الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فالأصل أنّ ما في الصّدور لا يطّلع عليه إلاّ الله تعالى؛ لأنّه من الغيب، وقد قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ}.
أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً ... )) الحديث.
فمن خلال شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (11/325) للحديث: نجد هناك ثلاثة أقوال لأهل العلم في المسألة:
- القول الأوّل: أنّ الملك يطَّلع على ما في قلب الآدمي بإطلاع الله تعالى إيّاه،
واستدلّوا برواية لابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني، وفيها: (( يُنَادَى الملك: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول يا رب: إنّه لم يعمله ؟! فيقول: إنّه نواه )).
ولكنّه غير صحيح من حيث السّند.
- القول الثّاني: أنّ الله تعالى يخلق له علما يدرك به ذلك.
- القول الثّالث: أنّ الملك يجد للهمّ بالسيئة رائحة خبيثة، وبالهمّ بالحسنة رائحةً طيّبةً.
روى ذلك الطّبري رحمه الله عن أبي معشر المدني، ويُروَى مثله عن سفيان بن عيينة رحمه الله.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان الهمّ سرّاً بين العبد وبين ربّه فكيف تطّلع الملائكة عليه ؟ فأجاب قائلا:
" الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة فى جواب هذه المسألة قال:" إنّه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شمّ رائحة خبيثة.
والتّحقيق أن الله قادر أن يُعلِمَ الملائكةَ بما في نفس العبد كيف شاء " اهـ ["مجموع الفتاوى" (4/253)].
وما جزم به شيخ الإسلام رحمه الله أخيرا هو الصّواب إن شاء الله، فيكون علم الملائكة بما يهمّ به الإنسان من خير أو شرّ مُستثنى من الأصل؛ وذلك:
1- لأنّ من المقرّر أنّ الشّيطان يوسوس في الصّدور للإنسان إذا همّ بالصّالحات، حتّى قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ )).
فكذلك الملائكة يمكّنها الله تعالى من معرفة الهمّ بالحسنة والهمّ بالسيّئة، ولا يتعدّى علمها ذلك.
2- أنّه يقال للملك قبل أن تنفخ الرّوح في العبد وهو في بطن أمّه: (( اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ))، فكما يُطْلع الله تعالى بعض ملائكته على هذه المغيّبات، فإنّه تعالى يُطلع الكتبةَ على ما يهمّ به الإنسان من خير أو شرّ.
3- ثمّ إنّ الهمّ يدخل في جملة عمل الإنسان الّذي يطّلعون عليه بقوله: (( اكْتُبْ عَمَلَهُ )).
والله تعالى أعلم.