الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ الله قد حرّم وطء المرأة الحائض حتّى تتطهّر، فقال:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
وعلى هذا إجماع العلماء.
ولكنّهم اختلفوا في المرأة الّتي انقطع عنها دم الحيض، وتأخّرت عن الغسل حتّى وطِئَها زوجُها على أقوال ثلاثة:
الأوّل: قول عكرمة رحمه الله، فقال: انقطاع الدّم يُحلّها لزوجها، ولكن تتوضّأ.
الثّاني: قول الظّاهريّة، قالوا: انقطاع الدّم يحلّها لزوجها، ولكنّها تغسل فرْجَها فحسب.
الثّالث: قول جمهور أهل العلم، وهو أنّه لا يحلّ وطؤها حتّى تغتسل، فإن كانت مريضة لا تستطيع الغسل تيمّمت وغسلت فرجها، لظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}.
فالله عزّ وجلّ قد ذكر غايتين:
الغاية الأولى: ( حتّى يطهرن ) أي: ينقطع الدّم، ولم يُبج الوطء، بل جعل:
الغاية الثّانية: فقال: ( فإذا تطهّرن ) أي: حتّى تغتسل.
ونظير ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: من الآية230]، فذكر غايتين لترجع المرأة المطلّقة طلاقا بائنا إلى زوجها:
الغاية الأولى: أن تنكح زوجا غيره. وهذا لا يبيحها للأوّل فذكر:
الغاية الثّانية: وهو أن يطلّقها الثّاني.
وفيما يخصّ حالتك، فأنت غير آثم لعدم علمك بأنّها طاهر، أمّا هي فآثمة، وعليها أمران:
الأوّل: أن تتوب إلى الله وتستغفره وتعزم على عدم العود إلى ذلك.
الثّاني: على قول الإمام أحمد وإسحاق والحسن البصريّ فإنّ عليها أن تتصدّق تكفيرا عن ذلك.
وهو المذهب الأحوط لقول ابن عبّاس رضي الله عنه - ورُوِي مرفوعا - أنّه قال: إن أتاها قبل انقطاع الدّم فيتصدّق بدينار، وإن أتاها بعد انقطاعه وقبل أن تغتسل فيتصدّق بنصف دينار.
فتُنصح بالتصدّق؛ لأنّ الحسنات يُذهبْن السيّئات.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم.