ثمّّ شخص من يومِه وسار حتّى أناخ بباب هرقلة، ففتح وغنِم، واصطفى وأفاد، وخرب وحرّق واصطلم، فطلب نقفور الموادعة على خراجٍ يؤدّيه في كلّ سنة، فأجابه إلى ذلك "اهـ [" تاريخ الطّبري رحمه الله " (4/668-669)].
- وما أهون الملكَ في عين العالِم بالله !
" دخل ابن السمّاك على الرّشيد يوما، فبينا هو عنده إذ استسقى ماءً، فأُتِيَ بقلّة من ماء، فلمّا أهوى بها إلى فيه ليشربها قال له ابن السمّاك:
على رسلك يا أمير المؤمنين، بقرابتِك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لو مُنِعْتَ هذه الشّربةَ بكم كنت تشتريها ؟
قال: بنصف ملكي.
قال: اِشرَب هنّأك الله.
فلمّا شرِبَها، قال له: أسألك بقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لو مُنِعْتَ خروجَها من بدنك بماذا كنت تشتريها ؟
قال: بجميع ملكي.
قال ابن السمّاك: إنّ ملكا قيمته شربة ماء لجديرٌ ألاّ يُنافَسَ فيه.
فبكى هارون "اهـ. [" تاريخ الطّبري رحمه الله " (6/538)].
" قال عبد الله بن المبارك وغيره من السّلف:
صنفان من النّاس إذا صلحا صلح النّاس، وإذا فسدا فسد النّاس. قيل: من هم ؟ قال: الملوك والعلماء.
كما قال عبد الله بن المبارك:
رأيتُ الذّنوبَ تُميتُ القلوبَ *** وقد يُورثُ الذلَّ إدمـانُها
وترك الذّنوبِ حياةُ القلوب *** وخيرٌ لنفسِك عصيـانُها
وهل أفسد الدّينَ إلاّ الملوكُ *** وأحبارُ سـوءٍ ورهبـانُها ؟
["أعلام الموقّعين" لابن القيّم رحمه الله (1/10)].
[1] الرخ والبيدق: كلاهما من قطع لعبة الشّطرنج، والرخّ هو الملك، والبيدق هو الجنديّ، فهو يقول له: إنّها أقامتك مقام الملك، وأقامت نفسها مقام الجندي الخادم.