قصّة شهادة أهل الذمّة على المسلمين في الوصيّة في السّفر، وأمر بالحكم بموجبه.
وحكم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بموجِب اللَّوْث في القسامة، وجوّز للمُدَّعين أن يحلفوا خمسين يمينا، ويستحقّون دم القتيل، فهذا لوث في الدّماء، والّذي في سورة المائدة لوث في الأموال، والّذي في سورة يوسف لوث في الدّعوى في العرض ونحوه " اهـ ["الطّرق الحكميّة" (ص 6)]
(م)- مشهور.
ما هو المشهور في مذهب المالكيّة ؟ فاعلم أنّهم اختلفوا على ثلاثة أقوال !
1- القول الأوّل: إنّه مذهب المدوّنة. وإليه ذهب شيوخ الأندلس والمغرب، كابن أبي زيد، والقابسيّ، وابن اللبّاذ، والباجي، واللّخمي، وآخرون. [وقد وقع في تصرّفهم ما يخالف ما اختاروه].
2- القول الثّاني: إنّه ما كثر قائله بأن زاد على ثلاثة. وإليه ذهب ابن الحاجب، وشهّره العدويّ في "حاشية الخرشيّ"، وقال السنّوسي المتأخّر: إنّه المعتمَد.
3- القول الثّالث: إنّه ما قَوِيَ دليله من غير اعتدادٍ بكثرة القائلين، وهو الّذي شهّره الونشريسيّ، وصحّحه ابن بشير. وقال ابن خويز منداد وابن عبد السّلام: إنّه الّذي تدلّ عليه مسائل المذهب. واستدلاّ عليه بمسائل كثيرة، وصوّبه العقبانيّ.
فاحفظ القول الأخير، تحفظْ به سنّة البشير النّذير.
(ن)- نهج.
قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، المنهج: هو الطّريق البيّن الواضح كما قال مجاهد رحمه الله.
وهو مأخوذ من قولهم: أَنهَجَ الطريقُ: وضَحَ واسْتَبانَ وصار نَهْجاً واضِحاً بَـيِّناً، ومنه ما رواه عبد الرزّاق في " المصنّف " (5/434) عن العبّاس رضي الله عنه أنّه قال:" لم يَمُتْ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تَرَكَكُم على طريقٍ ناهِجةٍ " أَي: واضحةٍ بَـيِّنَةٍ.
فلا ينبغي إطلاق هذه الكلمة على مذاهب غير واضحة ! بلْهَ إذا كانت غير صحيحة.
(هـ)- الهجر.
الهجر نوعان: هجر ترك، وهجر عقوبة.
1- هجر التّرك: ضابطه وجود المنكر، فمتى زال المنكر زال الهجر. وهذا واجب متى وُجِد المنكر.
2- هجر العقوبة: وضابطه وجود فاعل المنكر، فمتى تاب زال الهجر، وهذا واجب إذا ترتّبت من هجره مصلحة.
قال ابن تيمية رحمه الله:" وأمّا تارك الصّلاة ونحوَه من المُظهرين لبدعة أو فجور، فحكم المسلم يتنوّع كما تنوّع الحكم في حقّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مكّة والمدينة، فليس حكم القادر على تعزيرهم بالهجرة حكم العاجز، ولا هجرة من لا يحتاج إلى مجالستهم كهجرة المحتاج، والأصل أنّ هجرة الفجّار نوعان: هجرة ترك، وهجرة تعزير.
أمّا الأولى: فقد دلّ عليها قوله تعالى:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10]، وقوله:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النّساء: من الآية140].
وأمّا هجر التّعزير، فمثل هجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم الثّلاثة الّذين خلِّفوا، وهجر عمر رضي الله عنه والمسلمين لصبيغ، فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر، فهي مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذّنب، فليست مشروعة، والله أعلم ". ["مجموع الفتاوى" (28/216-217)]
فعُلم من هذا الكلام أنّه لا يليق بالمسلم أن ينزّل نصوص السّلف الثّابتة في هجر العقوبة على حال هجر التّرك.
(و)- ( ويل ) و( ويح ).
(ويل) كلمة عذاب، تقال عند التّهديد، و(ويح) كلمة ترحّم تقال عند الإشفاق، وهما كلمتان درج على استعمالها العرب قبل مجيء الإسلام.
أمّا الحديث الشّائع: (( ويلٌ فِي وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يهوي فيه الكافر سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرَها ))، فهو حديث ضعيف رواه التّرمذي عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه.
انظر " تفسير ابن كثير رحمه الله " لآية:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}، وكلام الشّيخ الألباني رحمه الله عنه في " السّلسلة الصّحيحة " (رقم 2165)]
(ي)- يَسَقْ أو يَاسَهْ.
كلمة مغوليّة تركيّة تعنِي ( قانون التّتار ) الّذي وضعه جنكيز خان، وكان التّتار يمتثلون تعاليمه بحذافيرها.
وقد أبعَد المقريزي رحمه الله النّجعة في " الخطط " (2/220) حين قال إنّ أصل كلمة " السّياسة " مركّب من (سي) و(ياسه)، قال:" وأدخلوا عليها الألف واللاّم، فظنّ من لا علم عنده بأنّها كلمة عربيّة ".
والحقّ أنّ السّياسة مأخوذة من الفعل: ساس يسوس سوْسا وسياسة، بمعنى قاد يقود قيادة، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ )) [متّفق عليه].