أوّل هذه الأخطاء أن يظنّ العبدُ أنّ المقصودَ بالصّوم يقف عند الامتناع عن المفطرات الحسّية ! ويجهل أنّ المقصود منه هو حصولُ التّقوى، بفعل الطّاعة واجتناب المعصية، ولذلك قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) [رواه البخاري]، والزّور: هو الباطل، فيدخل فيه المعاصي القوليّة والعمليّة.
2- الإسراف في الأكل.
ومن الأخطاء الشّائعة في رمضان الإسراف في المأكولات والمشروبات، حتى صار بعض الناس ينفق في رمضان على طعامه أضعاف ما ينفقه في سائر شهور السنة، قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله فيم أنفقه.
3- تضييع الأوقات.
ومن الأخطاء تعمّدُ تضييعِ الأوقات: ساعات العمر ورأس مال الإنسان، بدلاً من اغتنامها في الذّكر، والصّلاة، والدّعاء، وتلاوة القرآن، وغيرها من أعمال البر.
فتجد بعضَ النّاس يُلهِي نفسه بألوانٍ من الملهيات، وهذا يُخشَى عليه من ذهاب كثير من أجر الصّيام؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) [متفق عليه]. وهذا قد صامه كارها لا محتسبا. وفي الأثر:" اغتنمْ شبابَك قبل هرمِك، وصحّتَك قبل مرضِك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتَك قبل موتِك ".
4- الفتور بعد الأيام الأولى من الشهر.
بعضُ الصّائمين ينطلق في بدايةِ الشّهر بهمّةٍ عالية، فيملأ وقتَه بأنواع الطّاعات والقربات، ولكنّه سرعانَ ما يصيبُه الفتور، فتجدُه يتخلّى عن برنامجه اليوميّ شيئا فشيئا.
وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: (( أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ )) [متفق عليه].
ومن أسباب الدّوام أن لا يكلّفَ الإنسانُ نفسَه فوق طاقتها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ ))، ونهى عن الوصال في الصّوم وقال: (( فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ )) [متفق عليهما].
5- الشِّجَار والغضب.
ومن الظّواهر الّتي تنتشر في شهر رمضان كثرةُ الشِّجار، وبعضُهم يحتجّ لغضبه بأنّه صائم ! وهو لا يعلم أنّه يذهب أجر صيامه، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم علّمنا أنّ الصّائم لا يخاصم، فقال: (( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ )) [متفق عليه]. فالصيام يؤدب ويحسن الأخلاق وليس الأمر كما يصوره بعض من لا خلاق له.
6- كثرة السّهر.
إنّ السّهر إذا كان في طاعة الله تعالى لا يُحمَد إلاّ إذا لم يؤدِّ إلى تضييع الفرائض، إذْ لا يُعقل أن يكون الطّمع في الفضائل سبباً لتضييع الواجبات ! وإذا كان هذا شأن السّهر في الطاعة، فكيف يكون أمر السّهر في غيرها ؟
وماذا نقول عن السّاهرين في الملاهي، ودُورِ اللّعب، وأمام التّلفاز يشاهد ما لا يرضي الله تعالى ؟ وماذا نقول عنهم إذا سهروا اللّيل كلَّه، فزادوا على ذلك أن جمعوا بين تضييع الفرائض والفضائل ؟
7- كثرة النّوم.
فمنهم من ينام النّهار جُلَّه ! وربّما نام عن صلاة الظّهر، وهذا داخل في معنى تضييعِ العمر، وقد يكون سببه كثرة السهر.
ومنهم من ينام بعد السّحور ! فيُضيع فرصةَ الدّعاء والاستغفار في الثّلث الأخير من اللّيل، وربما نام عن صلاة الفجر !
8- التغيب عن العمل.
وبسبب السّهر المفرِطِ، أو احتجاجاً بمشقّة الصّوم، فإنّ كثيرا من النّاس يتغيّب عن عمله، أو يتقصّد التأخّر، وربّما ذهب إلى العمل لمجرد تسجيل الحضور !
وهذه الظّاهرة آفةٌ خطيرة إذا كانت في غير رمضان، فكيف بها في شهر رمضان ؟! ذلك أنّه بتصرّفه هذا قد أدخل في رزقه مالاً حراما، وفي الحديث: (( إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ )) [رواه الترمذي وصحّحه الألباني].
وإن الذي نعلمه أنّ الصيام سببُ النّشاط وتركِ الكسل؛ نظرا لما يورِثُه من خِفَّةٍ في الجسم والذّهن، وممّا يؤكّد لنا ذلك أنّك إذا نظرت في التّاريخ وجدتَ غزواتِ الإسلام وفتوحاتِه كثيرٌ منها كان في رمضان.
9- البخل بالصدقة.
من وظائف هذا الشّهر: الإكثار من الصّدقة، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجودَ النّاس بالخير، فإذا كان رمضانُ كان كالرّيحِ المرسلة الّتي تأتي بكلّ خير.
ومن النّاس من هو بخيل، فإذا جاء رمضانُ ازداد بخلُه، أعني بخلَه بالصّدقة وأعمالِ البرّ، أمّا فيما لا ينفع، وفي المأكولات، والمشروبات، والتّرفيه عن النّفس، فهو مُسْرِفٌ غايةَ الإسراف ! وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد:38].
10- التوبة الظاهرية.
كثيرٌ من النّاس يُعلن توبتَه في هذا الشّهر المبارك، فتراه ملتزِماً بأداء الصّلوات وغيرِها من الفرائض، ومقلِعاً عمّا اعتاده من المعاصي، وليس في نيّته الدّوام على ذلك ! وهذا مكرٌ لا يحبّه الله تعالى {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
ومن النّاس من يتوبُ من كثيرٍ من المعاصي الظّاهرة، ويغفُلُ عن معاصي القلوب مع أنّها أخطر، والواجب على من أراد أن يجعل من هذا الشّهر شهرَ مغفرةٍ: أن يُقلِع عن جميع الذّنوب الظّاهرة والباطنة، وأن يندَمَ على اقترافها، وأن يعزم على عدم العود إليها.
11- ظاهرة التسوّل.
من النّاس من يجعلُ من هذا الشّهر موسماً للتسوّل ! وهذا أمر غير مرضيّ - بغضّ النظر عن كونه محتاجا أو غير محتاج -، وقد كان ابن عبّاس رضي الله عنه يذمّ هذا الصّنف من النّاس، ويقول:" لا تشهدُون جمعةً ولا عيداً إلاّ للمسألة ! وإذا كانت رغبةُ النّاس إلى الله كانت رغبتكم إلى النّاس !".
وإنّ ممّا ننصح به عُمومَ المتصدّقين أن يتأمّلوا قولَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ )) [متفق عليه].
12- تضييعُ قيام اللّيل.
من المخالفات البيّنة الّتي يقع فيها بعضُ الناّس: تضييعُ قيام رمضان ! والزّهد في أجره العظيم ! من أجل مشاهدة التلفاز، ومتابعة أفلامه، وأغانيه، أو المسابقات الملهيات عن ذكر الله تعالى.
13-عدم إتمام الصلاة مع الإمام.
ومن النّاس من يصلّي رُكَيْعاتٍ من القيام، ثمّ يسارع إلى الانصراف مضَيِّعاً أجراً عظيما كان بإمكانه أن يحُوزَه لو صبر فقام حتّى ينصرف مع الإمام، قال صلّى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ )) [رواه أهل السنن].
14- الجلوس في المسجد حتّى يركع الإمام.
ومن النّاس من يجلس خلفَ الصّفوف والإمامُ يقرأ في الصّلاة، حتّى إذا كبّر للرّكوع سارعوا لإدراك الرّكعة ! وهؤلاء واقعون في مخالفات منها:
التّشويش على المصلّين وربّما على الإمام.
ومنها ترك الفاتحة من غير عذر معتبر؛ إذ الرّخصة في إدراك الرّكعة بالرّكوع إنّما وردت فيمن جاء متأخّراً لا فيمن تهاون في إدراكها.
15- عدمُ الاطمِئْنَان في صلاة القيام.
ومنهم من يصلّي وعقلُه معلَّق بغير الصّلاة، وقلبه غافل عن سماع القرآن يَعُدُّ الرّكعات عدّاً ! ويستعجل متى تنقضي الصّلاة لينصرف إلى اللّهو وما كان يشغله، ومن كان هذا شأنُه فإنّه ليس له من صلاته إلاّ ما عقل منها، ولا أحسب هذا ممّن ينطبق عليه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) [متفق عليه].
16- الاشتغال بالتجارة ونسيان الطاعة.
وممّا يقع فيه كثير من النّاس: الاشتغال بالتّجارة، حيثُ تشغلُهم عن أعمال البرّ والقربات، يشتغلون بحرث الدّنيا، ويغفلون عن حرث الآخرة.
17- انشغال المرأة غالب وقتها بالمطبخ.
ومن الأخطاء الّتي تقع فيها النّساء خصوصاً: الاشتغال بطبخ ألوان الطّعام وصنع الحلْوَيَات، وتضييع الأعمال الصّالحة المشروعة في هذا الشّهر.
18- تعجيل السّحور.
قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً )) [متفق عليه]، وفي صحيح مسلم عن عائشة أنّ النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم (كَانَ يُعَجِّلُ الفِطْرَ وَيُؤَخِّرُ السَّحُورَ).
وعليه، فإنّ من الخطأ ما يفعلُه كثير من النّاس من تعجيل السّحور بساعات قبل الفجر !
19- ترك السّحور بسبب بدعة الإمساك.
وقتُ الإمساك الشّرعي هو وقت أذان الفجر، قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187].
أمّا ما اصطُلِح على تسميته وقتاً للإمساك في زماننا ! فهو بدعةٌ ضلالة، من آفاتها الظّاهرة تحريمُ الطّعام على النّاس في وقت أباحه الله فيه، وربّما أدّت إلى ترك السّحور من أصله إذا تأخر النّاس في إعداده.
20- الفطر قبل تيقن الغروب.
ومن الأخطاء: ما يفعله البعضُ من تعجيل الفطر قبل تيقّن الغروب ! وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ )) [متفق عليه].
فلا بدّ من اعتبار هذه الأوصاف جميعِها لا بعضِها دون بعض، وليحذرْ المؤمنُ من التّلاعب بصيامه فإنّ عقوبةَ من يُفطِر في رمضان شديدةٌ، فقد صحّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى في المنام ممّن يُعذَّب في القبر قوماً معلّقين بعراقيبهم، مشقّقة أشداقُهم، تسيل أشداقُهم دماً، فقال: (( مَنْ هَؤُلاَءِ ؟) فقيل له:" هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ ". [رواه ابن خزيمة].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .