ويؤيّد ذلك ثبوتُ الفتح في نظائرِه، أمثال:
أ) المسيَّبُ بنُ عَلَس: الشّاعر الجاهليّ خال الأعشى ميمون. وبفتح الياء ضبطه عبدالسّلام هارون $ في تحقيقه لكتاب «الاشتقاق» لابنِ دُرَيْدٍ.
ب) المسيَّب بنُ بِشْرٍ الرّياحي (106هـ).
ت) والمسيَّبُ بنُ زهير القيسيّ (175هـ).
ث) والمسيَّب بنُ نَجَبَة الفزاريّ (65هـ). وهو تابعيٌّ شهِد القادسيّةَ وفتوحَ العراق.
ج) والمسيَّبُ بنُ واضح (246هـ) محدّثٌ مشهور من حِمص.
ح) والمسيَّب بنُ رافع (105هـ) من رجال الشّيخين.
فكلّ هؤلاء الأعلام ضُبِطت أسماؤُهم بفتح الياء.
ويؤيّد ذلك ما أورده السّمعانيّ $ في كتابه «الأنساب» (5/299) في ترجمة محمّد ابن إسحاق بن محمّد المسيَّبي (236هـ) حيث قال:
«المسيَّبي: بضمّ الميم، وفتح السّين المهملة والياءِ المشدَّدة آخر الحروف، وفي آخرها الباء الموحَّدة» اهـ.
والضّبطُ على هذا الوجهِ هو الدّارجُ عند أهل العراق على ما أورده الزّبيديّ $ في «تاج العروس» (90/3) إذ قال: «قال بعضُ المحدثين: أهل العراق يفتحون وأهل المدينة يكسِرون».
- وأصل كلمة ( المسيّب ): البعير يُدرَكُ نتاج نتاجه، فيُسيَّبُ، أي: يُترك ولا يُركَب ولا يُحمل عليه.
وذُكرت (السَّائبةُ) في القرآن، ومعناها: النّاقة التي كانت تُسيَّب في الجاهلية لنذرٍ ونحوه.
القول الثّاني: بكسر الياء المشّددة.
واختار هذا الوجهَ: ابنُ المديني، والقاضي عياضٌ رحمهما الله.
وذكر الزّبيدي $ في «تاج العروس» أنّه على وزنِ (محدِّث)، وأنّه يُفتح، وأنَّ أهل المدينة يكسرون، وقال: «ويحكون عنه أنه كان يقول: سيَّبَ الله من سيَّبَ أَبِي».
ولكنّ هذه الرّواية - على شهرتها - لم تردْ بإسنادٍ متّصل.
وقد أشار الإمام النّووي $ إلى تضعيفِها، إذ قال: «يقال المسيَّب بفتح الياء وكسرها، والفتح هو المشهور، وحُكِي عنه أنَّه كان يكرهه، ومذهبُ أهل المدينة الكسر».[2]
وعليه، فالبقاءُ على الأصلِ - وهو فتح الياء - هو الأقربُ، ولعلّ من كسرها من أهل المدينةِ بلغه ذلكم الخبر الّذي فيه أنّه كان يكره فتح الياءِ، وقد علمت أنّه لا يصحّ.
والله تعالى أعلم.
[1] فعن عبد الرّحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: «كان السّبعة الّذين يُسألون بالمدينة، ويُنتهى إلى قولهم: سعيدُ بنُ المسيَّب، وأبو بكرِ بنُ عبدِ الرّحمن بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، وعروةُ ابنُ الزُّبير، وعُبَيْد الله بنُ عبد الله بن عتبة، والقاسمُ بن محمد، وخارجةُ بنُ زيدٍ، وسليمانُ ابن يسارٍ». «الطَّبقات» لابن سعد (2/293)، و«سير أعلام النّبلاء» (4/238).
وقد نظم ذلك بعضهم، فقال:
ألاَ كلُّ منْ لا يَقتَدِي بأئِمَّةٍ |
|
فَقِسْمَتُه ضِيزَى عنِ الحقِّ خَارِجَهْ |
فَخُذْهُمْ: عُبَيْدُ اللهِ، عُرْوَةُ، قَاسِمٌ |
|
سَعِيدٌ، سُلَيْمَانُ، أَبُو بَكْرٍ، خَارِجَهْ |
[2] «تهذيب الأسماء واللّغات» (1/219)، و«شرح مسلم» (1/200).