الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فقد اختلف أهل العلم في مقدار ما يتركه المصلّي بينه وبين السّترة على أربعة أقوال:
1) فنهم من قال: يترك ثلاثة أذرع بينه وبين السّترة.
وهو قول جمهور أهل العلم من الشّافعيّة، والحنفيّة، والحنابلة، وبعض المالكيّة.
واستدلّوا بما رواه البخاري أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما:
كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى، يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ.
2) ومنهم من قال: يترك مقدار ما تمرّ الشّاة.
وهو قول بعض المالكيّة كما في "مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل".
واستدلّوا بما في الصّحيحين عن سهْلِ بنِ سعْدٍ رضي الله عنه قال: ( كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ ).
3) ومنهم من جمع بين الحديثين، فقال: أدنى الواجب ممرّ الشّاة، وأقصاه ثلاثة أذرع، وهو قول ابن حزم رحمه الله في "المحلّى" (4/186-187).
4) ومنهم من جمع بين الحديثين: فحملوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما [وهو الّذي ينصّ على ثلاثة أذرع] على حال القيام، وحملوا حديث سهل رضي الله عنه [وهو الّذي ينصّ على ممرّ الشّاة] على حال السّجود.
لذلك فسّروا كلمة ( مصلّى ) في حديث سعدٍ رضي الله عنهما بموضع السّجود، قال الإمام النّوويّ رحمه الله في " شرح مسلم ":
" قوله: ( كان بين مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبين الجدار مَمَرُّ الشّاة ): يعني بالمصلّى موضعَ السّجود، وفيه أنّ السنّة قربُ المصلّي من سترته "اهـ.
وأقرب الأقوال هو الأخير إن شاء الله؛ ذلك لأنّه إذا ترك بينه وبين السّترة ثلاثة أذرع لم يضطرّ المصلّي إلى التّقهقر إذا همّ بالرّكوع.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم.